برلين: تلقى الاشتراكيون الديموقراطيون الألمان وعدا بمنحهم حقيبة المالية في الحكومة التي يجري تشكيلها في البلاد، في قطيعة مع حقبة المحافظ فولفغانغ شويبله، الحارس الصارم لموازنة مستقيمة في بلده وفي اوروبا.

وظلت حقيبة المالية في السنوات الثماني الأخيرة حكرا على الحزب الديموقراطي المسيحي بزعامة المستشارة انغيلا ميركل.

لكن التخلي عن هذه الحقيبة المحورية في الاقتصاد الاوروبي الأول يجسد تراجع موقع المستشارة السياسي، مع اضطرارها الى تقديم تنازلات كبرى إلى الاشتراكيين الديموقراطيين لانتزاع اتفاق على ائتلاف حكومي والاحتفاظ بالسلطة.

ولفت المحلل الاقتصادي لدى "بيكتت ولث ماناجمنت" فريديريك دوكروزيه الى ان مغادرة حامل الحقيبة السابق فولفغانغ شويبله وحدها أنبأت "بتغير فعلي في عقلية القادة الالمان"، مضيفا ان استبداله باشتراكي ديموقراطي مرحلة إضافية.

وانطبع شويبله في الذاكرة في دول اوروبية كثيرة على أنه من حاول إخراج اليونان من منطقة اليورو في أوج أزمة الديون.

ويفترض ان تساعد "غنيمة الحرب" هذه قيادة الحزب الاشتراكي الديموقراطي على إقناع قاعدتها بالموافقة على الائتلاف الجديد مع اليمين، الثالث منذ 2005 بالرغم من التحفظات الشديدة للناشطين في أوساط الحزب الداخلية.

وقال دوكروزيه ان "هذا التغيير مفاجأة مهمة لكن يجب ان يكون مدروسا والا فقد تخيب آمال البعض، وسرعان ما ستسترجع الواقعية السياسية هيمنتها على الوضع".

لكنه لا يعلن بالضرورة مراجعة كاملة للسياسة المالية الالمانية التي تضع توازن المالية العامة في مصاف العقيدة وما زالت تسودها مخاوف كبرى من الاضطرار لدفع المال لتصحيح انحرافات الميزانية لدى الدول الأخرى.

نهاية "استبداد وفورات" الميزانية

سيتولى رئيس بلدية هامبورغ الشديد الاعتدال اولاف شولز البالغ 59 عاما وزارة المالية. واعتبر المحلل فلوريان هيسه لدى بنك بيرينبرغ انه "براغماتي والأقرب على الارجح في صفوف حزبه إلى خط الوزير السابق شويبله".

وقد يشكل تولي يسار الوسط الالماني حقيبة المالية إشارة جديدة في اوروبا. ويوفر بالتالي اتفاق الائتلاف المبرم الاربعاء دعما حقيقيا ولو حذرا، لمقترحات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لإصلاح منطقة اليورو.

ويريد رئيس الحزب الاشتراكي الديموقراطي مارتن شولتز الرئيس السابق للبرلمان الاوروبي ان يرى في ذلك وعدا "بنهاية استبداد وفورات" الميزانية في اوروبا.

وتبنى اتفاق الائتلاف المقترح الفرنسي لوضع ميزانية في منطقة اليورو للاستثمارات المشتركة فيما ظل محافظو ميركل طوال اشهر يصمون اذانهم عن ذلك، نظرا إلى خشيتهم العارمة من تقاسم الديون.

على الصعيد الداخلي سيوفر الحصول على المالية وكذلك على حقيبة العمل والشؤون الاجتماعية للحزب الاشتراكي الديموقراطي هامشا أكبر للمناورة بعدما خاض حملة تمحورت حول مزيد من العدالة الاجتماعية. كما ينص الاتفاق على تشديد الانظمة بشأن لجوء المؤسسات إلى عقود العمل المحددة المدة.

كما يصر الاشتراكيون الديموقراطيون الالمان على زيادة النفقات في قطاعات التعليم والعقارات والبنى التحتية والصحة، ما يعارضه قطاع الاعمال الالماني الذي يندد ببرنامج مكلف بعد سنوات من التوفير.

وعلق رئيس الاتحاد الالماني للصناعة ديتر كيمبف "عموما، الصناعة الالمانية ليست راضية عن هذا الاتفاق الائتلافي، فمشاريع الاتفاقات هذه ستخل بقوة بتوازن مبدأ اعادة التوزيع وستلقي بثقلها على المستقبل".

وحدد الحزب الاشتراكي الديموقراطي لنفسه مهمة التصدي لأي فكرة تقضي بتخفيض الضرائب للشركات، في جدل يزداد في ألمانيا في أعقاب التعديلات الضريبية الاميركية. واكد دوكروزيه ان "الخط الاحمر للحزب الاشتراكي الديموقراطي سيكون تخفيضا هائلا للضرائب على الطريقة الاميركية، والهدف تفادي الاصابة بـعدوى ترامب".