الرباط: بعدما كان من المقرر عرضها خلال افتتاح معرض فني في فضاء متحف الفن المعاصر بمدينة تطوان (شمال المغرب)، قامت وزارة الثقافة والاتصال أخيرًا بسحب لوحة للفنانة التشكيلية خديجة طنانة تحمل عنوان "كاماسوترا"، وتجسد من خلالها وضعيات جنسية مختلفة.

كان العمل الفني "كاماسوترا" (الاسم مستوحى من نص هندي قديم يتناول السلوك الجنسي لدى الإنسان) مبرمجًا من أجل عرضه، في إطار معرض جماعي ينظمه المعهد الثقافي الفرنسي والمعهد الثقافي الإسباني بالمدينة، وبإشراف من وزارة الثقافة والاتصال.

ضجة ونفور

يقول بلال الشريف، مسؤول عن مركز تطوان للفن الحديث، في اتصال مع "إيلاف المغرب"، إن المعرض يضم مجموعة من الأعمال الخاصة بطنانة، والتي تتميز بأسلوبها حول الجنس والمواضيع الجريئة، ومنها لوحة "كاماسوترا" المتضمنة لرسومات صريحة للعلاقات الحميمة بشكل واضح".

حول حيثيات وأسباب قرار المنع، يضيف قائلا "توصلنا بوثيقة تقنية لا تخص نفس العمل موضوع النقاش بل عملاً آخر، لنكتشف لاحقا أن اللوحة ليست ذاتها، فإذا ما قارنا الصورة الموجودة في"الكاتالوغ" مع الصورة الأخرى، يتضح أن الأمر يتعلق بصورة تعبيرية تجريدية، ليتضح لاحقا أن اللوحة التي منعت من العرض تم إنجازها بأسلوب تشخيصي واضح لهذه العلاقات الجنسية، مما يخلق ضجة و نفورًا لدى الوافدين، خاصة أننا مركز عمومي، وبالتالي فلا يجب عرض مثل هذه الأعمال لعموم الزائرين".

 اللوحة موضوع النقاش

يعتبر الشريف أن الفنانة طنانة من حقها التعبير عن نفسها والدفاع عنها، عقب قرار المنع، رغم أنها تفهمت الموضوع، لكنه أخذ أبعادا كثيرة، خاصة أنها ليست المرة الأولى التي يتم من خلالها سحب أحد الأعمال الفنية بالمغرب، و ذلك انطلاقا من السلطة التي تخولها الوزارة الوصية.

أعمال جريئة

بخصوص التيمات والموضوعات التي تناقشها بقية الأعمال المعروضة، يقول المتحدث إن هناك أعمالا أخرى جريئة ومنفتحة بشكل عادي، لكنها لم تصل لسقف الجرأة الذي وصلت إليها لوحة "الكاماسوترا".

وحول انتقاد طنانة لسحب اللوحة لاحقا خاصة انها قامت بعرضها في مدينة الدار البيضاء دون ان تواجه أي مشاكل، يضيف بلال الشريف قائلا "من حقها أن تقول ما تريد، وأتحداها أن تكون هي نفس اللوحة التي عرضتها سابقا كما أفادت، اللوحة الأولى تم إنجازها بالسيراميك، وكانت مرسومة بطريقة مغايرة، لا علاقة لها إطلاقا بالعمل الثاني، يقبل على المعرض ما يقارب 1500 زائر شهريًا، لا يمكننا أن نضحي بهذا العدد بسبب "كاماسوترا".

ويرى الشريف أن الأمر لا يتعلق بمنع حرية التعبير والإبداع لدى الفنانين، خاصة أن التربية الجنسية لها أمكنتها التي يتم من خلالها تلقينها وتحسيس المواطنين بها.

ويقول المسؤول عن مركز تطوان للفن الحديث: "لدينا أعمال معروضة في المتحف بشكل دائم لمبدعين مغاربة، من بينهم خديجة طنانة، و لم يسبق لنا أن ناقشنا معها أسلوبها أو مواضيع لوحاتها، لكن هذه اللوحة تتصف بالجرأة، وهذا كل ما في الأمر".

حرية الإبداع

من جهتها، عبرت الفنانة خديجة طنانة، عن احتجاجها على منع عرض لوحتها "كاماسوترا"، والتي استوحتها من كتاب معروف في التراث العربي، في إشارة إلى كتاب "الروض العاطر في نزهة الخاطر" لصاحبه التونسي محمد النفزاوي، حيث قامت بتكميم فمها بلاصق أصفر وقيدت به يديها أيضاً، ورفعت لوحة تحمل شعارات "لا إبداع من دون حرية"، و"لا لقمع الحريات".

بلال الشريف: مسؤول بمركز تطوان للفن الحديث

وقالت طنانة في مقطع فيديو نشرته عبر موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، إن منع اللوحة يعني بأن المغرب ما زال بعيدا عن الديمقراطية وحرية التعبير والإبداع، خاصة أن الفنان يظل بحاجة دوماً للدعم والحرية من أجل أن يكون خلاقا ومبدعا في مختلف الأعمال التي يقدمها، لكن وجود العراقيل والمراقبة يشكل حاجزا دون تحقيق أهدافه.

وتساءلت عن السبب الذي يجعل القيمين على الحقل الثقافي والفني يتخوفون من عمل مماثل كـ"كاماسوترا"، خاصة أنه يتيح فتح الباب أمام عدة تساؤلات حول موضوع الجنس في المغرب، خاصة أن المواطنين بحاجة للحديث عن هذه التيمة التي ما زالت تندرج ضمن إطار الطابوهات.

زادت قائلة: "المجتمعات التي تعتبر الجنس موضوعا مسكوتا عنه ولا ينبغي تناوله، تعرف أكبر نسبة من أشكال العنف الجنسي واللفظي والتحرش، لأنها تعاني من وجود نقص في التوازن، على عكس المجتمعات التي تفهمت هذا الموضوع، واتجهت نحو التربية الجنسية بطريقة بسيطة وعادية".

وأفادت طنانة أنها أرادت تقديم عمل هادف من أجل توعية الأجيال الجديدة، بقيمة ودور الجنس في إعطاء توازن للمجتمع، بتجسيدها لمعاني الحب من خلال صور جمعتها في لوحة كاماسوترا التي تتكون من 246 قطعة في شكل كف اليد (يسميها المغاربة خميسة)، تعكس أوضاعاً جنسية مختلفة، بطول 175 متراً.

ردود فعل متضاربة

شهد منع عرض اللوحة، ردود فعل متضاربة، بين فنانين تشكيليين مغاربة ونشطاء في فايسبوك، ممن عبروا عن استهجانهم لإقدام المركز على سحبها، حيث اعتبروا أن مثل هذه الفضاءات الفنية أنشئت لاحتضان كل الفنون المغربية التي من شأنها التعريف بالمغرب والمغاربة والفنون.

ورأى مناصرو الفنانة طنانة ان مثل هذا السلوك يزيد من حدة التطرّف، ويساهم في تفشي ظاهرة الاغتصاب والعنف والتحرش، مطالبين بترك المجال مفتوحًا أمام الشباب من أجل التوعية، في حين دعا آخرون إلى ضرورة ممارسة نوع من الرقابة على مثل هذه الأعمال الجنسية "المستفزة"، التي تؤذي مشاعر وكرامة المواطنين، خاصة أنهم يكونون في الغالب مرفوقين بأطفالهم وأقاربهم. 

يعرف المعرض مشاركة فنانات من المغرب وفرنسا وإسبانيا، يقمن بعرض أعمال فنية عديدة تعالج موضوعات لها علاقة بالمعتقد والجنس والاغتراب، حيث سيظل مفتوحًا في وجه العموم إلى غاية الـ14 من شهر أبريل المقبل.