وارسو: تواجه بولندا عشية إحياء الذكرى الخمسين لحملة وحشية ضد اليهود أزمة دبلوماسية مع إسرائيل على خلفية قانون جديد مثير للجدل حول المحرقة.

في 1968 وفي إجراءات تهدف في جزء منها لفض الخلافات داخل الحزب الشيوعي الحاكم، جردت الحكومة البولندية العديد من اليهود من عضويتهم في الحزب الشيوعي -- وبالتالي من وظائفهم -- مما دفع بنحو 12 ألفا منهم لمغادرة البلاد.

ويواجه "حزب القانون والعدالة" المحافظ في بولندا حاليا اتهامات بالسعي لإنكار المحرقة بعد وضع قانون يهدف بشكل ملحوظ لنفي مشاركة بولنديين في معسكرات الموت النازية في بولندا التي كانت تحتلها ألمانيا آنذاك.

ويقول آدم ميخنيك المنشق البارز من الفترة الشيوعية وهو حاليا رئيس تحرير صحيفة غازيتا فيبورجا كبرى الصحف الليبرالية في بولندا "الوضع ليس نفسه حاليا".

ويضيف لوكالة فرانس برس "هناك حتما بعض أوجه الشبه. مرة أخرى هناك صورة متنامية لبولندا محاصرة بالاعداء والأعداء هم اليهود الذين يريدون إلحاق الأذى بنا".

والقانون الذي بدأ تطبيقه الاسبوع الماضي، يفرض غرامات أو عقوبات سجن تصل إلى ثلاث سنوات على اي شخص يحمّل "الأمة أو الدولة البولندية المسؤولية أو المسؤولية المشتركة عن جرائم ارتكبها الرايخ الثالث الألماني".

وتعتبر إسرائيل القانون محاولة لنفي مشاركة بولنديين في محرقة اليهود إبان الحرب العالمة الثانية، الأمر الذي تنفيه بولندا.

ازدراء بروكسل

يقول ميخنيك إنه "لم تكن هناك أي دوافع لمعاداة السامية وراء قانون المحرقة. فهو يتعلق بمسألة مختلفة تماما: وهي أن بولندا لم تعد تستجدي ولازدراء بروكسل والاوكرانيين بوجه خاص".

وحكومة حزب القانون والعدالة على خلاف مع الاتحاد الأوروبي حول عدد من المواضيع ومنها اصلاحات قضائية في وارسو مثيرة للجدل ورفضها استقبال لاجئين وقطع الاشجار في غابة بيالوفييزا.

ويضيف ميخنيك "هناك بالطبع الخطاب القومي اليميني الذي يتبنى أحيانا شعارات معادية للسامية، لكنه هامشي".

انطلقت الشرارة الاولى لما أصبح عملية تطهير عام 1968، من موسكو حيث شعر القادة السوفييت بالمذلة في أعقاب انتصار إسرائيل على العرب في حرب الستة ايام عام 1967.

وأول المستهدفين في تلك العملية كانوا الأعضاء اليهود الموالين لإسرائيل في الحكومة البولندية الشيوعية، وهو ما كان يناسب أجندة الشيوعيين القوميين المقربين من وزير الداخلية آنذاك ميتشيسلاف موتشار.

إعادة إثارة معاداة السامية

في تلك الفترة كان زعيم الحزب الشيوعي البولندي فلاديسلاف غومولكا متزوجا من يهودية ولم يكن من المعادين لليهود.

إلا أنه أراد التخلص من أعضاء بارزين كبارا في الحزب من الستالينيين السابقين -- وغالبا من اليهود -- والذين تسببوا في تهميشه في 1948.

وسعى أنصار موتشار بعد ذلك لاقناع غومولكا بأن تظاهرة مؤيدة للديموقراطية في 8 آذار/مارس 1968 شارك فيها طلاب جامعة وارسو -- والتي قمعتها الشرطة بوحشية -- نظمها أولاد يهود بارزين.

وألقى غومولكا "خطابا مروعا" بحسب يوزيف تيشما أحد المسؤولين الشيوعيين في تلك الفترة.

وقال لوكالة فرانس برس "أعاد إثارة معاداة السامية. لقد بدأت الحملة. بدأ البحث عن جناة لتحميلهم مسؤولية الأزمة الاقتصادية والصعوبات والنزاعات الاجتماعية".

واضاف "وهم الأطراف المذنبة -- الاخرون، اليهود -- وليس السياسة الاجتماعية والاقتصادية السيئة".

ومع طرد اليهود من الحزب الشيوعي نشرت الصحف مقالات معادية للسامية تتسم بوحشية نادرة.

وأرسل الشعب رسائل شرسة مجهولة المصدر مدفوعا غالبا ليس بالاستياء من اليهود، بل تجاه النخبة الشيوعية التي كان يتمتع أفرادها بنمط حياة أكثر رفاهية عن الطبقة العاملة.

كانت بولندا تضم أكبر عدد من اليهود في اوروبا، لكن النازيين الألمان قتلوا معظمهم خلال الحرب العالمية الثانية.

وبعض الذين تم نفيهم في اواخر ستينيات القرن الماضي عادوا إلى بولندا بعد انهيار الشيوعية عام 1989. وحرصت كل حكومة بولندية منذ ذلك الوقت على إعطاء الأولوية لاقامة علاقات جيدة مع إسرائيل.