الرباط: أجمع المتدخلون في اليوم الدراسي الذي نظمته جمعية المشروع ومؤسسة عبد الرحيم بوعبيد، حول موضوع: "ماذا تبقى من تجربة التناوب؟"، اليوم السبت، بالعاصمة الرباط، على أهمة التجربة التي قادها زعيم الاتحاد الاشتراكي، عبد الرحمن اليوسفي، في التاريخ السياسي المغربي قبل 20 سنة، مؤكدين على أن البلاد مازالت تراوح مكانها دون التمكن من تأمين الانتقال الديمقراطي. 
قال محمد اليازغي، الوزير والقيادي الاتحادي السابق إن حكومة اليوسفي "أدخلت المغرب لمرحلة الانتقال الديمقراطي الذي مازلنا نعيشه اليوم"، معتبرا أن احتفاظ الملك الراحل الحسن الثاني بإدريس البصري وزيرا للداخلية في حكومة التناوب كان نتيجة غياب "الثقة الكاملة في قيادة الاتحاد وهو ما ظهر في الممارسة".
وأضاف اليازغي الذي شغل حقيبة إعداد التراب والسكنى والتعمير والبيئة في حكومة اليوسفي، في كلمة قدمها بالمناسبة، أن حكومة التناوب ، ،وقعت في أخطاء ينبغي الاعتراف بها وتقديم نقد ذاتي للتجربة، مبينا ان إعطاء الأولوية للتوازنات المالية على حساب التوازنات الاجتماعية كان من الأخطاء الكبرى التي نتحمل مسؤوليتها.

محمد اليازغي 

وأردف اليازغي قائلا: "فشلنا في إنجاح ميثاق حسن التدبير بإصلاح الإدارة ومحاربة الفساد"، كما أقر المتحدث ذاته، بأن الحكومة لم تعمل على تسريع الإصلاح الدستوري الذي سينتشر حتى حلول سنة 2011، معتبرا أن وصول الملك محمد السادس للحكم كان يمكن أن نطرح الإصلاح الدستوري، ويربح المغرب سنوات عدة.
وبخصوص خطة إدماج المرأة التي أثارت جدلا واسعا بالبلاد وتعد من أهم إنجازات التجربة، قال اليازغي إن المبادرة لاقت معارضة شرسة من طرف بعض الجهات في الدولة والحركات الأصولية، وسجل بأنه عندما اقترحت الحكومة الموضوع جمع وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الأسبق الراحل عبد الكبير العلوي المدغري، "جمع عددا من العلماء التابعين له وقرروا رفضها، وهو ما أثر إلى اليوم في تلك القضية".
وأكد اليازغي أنه "لوتم اعتماد الخطة كما وضعتها الحكومة لكان الوضع غير الوضع الذي تعيشه المرأة المغربية اليوم"، مشيرا إلى أن الجدل الذي رافق الموضوع دفع لإحداث لجنة خاصة ترأسها الراحل محمد بوستة، قبل ان تتبلور في مشروع ، ويتم المصادقة عليها.
وشدد القيادي السابق للاتحادي الاشتراكي على ضرورة القيام بنقد ذاتي بخصوص تحالف أحزاب الكتلة الديمقراطية، معتبرا أن الكتلة "تفككت أثناء حكومة التناوب وغرقت في الأغلبية وهو ما جعل المراحل المقبلة تكون صعبة"، حسب تعبيره.
وتوقف اليازغي عند انتخابات 2002 التشريعية التي يعتبرها الاتحاديون سنة الخروج عن المنهجية الديمقراطية، بعدما عين الملك محمد السادس إدريس جطو، تكنوقراط (غير منتمي) ، رئيسا للوزراء بدل عبداليوسفي، حيث اعتبر أن خروج حزب الاستقلال مع أحزاب العدالة والتنمية والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري وإعلانه أنه باستطاعته تشكيل الغالبية دون الاتحاد الاشتراكي "هو الذي سهل التخلي عن المنهجية الديمقراطية"، وزاد اليازغي موضحا أن مرحلة التناوب التوافقي "شهدت تطورا إيجابيا في العلاقة بين الحاكمين والمحكوم في اتجاه بناء دولة المواطنة وإنهاء عهد الرعية".
وأفاد اليازغي بأن الإصلاح الدستوري الذي اعتمد بعد ظهور حركة 20 فبراير الاحتجاجية فتح آفاقا للمستقبل، واستدرك قائلا: "لكن نتائج انتخابات 2011 و2016 أدخلت الانتقال الديمقراطي لغرفة الانتظار ببلادنا، لذلك أنا متشائم شيئا ما بخصوص هذا المستقبل".
وذهب اليازغي إلى أن الوضع الذي تعيشه البلاد اليوم هو نتيجة "إضعاف الأحزاب الديمقراطية، ولا أظن أن الأحزاب التي وصلت إلى ما وصلت إليه تستطيع أن تنهض بحركة جديدة لكي تصل إلى ميثاق اجتماعي جديد"، وذلك في انتقاد واضح منه لصعود حزب العدالة والتنمية الإسلامي من دون أن يسميه.
كما اعتبر اليازغي أن المغرب "غابت عنه الآن أدوات التحديث وأدوات التطور السريع"، الذي يقتضي منظمات سياسية لها خطة وامتدادات شعبية كبيرة، لافتا إلى أن ما سماه تجدر الحركات الأصولية بالمغرب بمختلف مشاربها "لا يساعد على تسريع هذا التطور في بلادنا"، معترفا بصعوبة التنبؤ بالمستقبل الذي وصفه ب"الضبابي".
وأشار السياسي المخضرم إلى أن الحركات الاجتماعية السليمة التي ظهرت في الريف وجرادة وزاكورة، الجميع يتفرج عليها، سواء الحكومة أو الأحزاب، معتبرا أن هذا الأمر يؤكد "أننا وصلنا إلى وضع سيء جدا، وهذا يفرض على الشباب أن يعوا هذه المرحلة ويفتحوا آفاقا جديدة بالنسبة للمستقبل".
بدوره ، أكد محمد الأشعري، وزير الثقافة الأسبق، أن المغرب بعد مرور 20 سنة على تجربة حكومة التناوب التوافقي الذي لم يتجاوز الأعطاب التي كان يعانيها قبل سنة 1998، مسجلا أن تجاوزها لا يمكن أن يتحقق و"نحن نعيد إنتاج الخطيئة الأصل، وأن السياسة لا يمكن أن تتقدم بمعزل عن العدالة الاجتماعية وعن رفع الظلم عن الناس".

محمد الأشعري 

وأضاف الأشعري أن الفقر "الذي لا أرقام له يعيدنا باستمرار إلى أسئلة البدء"، لافتا إلى أن الفوارق تتسع والفساد يتفشى بالبلاد ، ويزداد بؤس الفقراء وجشع الأغنياء، والاحتجاجات الاجتماعية تنفجر في كل يوم في الأحياء الصعبة وهوامش المدن الكبرى، معتبرا أن هذا الأمر نتيجة لهذه السياسات.
وأفاد الأشعري بأن تجربة حكومة التناوب التوافقي ساهمت في تعزيز الشعور بالثقة لدى المجتمع في تحقيق الانتقال إلى الديمقراطية قبل أن يتراجع ذلك الإحساس بعد 2002، مشددا على أن هذا الشعور تعزز مجددا بعد أحداث الربيع العربي وإقرار دستور جديد سنة 2011، "لكن سرعان ما بدأنا رحلة الابتعاد شيئا فشيئا من جديد"، في إشارة إلى التراجعات التي تعيش على إيقاعها البلاد منذ تجاوز التحديات التي طرحها الربيع العربي بالمنطقة.
من جهته، حذر سعيد السعدي، الوزير السابق ومهندس خطة إدماج المرأة ، من الريع والمخاطر التي يؤدي إليها زواج المال السلطة، معتبرا أن هذه الزواج "يشكل حاجزا كبيرا أمام تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد".
وشدد السعدي القيادي في حزب التقدم والاشتراكية أن المغرب من دون "كسر الزواج بين السلطة والمال لن نذهب بعيدا"، لافتا إلى أن "هناك دراسات تبين التكلفة الاقتصادية لهذا النوع من الريع الذي تستفيد منه بعض الشخصيات لقربها من السلطة أو هي السلطة نفسها". 
ودعا الوزير السعدي الذي لم يكمل الولاية الحكومية بسبب الويلات التي جرتها عليه خطة إدماج المرأة، إلى مراجعة المغرب للاتفاقيات التبادل الحر التي تجمعه ب56 دولة كلها تسجل عجزا في التبادل التجاري، مطالبا بالاقتداء بعدد من الدول التي بدأت تراجع هذه الاتفاقيات لحماية مصالحها، وعلى رأسها الولايات المتحدة.

سعيد السعدي 

أما عبد الله ساعف ، وزير التربية الوطنية في حكومة التناوب،فرفض بشدة أن يتم وصف التجربة بالفاشلة، مؤكدا أن فكرة المشاركة "لم تكن تدعي أنها ستصلح كل شيء وإنما سنخاطر ونتحمل المسؤولية ونحاسب فيما بعد، وكان هذا هو النقاش السائد". 
وأضاف ساعف ردا على الانتقادات التي وجهت لحزب الاتحاد الاشتراكي خلال تلك المرحلة "لا أحد كسب ولا أحد خسر، ولا يمكن أن يزايد أحد على الآخر ويدعي أنه ربح ، والتاريخ أعطاه الحق"، مبينا أنه" لا المشاركين كسب@الرهان ولا المقاطعين حققوا شيئا، وقال: "نسمع أحكاما على تجربة معقدة سياسيا وخارج منطق التقييم السياسي ومقومات ثقافة التقييم، ولم ينجز أي تقييم لأي تجربة حكومية في المغرب". 
وعد وزير التعليم الأسبق أن انفراد التكنوقراط بالسلطة لحقب طويلة مكنهم من تشكيل "قاعدة اجتماعية قوية أساسية لا يمكن تجاهلها ويواجهونتابعت شخصيا كيف كانوا يعرقلون عمل حكومة التناوب"، مبرزا أن هذا الأسلوب بين "الحقد الذي تكنه فئات ودوائر معينة لممثلي الأحزاب".
وزاد ساعف موضحا أن سقف برنامج حكومة اليوسفي كان عاليا، معتبرا أن ما حدث سنة 2002 من إبعاد لليوسفي، وتعيين ادريس جطو مكانه "انتقام التكنوقراط من الأحزاب وقياداتها"، وفق تعبيره.
وحث المشاركون في اليوم الدراسي في مداخلات عدة على أهمية استخلاص الدروس اللازمة من تجربة التناوب التوافقي التي عاشتها المملكة خلال المرحلة (1998 – 2002)، والعمل على استعادة المبادرة وتجاوز الأخطاء التي سقطت فيها من أجل التوجه نحو المستقبل وتأميل انتقال ديمقراطي حقيقي يضمن الحقوق والحريات والعدالة والاجتماعية والتوزيع العادل للثروة بين أبناء الوطن.