دعت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي الجمعة إلى التوصل إلى اتفاق تجارة حرة واسع مع الاتحاد الأوروبي بعد خروج بلادها من الاتحاد، إلا أنها قالت إن الوقت حان لمواجهة "الحقائق الصعبة" بشأن التأثيرات الاقتصادية لعملية الخروج. 

إيلاف: في خطاب مفصل قبل أسابيع من بدء المفاوضات حول الشراكة المستقبلية مع بروكسل، أكدت ماي أن بريطانيا ستترك السوق الاوروبية الموحدة والاتحاد الجمركي بعد بريكست في مارس 2019. 

ودعت إلى التوصل الى "أوسع اتفاق ممكن (...) يشمل عددا أكبر من القطاعات ويلحظ قدراً من التعاون أكبر من أي اتفاق للتبادل الحر مع العالم اليوم". الا انها اقرت لأول مرة أن بريطانيا قد تعاني من عوائق تجارية جديدة نتيجة خطوتها التي املتها الرغبة بانهاء الهجرة الجماعية والتخلص من قوانين الاتحاد الاوروبي. 

اضافت "اريد أن أكون صريحة مع الناس لأن الحقيقة هي أننا جميعاً نحتاج مواجهة بعض الحقائق الصعبة.. وبطرق معينة فإن دخولنا الى اسواقنا المتبادلة سيكون مختلفا". 

ووعدت بالالتزام ببعض الانظمة والحد الادنى من المعايير بشأن السلع في مسعى الى الحفاظ على العلاقات التجارية الوثيقة، مع الاحتفاظ بخيار الخروج عن ذلك في المستقبل. واشاد كبير مفاوضي البريكست لدى الاتحاد الاوروبي ميشال بارنييه بـ"الوضوح" الذي ميز خطاب ماي. 

وقال بارنييه في تغريدة على تويتر "ارحب بخطاب تيريزا ماي". وكان الاوروبيون اخذوا على ماي خلال الاسابيع القليلة الماضية غياب الوضوح في موقفها.

اضاف بارنييه "ان الوضوح بشأن خروج المملكة المتحدة من السوق الموحدة والاتحاد الجمركي، اضافة الى الاقرار بضرورة التسوية، سينيران الخطوط الموجهة للمجلس الاوروبي" بشأن اتفاق مقبل للتبادل الحر بين الطرفين.

القدرة على الابتكار
ويضغط قادة الاتحاد الاوروبي على ماي لتوضيح ما تريده قبل أن يتفقوا على الشراكة الاقتصادية المستقبلية في قمة ستعقد في وقت لاحق من هذا الاسبوع. 

وانتقد رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك ماي في تغريدة الخميس قبل لقائه بها عندما قال "لنكن واضحين: لا يمكن ان تكون هناك تجارة بدون رسوم جمركية خارج الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة. الرسوم هي آثار جانبية لا يمكن تفاديها لبريكست".

الا ان وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون المتشكك في الاتحاد الاوروبي، قال ان ماي قدمت "رؤية واضحة ومقنعة". وكتب على تويتر: "سنبقى قريبين جداً من اصدقائنا وشركائنا في الاتحاد الاوروبي - ولكننا سنصبح قادرين على الابتكار، وعلى وضع اجندتنا وقوانيننا وأن نبرم اتفاقيات تجارة حرة طموحة حول العالم". إلا أن تشوكا اومونا النائب المناصر للاتحاد الاوروبي من حزب العمال قال ان ماي "وضعت راسها في الرمال". 

التزامات ملزمة
وزاد الاتحاد الاوروبي من الضغط خلال هذا الاسبوع عبر طرح مسودة معاهدة تقترح بقاء ايرلندا الشمالية في الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الاوروبي، بينما تبقى باقي بريطانيا خارجه. 

يعتبر هذا الاقتراح بديلا في حال اخفقت لندن بالخروج بحل افضل لتجنب فرض قيود جمركية جديدة بين ايرلندا الشمالية وايرلندا وسط خشية البعض أن يؤدي وجود "حدود فعلية" الى زعزعة السلام الهش بين الجانبين. الا ان ماي حذرت من أن ذلك يهدد وحدة بلادها وأن هذا امر "لا يوافق عليه اي رئيس وزراء بريطاني". 

وكررت ماي الجمعة معارضتها لوجود حدود فعلية، ولكنها قالت انه يمكن التوصل الى ترتيب يمنح بريطانيا حرية التوصل الى اتفاقيات تجارة منفردة. 

واعلن حزب العمال المعارض في هذا الاسبوع عن تأييده لانشاء اتحاد جمركي جديد يحظى بالفعل بدعم جماعات الضغط في قطاع الاعمال. وسيصعد هذا التغير في موقف حزب العمال من التوتر في البرلمان الذي سيصوّت على اتفاق الخروج النهائي، والذي لا تملك ماي فيه سوى غالبية ضئيلة. 

وفيما رفضت ماي اقامة اتحاد جمركي جديد يتحكم في حركة السلع، اكدت على ضرورة حماية سلاسل الامدادات المعقدة التي نشأت خلال عضوية بريطانيا في الاتحاد الاوروبي في العقود الأربعة الماضية. وقالت ان بريطانيا "ستقدم التزاما قويا بأن تبقى معاييرها التنظيمية مرتفعة على مستوى معايير الاتحاد الاوروبي نفسه". 

كما أكدت ان بلادها ستبقى جزءا من الوكالات المهمة للصناعات الكيميائية والدوائية والفضائية، وستقدم مساهمات مالية. وقالت ان التوصل الى اتفاق تجارة سيتطلب "التزامات تبادلية ملزمة" لضمان المنافسة النزيهة، وآلية تحكيم مستقلة، في رفض صريح للمحكمة الاوروبية. 

واضافت "في جميع هذه المجالات، يمكن للتفكير الجريء والمبدع أن يؤدي الى اتفاقيات جديدة تخدم مصالح جميع شعوبنا في المملكة المتحدة والاتحاد الاوروبي". جاء خطاب ماي الثالث المهم منذ وصولها الى الحكم في يوليو 2016 بعد أسبوع حساس تعرضت فيه سياستها لانتقادات، لا سيما من اثنين من رؤساء الوزراء السابقين المعارضين لبريكست. إذ طلب جون ميجور منها ان تتحلى ببعض "الواقعية" ووصف أهدافها بانها "تفتقد للمصداقية". 

اما توني بلير فقال ان الاحتفاظ بامكانية دخول السوق الموحدة الأوروبية "مستحيل" من دون الامتثال للقوانين الأوروبية. ومن المقرر ان ينشر رئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك في الاسبوع المقبل "الخطوط الموجهة" التي يفترض ان تتفق الدول الـ27 عليها في ما بينها. وستشكل التكليف الذي سيعطى لبارنييه للاتفاق مع لندن على اطار للعلاقة المستقبلية بين الطرفين.