قال تقرير صادر من مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية إن داعش مازال يحتفظ بقوته الإعلامية رغم هزيمته عسكريًا وفرار مقاتليه وتفشي الخلافات بين قياداته. في وقت قال خبراء في شؤون الجماعات الإسلامية إن داعش هزم عسكريًا وإعلاميًا، ويحاول استعادة بعض من قوته.

إيلاف من القاهرة: أصدر تنظيم "داعش" الإرهابي إصدارًا مرئيًّا جديدًا بعنوان "ولا تضروه شيئًا" يبعث برسالة أساسية مفادها أن ترك التنظيم والانقلاب عليه والفرار من المعارك هو ردة عن الإسلام ونقض للبيعة وخروج من الملة، مؤكدًا أن الانتكاسات التي يواجهها التنظيم في الوقت الحالي لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة، فقد سبق للتنظيم أن واجه مثلها الكثير، ونجح في التصدي لها والعبور منها.

رسائل متعددة
وقال مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية: إن هذا الإصدار عن "ولاية الخير" التابعة للتنظيم يعكس حجم الهزيمة والانكسار والاستسلام التي يعيشها عناصر التنظيم، وفرار الكثير منهم من المعارك وإعلان الاستسلام أو التوبة وتسليم أنفسهم إلى السلطات والجهات الرسمية، ما استدعى تصوير التنظيم عبر إصداره الأخير لهذا الأمر، وكأنه ردة بعد الإسلام، ونقض للبيعة وكفر بالله بعد الإيمان به، وهي أمور تكشف عن الخلل العقدي الواسع لدى التنظيم، الذي يرى في نفسه مجسدًا للإسلام، من التزمه التزم الإسلام، ومن خالفه خالف الإسلام وكفر به، فيصل الخلط بين التنظيم والدين إلى حد تطبيق الآية الكريمة على نفسه: "يا أيها الذين أمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله واسع عليم"، سورة المائدة.

وبيَّن المرصد أن الإصدار الأخير حمل العديد من الرسائل والدلالات المهمة التي ينبغي التنبه إليها، أهمها:

ـ القوة الإعلامية لـ"داعش" ما زالت قادرة على تقديم المواد المصورة بشكل قوي، وذلك بالرغم من الهزائم الواسعة والانحسار الكبير للتنظيم في معاقله القديمة.

ـ تأكيد التنظيم في الإصدار المرئي أن هذه الخسائر التي يتعرّض لها لم تكن الأولى، وأن عناصره ومقاتليه قادرون على تخطي تلك الصعاب.

ـ تأكيد التنظيم على أن الهزائم هي نوع من ابتلاء التمحيص وتنقية صفوفه وتنقيحها من العناصر الضعيفة والمثبطة.

- يسعى الفيديو إلى التأكيد على أن التنظيم ما زال قادرًا على شن الهجمات وقتل المدنيين والسيطرة على الأرض، وذلك من خلال تقديم بعض اللقطات لمواجهات عسكرية واستهداف لبعض المركبات وقتل من فيها.

- تكرر في الفيديو عرض لصور ومشاهد الألفة والتقارب والمحبة بين العناصر الداعشية بشكل لافت، ما يثير التساؤل حول مغزى هذا العرض المتكرر وغير المبرر سوى أن التنظيم يواجه خلافات وشقاقات حادة بين عناصره، ويسعى إلى رأبها وإنكار وجودها.

- التنظيم عرض لمشاهد وحشية لعمليات القتل والذبح التي لا يعرف توقيتها على وجه الدقة، غير أن عرضها بشكل صريح يؤكد أن التنظيم يهدف إلى بث الرعب والخوف في صفوف أعدائه بعد الهزائم المتكررة له في مختلف مناطقه.

- مشاهدة الإصدار المرئي تكشف عن قلة في أعداد التنظيم وعدم وجود عناصر أجنبية بكثرة كما هي الحال في الإصدارات السابقة لولاية الخير، ما يشير صراحة إلى تقلص أعداد التنظيم وهروب الكثير من المقاتلين الأجانب من صفوفه.

محاولات إنعاش
بينما يرى خبراء في شؤون الجماعات الإسلامية أن التنظيم تعرّض لهزيمة ساحقة، ولم يعد له وجود فعلي على الأرض، باستثناء مجموعات صغيرة تسعى إلى الحصول على حواضن ودعم مالي.

وحسب وجهة نظر القيادي السابق في تنظيم الجهاد، فإن داعش تعرّض لهزيمة نكراء، مشيرًا إلى أن أية مقاطع فيديو أو عمليات إرهابية يقوم بها التنظيم ما هي إلا "حلاوة روح".

وأضاف لـ"إيلاف" أن الهدف من العمليات التي يقوم بها التنظيم أو الإصدارات الإعلامية هو الحصول على الدعم المادي من القوى الدولية، وخاصة أميركا، لإعادة تجميع قواه مرة أخرى.

ولفت إلى أن التقارير الاستخباراتية تقول إن أميركا تدعم داعش، وأبرمت صفقات معه للخروج الآمن من مناطق عدة في سوريا والعراق، وتحاول تجميع مقاتليه من جديد.

البحث عن بيئة حاضنة وممولة
وشدد على أن التنظيم لم يعد له وجود فعليًا، وأن هناك مجموعات صغيرة تروّج لنفسها من أجل الانضمام إلى تنظيم القاعدة أو أية حواضن أخرى توفر لها المال والمأوى.

من جانبه، يرى الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، محمد الرفاعي، أن تنظيم داعش تعرّض لهزيمة ساحقة في العراق وسوريا، وهما المعقلان الرئيسان للتنظيم في العالم.

أضاف لـ"إيلاف" أن التنظيم لم تعد لديه بنية تحتية، وخسر نحو 98% من الأراضي التي يسيطر عليها، وخسر نحو 90% من مقاتليه، ولم تعد هناك قيادات ظاهرة أو معروفة له، مشيرًا إلى أن أبو بكر البغدادي يعيش في الحفر تحت الأرض، ولا يستطيع التواصل مع باقي القيادات.

وأشار إلى أن التنظيم فعليًا لم يعد موجودًا بشكل مركزي، وما يحدث في مصر أو ليبيا أو سوريا أو العراق مجرد مجهودات فردية أو هجمات "ذئاب منفردة"، لكن ليس هناك تنسيق أو مركزية للتنظيم كما كان في العامين 2014 و2015، منوهًا بأن الإصدارات الإعلامية ليست إلا مجهودات فردية من ديوان الإعلام والأذرع الإعلامية التابعة للتنظيم، التي تحاول استعادة بعض من قوتها، واستقطاب المتشددين، لكنها لا تؤشر إلى أنه مازال قويًا، مقارنة باصداراته الإعلامية في العامين 2014 و2015.

وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أعلن يوم 9 ديسمبر الماضي، سيطرة القوات العراقية بشكل كامل على الحدود السورية العراقية، مؤكدًا انتهاء الحرب ضد تنظيم داعش رسميًا. وقال العبادي، إن "قواتنا سيطرت بشكل كامل على الحدود السورية العراقية. ومن هنا، نعلن انتهاء الحرب ضد (داعش)".

بينما أعلن الجيش الروسي بتاريخ 7 ديسمبر الماضي، أنه أنجز مهمته، وهزم تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا، ولم تعد هناك مناطق تحت سيطرة التنظيم في البلاد. مضيفًا أن مهمة قواته تكمن الآن في الحفاظ على اتفاقات وقف النار في مناطق مختلفة في سوريا.