الرباط: بعد مرور ستة أيام على الكلمة النارية لرئيس الحكومة السابق عبد الإله ابن كيران، التي قصف فيها جهات في الدولة وأحزاب سياسية مشاركة في التحالف الحكومي بقيادة سلفه الدين العثماني، مازالت تداعياتها مستمرة وسط ترقب في الساحة السياسية للتطورات التي ستفضي إليها، خصوصا مع الحزبين اللذين نالا قسطا وافرا من انتقادات الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية.

غير أن السؤال الذي مازال يطرح نفسه بإلحاح، هو ما هي الدوافع والخلفيات التي تقف وراء إقدام ابن كيران على إلقاء الكلمة «القنبلة» في بيت الائتلاف الحكومي المتعدد المشارب؟ وما إذا كانت بإيعاز من العثماني أم أنها مبادرة غير محسوبة العواقب من ابن كيران؟ 

 «إيلاف المغرب» سعت إلى البحث في الموضوع من خلال إجراء اتصالات مع مصادر متعددة من داخل قمرة قيادة الحزب ، ذي المرجعية الإسلامية، سواء منها القريبة من ابن كيران أو التي تقف على الطرف النقيض لتوجهاته داخل الحزب، وتوصلت إلى بعض المعطيات التي يمكن أن توضح شيئا من الغموض الذي أحاط بهذه الخرجة الإعلامية المثيرة لزعيم سياسي يرفض التقاعد والاعتزال رغم الضربات التي تلقها من اخوانه قبل خصومه دفاعا عن كرامة الحزب.

العارفون بابن كيران، من الخصوم والأتباع، يقولون إن الرجل رغم الأخطاء والتجاوزات التي يقع فيها في خطاباته، إلا أنه «يحسب أموره جيدا، ورسائله لا تخطئ الجهات التي يعنيها أو يستهدفها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر».

فبخصوص الأسباب التي تقف وراء كلمة ابن كيران، أسرت مصادر قريبة منه لـ«إيلاف المغرب»، بأنها جاءت كـ«رد فعل مباشر من ابن كيران على الاستهداف المتكرر الذي يتعرض له الحزب ورئيس الحكومة العثماني».

وأضافت أن رئيس الحكومة السابق «شعر بالإهانة إزاء الموقف الذي بدر من ادريس لشكر امين عام حزب الاتحاد الاشتراكي ، وتجرؤه على العثماني في إحدى لقاءات قادة أحزاب الغالبية الحكومية بعدما عمد إلى الضرب على الطاولة احتجاجا على العثماني».

وبالعودة إلى خطاب ابن كيران، نجد ما يزكي هذا الرأي، حيث إن الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، ختم حصة التقريع التي خصصها لـ«لشكر وحزبه»، قائلا «الدكتور العثماني ليس وحده.. نحن نراعي، وتجرعنا عدداً من المصائب، وصبرنا وأدخلنا الاتحاد رغماً عنا، ولكن لا تبالغوا لأن (العدالة والتنمية) لن يتغير».

اما بخصوص اطلاق سهامه على اخنوش، فقالت المصادر ان تصريحات ادلى بها اخنوش اخيرا حملت وعيدا وتهديدا بالعقاب في حق النائب عبد الوهاب بلفقيه المنتمي للاتحاد الاشتراكي ، جعلت ابن كيران يستغرب كيف اصبح اخنوش يتحدث كسلطة قائمة بذاتها ، وهو سلوك لم يمارسه حتى اعتى رموز " التحكم ".

وكان اخنوش قد حذّر النائب بلفقيه في تجمع حزبي نظمه في كلميم ( جنوب المغرب) نهاية الشهر الجاري من اللعب بالنار، وقال ان كل شخص يضع العصا في العجلة ويعرقل المشاريع التي من شأنها تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين ، ويحرم المواطنين من الاستفادة من فرصهم في التنمية، لا بد أن يدفع ثمن هذه الممارسات غير المسؤولة وغير المقبولة".

 لا تنسيق مسبق

وأجمع كل الذين تواصلت معهم «إيلاف المغرب» على أن الكلمة التي ألقاها ابن كيران لم يكن مرتبا لها أو جرى الاتفاق بشأن مضمونها بينه وبين الأمين العام،وقال قيادي في الحزب "يستحيل أن يحصل هذا الأمر، أولا لأن الحزب لا يؤمن بهذه الأساليب، ثانيا لأن ابن كيران، لا يمكن أن يجرؤ أحد من إخوانه على الخوض معه في ما يجيب أن يقول أو لا يقول»، مرجعا ذلك إلى الاحترام والمكانة الكبيرة التي يحظى بها في الحزب باعتباره زعيما لهم.

غير أن هذا الأمر، سيكون على رئيس الحكومة، والفريق الوزاري لحزبه توضيحه وشرحه لحلفاء الحزب، للتقليل من التداعيات التي ستثيرها الكلمة ، لا محالة ، بين مكونات الغالبية، خاصة من جانب حزب الاتحاد الاشتراكي، وأمينه العام ، الذي عد الأمر في تصريح لـ«إيلاف المغرب» نوعا من تبادل الأدوار بين قيادات الحزب القائد للتحالف الحكومي تجاه حلفائه، مستغربا في الآن ذاته، حضور العثماني لكلمة ابن كيران واستماعه لتقريع حلفائه.

الكلمة جزء من التوافق الداخلي

وفي سيناريو آخر، لم يستبعد أحد القيادات الشابة في الحزب، أن تكون الكلمة تدخل ضمن سياق التوافقات التي تتطلبها المرحلة، من أجل رأب الصدع بين التيارين المختلفين بالحزب، وخطوة أولى نحو استعادة زمام المبادرة وتجاوز المرحلة السابقة، من خلال فسح المجال أمام العودة التدريجية لابن كيران، وتأطيره للتجمعات واللقاءات التنظيمية والتواصلية مع السكان، استعدادا وتمهيدا للاستحقاقات الانتخابية المقبلة ، خصوصا محطة 2021 التي يمني الحزب النفس لتصدرها مجددا وإعادة ابن كيران مرة أخرى لرئاسة الحكومة والحزب.

وهذا المعطى، يجد أيضا، ما يسنده في كلمة ابن كيران، التي أعرب فيها استعداده للقيام بالمهمة وممارسة هوايته المفضلة في إلقاء الخطب القوية أمام عشرات الآلاف من المواطنين، عندما قال: «أنا مستعد. من أرادوا أن يستمعوا إلي سألبي دعوتهم»، وهي بمثابة دعوة مباشرة للحزب باستئناف نشاطه والعودة إلى الحركية التواصلية التي كان يعيشها طيلة الولاية الحكومية السابقة.

ولم يقف أصحاب هذا الرأي عند هذا التفسير، بل، ذهبوا أبعد من ذلك، متوقعين بأن ابن كيران لن يعود مجددا الى التزام الصمت، وسيتحدث كلما دعت الضرورة ذلك، مسجلين أنه من الناحية المبدئية، «كلامه يبقى كلام عضو عاد ليست له أي مكانة تنظيمية داخل الحزب، ولا يمكن تحميل الحزب ورئاسة الحكومة مسؤولية خرجاته»، لافتين إلى أن رئيس الحكومة السابق، عازم على الحضور والوجود المستمر في الساحة وما على «قيادة الحزب والحكومة إلا الصبر وتدبير الأمر مع حلفائها»، وهو ما يعني أن العثماني سيكون مضطرا في كل مناسبة تحدث فيها ابن كيران بمثل هذه الحدة، لـ«تلطيف الأجواء وترطيب خواطر الحلفاء الذين لن تخطئهم سهام ابن كيران الحادة».

طلقات ابن كيران

 ويبدو أن ابن كيران لم يفوت الفرصة كعادته دون توجيه سهام نقده نحو خصومه في مربع الحكم، حيث لمح الى انهم اضحوا يتدخلون كثيرا في شؤون الحكومة، وتدبير اختصاصاتها.

وجدد رئيس الحكومة السابق التأكيد على أن معركة حزبه مستمرة ضد الفساد والتحكم، حيث قال: «إن المستقبل يلزمنا لإعطاء انتصار المؤتمر المعنى الحقيقي بالالتئام كحزب واحد لمواجهة الفساد والاستبداد»، وذلك في رسالة مشفرة تعيد توجيه بوصلة الحزب في المستقبل وترسم معالمها، كما اعتبر الإعفاء «حادث سير وليس من حقنا أن نتخلى عن المواطنين وثقتهم.. وعندما تنجح لا بد أن تؤدي الثمن».

وأيا كانت الدوافع والأسباب الكامنة وراء هذا الخروج الذي زعزع الساحة السياسية المغربية، وأزعج الكثير من الجهات، إلا أن الحقيقة الواضحة والاكيدة ، هي أن ابن كيران، دشن بشكل رسمي عودته من جديد للحياة السياسية، رافضا «الانزواء أو التقاعد»، إذ تؤكد مسيرة الرجل الطويلة في العمل السياسي أنه كلما «استبعد وتعرض للإخفاق»، إلا وعاد مرة أخرى أقوى مما كان عليه في السابق. انه طائر الفنيق المغربي الذي يبعث من رماده.