مقابل رسم رمزي، وباستخدام الحمض النووي الممسوح من خدك الذي يُرسل بالبريد، وملفك الشخصي على الشبكات الاجتماعية، تستطيع إحدى الشركات تحديد الأشخاص الذين تتوافق معهم. لكن هذا مشكوك في صدقيته العلمية أولًا، ويمثل فكرة سيئة ثانيًا.

إيلاف من بيروت: إن كنت على وشك فقدان الأمل في العثور على شخص مميز، ربما يثير اهتمامك موقع التعارف، الذي أصبح موضة اليوم. 

تقول شركة فيرامور (Pheramor)، وهي شركة ناشئة، مقرها في هيوستن في ولاية تكساس، إنها تستطيع استخدام الحمض النووي الخاص بك لإيجاد الحبيب المثالي لك.

انجذاب أو توافق
مقابل 19.99 دولارًا فقط، ورسم عضوية يبلغ 10 دولارات شهريًا، تستخدم الشركة المعلومات التي تجمعها من الحمض النووي الممسوح من خدك الذي يُرسل بالبريد، والسمات الشخصية المستخرَجة من ملفك الشخصي على الشبكات الاجتماعية، من أجل تحديد الأشخاص الذين تتوافق معهم في منطقتك.

لكنّ المشكلة هي أن علومًا قليلة جدًا تعتبر أن لعلم الوراثة علاقة بالانجذاب أو التوافق. وتعقيد المواعدة بالحمض النووي يمكن أن يدمر علاقات طويلة الأمد، أو يقطعها قبل أن تبدأ. فهو قد يقدّم إلى الأشخاص معلومات وراثية لا يمكنهم تفسيرها بشكل صحيح.

الملف الشخصي المستمد من مواقع التواصل يساعد شركة فيرامور على تحديد تقارب الأشخاص من عدمه

ترتكز إستراتيجية التوفيق الخاصة بشركة فيرامور إلى المفهوم القائل إن جاذبية الإنسان يمكن فكّ رموزها من خلال الفيرومونات، تلك الجزيئات الروحانية المعطرة التي تستخدمها الحيوانات لتولّد الجموح لدى بعض الحيوانات الأخرى. 

وتشير الشركة إلى أنّنا قبل أن نحصل على تطبيقات تخبرنا من ينبغي أن نواعد، كنّا (مثل العديد من الحيوانات) نشمّ رائحة الشريك المحتمل بحسب مدى اختلاف حمضنا النووي. وتوضح على موقعها على الإنترنت أن تنسيقاتها الجينية مبنية على مبدأ "كلما اختلف الحمض النووي بين شخصين، كلما ازداد احتمال الانجذاب بينهما".

الفيرومونات نجحت
المشكلة هي أن العلماء لم يعثروا قط على أدلة على وجود فيرومون بشري، أو أي ارتباط متين بين الشيفرة الوراثية لدينا من جهة، واهتماماتنا العاطفية من جهة أخرى.

في عام 2015، أُجريت مراجعة لجميع البحوث حول الفيرومونات البشرية، لكنّها لم تعط أي نتيجة، في حين أن البحوث حول ما إذا كان البشر يميلون في الواقع إلى اختيار أصحاب الحمض النووي الأكثر اختلافًا، فقد أعطت حتى الآن نتائج غير حاسمة.

في هذا الإطار، صرّح تريستان ويات، الخبير في علم الحيوان في جامعة أوكسفورد ومؤلّف مراجعة عام 2015، قائلًا لموقع "وايرد" إن الفيرومونات نجحت بالفعل في جذب اهتمام الناس، لا سيما بارتباطها مع الجنس أو الرغبة، "لكن يمكن القول في الوقت الحاضر إنه لم يتم إثبات أي فيرومون بشري بشكل قاطع، وبالتأكيد لم يتم تحديده كيميائيًا".

أما بالنسبة إلى العلوم المتزعزعة حول اختلافات الحمض النووي بين الشريكين، أضاف ويات: "تتوقع أن تكون الأمور أكثر وضوحًا لو كانت هذه طريقة مهيمنة يختار الناس فيها شركاءهم".

مخاطر الأمراض
الجدير ذكره أن البيانات الوراثية التي تكشفها فيرامور عن الشريك الملائم ليست سوى النسبة المئوية "للتوافق". لكن هذا لا يعني أن الشركات الأخرى قد لا تقدم يومًا ما تفاصيل أكثر في تحليلها؛ على سبيل المثال، تقوم شركة 23andMe للاختبار الجيني من طريق البريد حاليًا بتقديم اختبارات مخاطر الأمراض لـ 10 حالات مختلفة، وأخيرًا لمخاطر الإصابة بالسرطان. لكن، إذا وقع هذا النوع من المعلومات في الأيدي الخطأ، فالضرر منه قد يكون أكبر من الإفادة.

يفترض معظم الناس أن الحمض النووي هو القَدَر، وأن الجينوم يمكن أن يكشف عن كل ما نحتاج معرفته عن الشخص. لكن، في الواقع، ليس علم الوراثة سوى واحد من عوامل عدة، بما في ذلك نمط الحياة والبيئة، والظروف الصحية الأخرى، التي تؤدّي دورًا في نقل المخاطر. 

مع ذلك، فإن البشر مشهورون بأنّهم لا يفهمون إلى أي مدى يقوم هذا التفاعل بتعريضهم فعليًا إلى خطر الإصابة بمرض. هذا هو السبب لوجود مهنة كاملة – مهنة الاستشارات الوراثية - مكرّسة لمساعدة الناس على فهم مخاطرهم الجينية.

صلة مشكوك فيها
تخيّل الآن وضع تلك المعلومات في أيدي الناس من دون أي سياق، وعلى تطبيق إلكتروني للمواعدة. ربما تمنع معرفة المخاطر الجينية للشريك الناس من إقامة صلات ذات مغزى، أو ربما تقطع شراكة قائمة لأسباب لا أساس لها. (هناك شركة اسمها Instant Chemistry تزوّد الأزواج باختبارات "العلاقة التوافقية" الوراثية لتقييم السمات، مثل "التوافق الحيوي، والتوافق العصبي، والتوافق النفسي". 

لهذه الصفات صلة وراثية مشكوك فيها، لكن ما الذي يمكن أن تبدو عليه بالضبط محادثة مائدة العشاء إذا حصلت على درجة توافق منخفضة مع شريك حياتك (منذ 20 عامًا مثلًا؟).

نظريًا، ربما تشجع هذه الخدمات على التمييز من خلال السماح للمشاركين في التوفيق بفحص الشريك من أجل تفقّد سماته "غير المرغوب فيها"، وهذا بدأ يبدو بشكل غير مريح، مثل علم تحسين النسل.

تقول المنظمات المناصرة إنّه ينبغي على الناس الوصول إلى بياناتهم الوراثية والتحكم بها، وهناك بالتأكيد أسباب قوية لذلك. لكن، يبدو أن إضافة تعقيد علم الوراثة إلى عالم الحب والمواعدة الدوّار والمربك هو وصفة للمتاعب وتفويت الكثير من العلاقات من دون أي داع.


 أعدّت "إيلاف" هذا التقرير نقلًا عن موقع "فيوتشوريزم". الأصل منشور على الرابط:
https://futurism.com/dates-dna-scientifically-questionable/