الرباط: أجمع أساتذة جامعيون و محللون سياسيون مغاربة على ما يشهده العمل الحكومي من بطء في التدبير والتسيير، بالاعتماد على نفس النهج الذي سارت عليه الحكومات السابقة، في معالجتها لقضايا قديمة تهم المواطنين والشأن العام بالبلاد، تعاد صياغتها بأسلوب جديد.
و اعتبروا خلال ندوة وطنية بعنوان"المشهد المغربي بعد سنة من حكومة العثماني"، احتضنها المدرج المركزي لكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال، بالرباط، مساء الجمعة، أن النظام الحزبي يعيش أزمة فعلية، وصل معها لمرحلة من التآكل، في ظل واقع لا يخلو من الاحتجاجات التي تزايدت بوتيرة كبيرة، خاصة في المدن الصغرى والمناطق النائية.

احتجاج ممتد في الزمن

قال حسن طارق، أستاذ القانون الدستوري والسياسي و العلوم السياسية بكلية الحقوق السويسي بالرباط، إن الاحتجاجات في المغرب أصبحت ركنا ثابتا من أركان المشهد العام منذ بداية التسعينات، وظاهرة يومية لم تعد مرتبطة بـ"انفجارات" حضارية كبيرة.

واعتبر حسن أنها انتقلت من أشكال احتجاجية مؤطرة بتنظيمات كبرى إلى إبداع أشكال محلية مجاليا، بحيث لم تعد مقتصرة على المدن الكبرى، بل انتقلت إلى المدن الصغرى والمتوسطة، في استمرارية، بحيث سجل ما يقارب 20 الف شكل احتجاجي سنة 2012، و عرفت سنة 2013، حوالي 50 شكلا احتجاجيا بمعدل يومي، شارك فيه أكثر 2800 محتج يوميا.
و أشار المتحدث في الندوة التي شهدت حضورا كبيرا للطلبة الباحثين والمهتمين بالحقل السياسي بالمغرب، أن الظاهرة تحكمها 3 متغيرات، ترتبط بانفجار مهول في الطلب الاجتماعي، يحكمه ارتفاع الطلب الديمغرافي والسياسي والذي يقابله نقص بنيوي في السياسات و الموارد على استيعاب كل هذا الطلب، إضافة إلى ارتباطها بإنشاء نظام سياسي والتحولات التي يشهدها الفضاء العام، بوجود وسائل التواصل الاجتماعي وما وفرته من أرضية حاضنة.

و أفاد رئيس شعبة القانون العام بكلية الحقوق السويسي بالرباط أن من ضمن الأسباب التي ساهمت في اتخاذ أشكال متنوعة من الاحتجاج (تجمع، تظاهرة، اعتصام)، أفول اليسار كحزب في المخيل الإيديولوجي وضعف العمل النقابي.

و حول خصوصيات الاحتجاج في مدينتي الحسيمة (شمال المغرب)وجرادة (شرق)، أضاف طارق"نحن بصدد ظاهرة جديدة، تشمل امتدادا في زمن الاحتجاج، والذي لم يكن في السابق يتجاوز أسبوعا أو 10 أيام، هي حدث مركزي يرتبط بوفاة محسن فكري، بائع السمك بالحسيمة، ووفاة الشقيقين الحسين وجدوان اللذان كان يعملان في بئر لاستخراج الفحم الحجري بجرادة، الأمر يتعلق بظواهر تشكل جزءا من زمن سياسي تاريخي عميق".

انزلاق وتناقضات

و بشأن قراءته للمشهد السياسي المغربي، صرح جواد النوحي، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن الأمر يحتاج لمقاربات متعددة و توظيف حقول علم النفس و الاجتماع القانوني وغيرها، بالنظر لصعوبة الإلمام بهذا المشهد، لأن مرور سنة على الحكومة الحالية التي يرأسها سعد الدين العثماني ليست حاسمة.

على مستوى التشكيلة الحكومية، لاحظ النوحي وجود استمرارية لنفس النهج الذي ساد منذ حكومة عبد الرحمن اليوسفي، مع ارتفاع عدد الحقائب الوزارية لتشمل 39 منصبا وزاريا، واستمرار نفس المكون وثنائية (السياسي واللامنتمي)، وانتقد اعتماد توجه واحد يهم بالأساس اعتماد برنامج تدبيري تقني بعيدا عن البرنامج المجتمعي، إضافة إلى استمرار القضايا القديمة والتي يعاد طرحها بشكل جديد، ومنها مشكل البطالة و الخصاص على مستوى الثروة المائية.

أعطاب السياسة المغربية

و حول انطباعاته بشأن المشهد السياسي المغربي في ظل الحكومة الحالية، قال أحمد البوز، خبير قانوني و أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس، إنه يتسم بكثير من الضبابية مع وجود تناقضات عديدة، و بالتالي فكل محاولة علمية لمقاربته تبدو محاولة غير علمية في الحقيقة.
و زاد البوز قائلا"العنوان العام للمشهد السياسي بالمغرب يحكمه المزيد من الانزلاق الممتد نحو إعادة إنتاج لحظة ما قبل دستور 2011، و هذا يعني أن ما تم اعتباره مكتسبات كان بالضرورة لحظة اعتماده مبنيا على إكراهات" . وذكر ان من أهم أعطاب السياسة المغربية "هو وجود التراكمات، ففي كل لحظة، يوجد شعور بعدم وجود مكتسبات متناهية، فنحن ما زلنا نراوح مكاننا في اتجاه تكريس نظام رئاسوي، و لم نخرج بعد من الازدواجية بين الدستور المكتوب و غير المكتوب والخطي والمزدوج، والحكومة تتجه نحو إعادة اكتشاف المسار الذي ميزها خلال العقود الماضية، و هنا نستحضر مرحلة عبد الاله ابن كيران ، حيث أن رئاسة الحكومة في تلك الفترة خرجت من طابعها الروتيني".
و أكد الخبير القانوني أن الحكومة الحالية توجد إزاء رئيس حكومة أكثر تحفظا واقتصادا في الكلام، ويدرك جيدا الظروف التي أصبح فيها يشغل منصب رئيس حكومة، هذه الأخيرة التي توجد في مواجهة ضغوطات متعددة، من تعدد الوزراء، الخلافات البينية التي تظهر بين مكوناتها، فضلا عن العجز الحاصل في مقابل التصدي للتحديات المطروحة اجتماعيا واقتصاديا، مما يفيد أن الحكومة الحالية آيلة للسقوط إلى أن يثبت العكس، و هو معطى يعمل على تكبيلها وتقييدها.
و اعتبر البوز أن الحياة الحزبية المغربية تتجه نحو تكريس الحزب الواحد داخل التعددية، و الابتعاد عن السياسة التنافسية، مع وجود الأحزاب في"غرفة الإنعاش"، وهي المسألة التي لا تتحرج الطبقة السياسية في المغرب من الجزم بها، و التصريح بوجود أزمة فعلية، مما يعني وجود نوع من الاستسلام لما يحصل.

نظرية المؤامرة

من جهته، أفاد عبد الرحيم المنار السليمي، أستاذ جامعي و محلل سياسي، أن الحكومة الحالية وجدت أمامها 5 سنوات من إرث الحكومة السابقة، و الذي كان يعتمد على إثارة الفرجة و السيرك في خطاباته.

و أضاف السليمي"لأول مرة في المغرب نصل إلى هذا الحجم من نظرية"المؤامرة"، و أن هناك قوى خفية تحرك المشهد السياسي يخلق حالة من عدم اليقين لدى الحكومة، التي تواجه ما يسمى ب" الشائعات السياسية و الاقتصادية والاجتماعية"، فضلا عن وجود سلطة مضادة من المعلومات، النظام الحزبي كذلك وصل إلى مرحلة التآكل، بحيث انتقلنا إلى ثنائية خطيرة ما بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، و الخطر القادم ، يضيف ، السليمي ، هو وجود "ثنائية تجمع ما بين حزبي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار. هناك كذلك ظاهرة غريبة، تتمثل في وجود أحزاب في الحكومة وقواعد لها في المعارضة، لدينا أحزاب"عاقرة" وليس لدينا نخب سياسية حقيقية".
و قال السليمي إن حكومة العثماني تواجه تطورات خطيرة على المستوى الدولي، لكونها وجدت نفسها أمام ملفات كبرى و صعبة، منها الاتحاد الأفريقي و العلاقات مع الاتحاد الأوروبي ، و تطورات ملف الصحراء، في ظل وجود حكومة بـ3 عقليات مختلفة، دولية ووطنية ومحلية، و الخطير في الأمر هو أن هناك من يتخذ القرار و كأنه يدير جمعية و ليس بلدا يملك أهدافا وانتظارات لتحقيقها.