القضايا في الشرق الأوسط كثيرة، مشتعلة في أغلبيتها، وللولايات المتحدة صلة بها، مباشرة أو غير مباشرة. في ما يأتي قراءة أميركية لهذه القضايا، مع آراء خبراء وتعليقات مختصين بالشؤون الأوسطية.

تلاحقت الحوادث في الأيام الأخيرة على المسرح السياسي الأميركي، من إقالة وزير الخارجية ركس تيلرسون إلى الزيارة التي قام بها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن، فأذهلت المسؤولين الأميركيين والدبلوماسيين الأجانب، حتى أنها فرقت بين المراقبين، ومنعتهم من التوافق على تحديد التغيرات المرتقبة على السياسة الأميركية.

يضاف إلى ذلك ترحيب الرئيس الأميركي دونالد ترمب بإعادة انتخاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفقدان الجمهوريين مقعدًا في انتخابات خاصة في ولاية بنسلفانيا.

في البداية، يقول مسؤولون أميركيون أن نهج تيلرسون تجاه الأزمة السورية انتهى بمغادرته منصبه. وبحسب تقرير "Middle East policy survey"، تقول مصادر مطلعة أن ترمب لم يوافق على أهداف تيلرسون الطموحة التي شملت الحاجة إلى تغيير النظام السوري لتحقيق الاستقرار في سورية. ويقول هؤلاء المصادر أن ترمب يهتم فحسب بهزيمة داعش بصورة دائمة. أما كيفية تحقيق هذا الهدف بينما للجهات الفاعلة الأجنبية الرئيسية الثلاثة الأخرى، روسيا وتركيا وإيران، مآرب وأهداف أخرى أكثر إلحاحًا، فهو أمر لم يُحدد بعد، علمًا أن هذه القوى ستجتمع في اسطنبول في أوائل أبريل المقبل لتنسيق جهودها، بينما تبقى الولايات المتحدة مرة أخرى على هامش الحدث.

المسألة السورية

جزء من السبب الذي يقف وراء ذلك هو تصميم روسيا على إخراج القوات الأميركية من سورية. وبحسب مسؤول أميركي رفيع المستوى: "إنه هدف بوتين الأساسي". يعتقد هذا المسؤول أن نحو ألفي جندي أميركي موجودون على الأرض في سورية، من المرجح أن يبقوا سنوات مقبلة.

واكتشف الروس من تجربة مرة في الشهر الماضي أن تحدي القوات الأميركية مباشرةً على الأرض يمكن أن يؤدي إلى نتائج وخيمة.

وعلى الرغم من أن المراقبين اعتقدوا بدايةً أن المحاولة المدعومة من روسيا في الشهر الماضي لمهاجمة قاعدة القوات الخاصة الأميركية في دير الزور، والتي صدها الأميركيون باستدعاء سلاحهم الجوي منزلين بالروس خسائر فادحة، كان سوء تقدير بسيط اقترفه المرتزقة الذين أتت بهم موسكو إلى الميدان السوري.

علاوة على ذلك، قال مسؤولون أميركيون إنه بما أن هذه القوات ليست قوات روسية عادية، فإن التأثير الذي تركه الأمر في موسكو كان محدودًا. مع ذلك، استنادًا إلى تقارير لاحقة، يعتقد الآن عدد كبير من المسؤولين أن ما حصل مثّل ضربة قاضية لبوتين.

قال أحد الدبلوماسيين: "عاد نحو 200 روسي إلى منازلهم في الأكفان، ونحن شعرنا بذلك". وقال آخر أن ما حصل "غيّر الديناميكيا" بين الولايات المتحدة وروسيا، إذ أضيفن القوة الأميركية أول مرة إلى الإستراتيجية الدبلوماسية غير الناجحة التي انتهجها من قبل وزير الخارجية السابق جون كيري. وعلق دبلوماسي ثالث قائلًا: "كان هذا تحركًا عسكريًا مشابهًا لما استخدمته موسكو ضد أوكرانيا. لكن الجيش الأميركي ليس الجيش الأوكراني".

السهولة التركية

على الرغم من ذلك، ووفقًا لـ "Middle East policy survey"، لا يزال موقف الولايات المتحدة في سورية ضعيفًا. ففي الوقت الذي يستمر فيه بعض المسؤولين في الاعتقاد أن الجيش التركي قد "أضعفته" عمليات التطهير، ينوه آخرون باستسهال أنقرة مهاجمة قوات كردية تدعمها الولايات المتحدة في معقلها السابق في عفرين.

لاحظ أحد المراقبين: "لا شيء بقوة سلاحي الجو والمدفعية". وقال مسؤول أميركي مخضرم أن الأتراك يستطيعون تحمل الخسائر في قتالهم الأكراد، "فالقوات التركية عانت سنوات طويلة من تكبدها خسائر كبيرة في القتال ضد حزب العمال الكردستاني داخل تركيا، وكانت انتقادات الجمهور التركي قليلة. وينظر إلى وحدات حماية الشعب الكردي في تركيا بصفتها ذراعًا لحزب العمال الكردستاني، لا أكثر.

الدور الإيراني

أما بالنسبة إلى دور إيران المؤثر في سورية، يصرّح كبار المسؤولين الأميركيين إنهم يقومون بتصميم الطرائق المثلى لاحتواءه. وتدعم إسرائيل هذا الرأي أيضًا، إذ ربما تخسر أكثر من غيرها بسبب توسع الدور الإيراني في مناطق مجاورة للحدود الإسرائيلية.

لكن المسؤولين الأمريكيين يقولون أن الشخصية الرئيسية في الإدارة الأميركية، غير ترمب، الموكل بالمسألة الإيرانية هو وزير الدفاع ماتيس. فعلى الرغم من أنه يريد حصر الوجود الإيراني بالوجود الأميركي، إلا أن ذلك ليس أولوية قصوى، فالأولوية للأوضاع في شبه الجزيرة الكورية وأفغانستان. وهذا يترك إسرائيل، وبدرجة أقل المملكة العربية السعودية، أشد قلقًا بشأن قوة إيران المتنامية.

لكن منتقدين يقولون أن هذين البلدين يعتمدان بشكل كبير على الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق مع الروس يضعف التأثير الإيراني. غير أن هذا المسعى فشل. ولا شك في أن زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن أتت لحث إدارة ترمب على اتخاذ موقف أكثر تشددًا من إيران.

ثمة سؤال رئيسي يطرح نفسه حول سياسة إيران في المنطقة: هل سينسحب ترمب من الاتفاق النووي مع إيران الذي تم توقيعه في عام 2015؟ من "الصفقة الأسوأ في التاريخ" كما يسميه ترمب مهددًا مرارًا بالانسحاب منه، لولا نصيحة كبار مستشاريه، ولا سيما تيلرسون، بالتريث. مع تعيين المتشكك مايك بومبيو وزيرًا للخارجية، كان الموضوع الرئيسي للحوار بين خبراء الشرق الأوسط في واشنطن في الأسبوع الماضي إذا كانت الولايات المتحدة ستنسحب من الصفقة قبل أن يقدم الاتفاق إلى ترمب لتجديده في مايو. 

عمل الأوروبيون، وتحديدًا الفرنسيون والبريطانيون، طويلًا لإيجاد حل وسط يرضي ترمب. وزعموا أنه إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق، ستتعها إيران تاركة للولايات المتحدة الخيار العسكري وحده لمنع إيران من "التحول إلى قوة نووية". لكن، بعد أسبوع واحد من إقالة تيلرسون، الموقف غير واضح.

قطر وفلسطين

بحسب "Middle East policy survey"، المسألة الأخرى غير الواضحة أيضُا هي إذا كانت الإدارة في محادثاتها مع ولي العهد السعودي أو في أوائل أبريل مع قادة قطر والإمارات العربية المتحدة، ستكون قادرة على رأب الصدع الخليجي الذي يهدد بتقويض التحالف المناهض لإيران، وبدفع قطر إلى أحضان طهران وأنقرة.

فخلافًا لدعمه المبدئي للتحرك السعودي الإماراتي لعزل قطر، تقول مصادر حسنة الاطلاع أن ترمب يدعم جهود الوساطة في الأزمة. فهو أرسل مبعوثًا خاصًا هو أنطوني زيني إلى المنطقة في وقت سابق من هذا الشهر لإقناع أطراف الأزمة ببدء الحوار. لكن مرة أخرى، ربما يعقد تعيين بومبيو الأمور، فهو اتخذ قرارًا متشددًا للحد من أنشطة الإخوان المسلمين، الجماعة التي تدعمها قطر، وتعارضها بشدة الإمارات ومصر.

كان جدال ساد في أروقة الإدارة الأميركية حول إذا كان سيتم الإعلان عن جماعات الإخوان المسلمين منظمات إرهابية، أو مواصلة التعاطي مع كل جماعة منفصلة عن الأخرى.

في خضم هذا كله، السؤال المطروح الآن، بحسب " Middle East policy survey" هو ما الذي توصل إليه صهر ترمب في ما يتعلق بخطة السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. في إدارة ربما لم يسبق لها مثيل في تسريب المعلومات، ما زالت السرية محيطة بخطة السلام هذه.

أحد كبار المسؤولين في وزارة الخارجية، وهو مستعد دائمًا لإبداء الرأي حول مجموعة متنوعة من الموضوعات، يقول إنه لا يعرف شيئًا، لكن المؤشرات غير جيدة، فمن يصوغها وينفذها مبتدئون؛ والفلسطينيون يرفضون الانخراط في أي عملية جدية مع الولايات المتحدة منذ اعتراف الإدارة الحالية بالقدس عاصمة لإسرائيل. كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يصارع من أجل البقاء السياسي بعد استدعاء مساعدين رئيسيين له كي يتعاونوا مع تحقيقات جنائية تجريها سلطات مستقلة في إسرائيل. 

قال أحد المحللين المخضرمين في الشرق الأوسط: "لا أستطيع أن أتخيل نوع الصفقة التي صاغها جاريد".