واشنطن: يعول ترمب على تحقيق نتائج من خلال أسلوبه الهجومي في سياسته الخارجية لا سيما في مواجهته مع إيران وكوريا الشمالية حول برامجهما النووية والصاروخية ومع الصين بشأن التجارة وبشأن الجدار الذي يريد بناءه مع المكسيك.

لقد سارع ترمب الى إعلان انتصاره الاربعاء عندما قالت الصين ان كيم جونغ أون مستعد لبحث نزع السلاح النووي في القمة المرتقبة بينهما.

والحقيقة ان الرئيس الأميركي يتباهى في أكثر الأحيان بأنه حصل على تنازلات بعد تخويف خصومه ولي ذراع حلفائه ولكن البعض يقول انه من المبكر جدا الحديث عن انتصارات.

لقد أدت رهانات ترمب المندفعة الى بلبلة دبلوماسية وعززت كذلك من خطر المواجهة من دون تحقيق مكاسب. كما أدت تحذيراته الى تسريع الإطار الزمني للتحرك الدبلوماسي من خلال تحديد مهل جديدة وبالتالي زيادة مخاطر التدهور الذي يمكن أن يقود إلى الحرب.

كتب ترمب على تويتر متفاخراً انه "على مدى سنوات وعلى مر الادارات المتعاقبة، كان الجميع يقولون ان السلام ونزع الاسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية لا يشكلان حتى احتمالا ضئيلا. الان هناك فرصة جيدة لأن يفعل كيم جون أون ما هو صائب لشعبه وللبشرية. انا اتطلع للقائنا".

لقد فاجأ قرار ترمب قبول الدعوة لعقد قمة قبل نهاية أيار/مايو خبراء السياسة الخارجية واثار حيرة معاونيه. ولكن الأمر ينسجم مع أسلوبه الذي يتجاوز الأعراف الدبلوماسية، وينسجم كذلك مع تهديده بتمزيق الاتفاق النووي مع إيران اذا لم يوافق الحلفاء الأوروبيون على تشديد بنوده وتوعده بتمزيق معاهدة "نافتا" مع كندا والمكسيك اذا لم تقدما تنازلات تجارية.

ويشير مؤيدو ترمب الى ان حلفاء أميركا يخوضون مباحثات مع المفاوضين الأميركيين للتوصل الى طريقة تراعي بعض مطالبه أو تهدئ قلقه.

مفاوض يصعب التكهن بمواقفه

لكن من غير الواضح ان كانت موافقته على عقد قمة مع كيم مكسباً لحملة واشنطن القائمة على ممارسة "أقصى حد من الضغوط". ويرى البعض في ذلك هدية لنظام رأى على الدوام في حيازة السلاح النووي وسيلة لأن يحسب حسابه على الساحة الدولية وعقد مفاوضات مباشرة.

فمن جهة، يقول أندرو ميرثا من جامعة كورنيل، "يبدو أن ترمب نفض الأمور وحركها قدما بطريقة لم يكن أحد يتخيلها". ويضيف لفرانس برس "للأسف، لقد كان الثمن هو إعطاء كيم ما كان يرغب به تقريباً".

ويقول جوناثان شانزر من مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات ان "العقوبات وتصرفات ترمب التي لا يمكن التكهن بها أرغمت خصوماً مثل كيم على الانصياع، ولكن كل هذه القصص لم تصبح حقيقة بعد".

ويضيف لفرانس برس "في ما يتعلق بكوريا الشمالية، ربما رأينا نتائج ملموسة أكثر من غيرها، مع أننا لم نر بالطبع نتيجة نهائية".

وتعد زيارة كيم لبكين مطلع الاسبوع ولقاؤه الرئيس شي جينبينغ تذكيراً بأن واشنطن لا تملك كل أوراق اللعبة. لقد أكد كيم للصين استعداده لمناقشة "نزع السلاح النووي" في شبه الجزيرة الكورية، لكن كل طرف قد يفهم الأمر على طريقته.

ولن تقبل واشنطن بأقل من تخلي بيونغ يانغ بطريقة تسمح بالتحقق من ذلك، عن سلاحها النووي وكذلك عن تخصيب المواد المشعة وعن برنامج الصواريخ البالستية.

لكن يتوقع أن يصر كيم على أن يشمل نزع السلاح النووي أن تسحب الولايات المتحدة التزامها توفير "مظلة نووية" لردع أي هجمات من معاهدتها الدفاعية مع كويا الجنوبية.

وسيكرر كذلك طلبه بسحب القوات الأميركية من شبه الجزيرة وهو تنازل كبير جداً كان من الصعب ان يوافق عليه أي رئيس أميركي سابق.

ولا يبدو أن كيم أذعن للتهديدات. لقد كانت زيارته الى الصين الاثنين في قطار مصفح أول زيارة رسمية الى الخارج حيث التقى مع الرئيس الصيني القوي شي جينبينغ.

ويعتقد ان شي أعطى كيم صورة واضحة تماما عما يمكن للصين أن تقبله من نتيجة للقمة، ولكن عزلة كيم انتهت، وهو قد يؤلب واشنطن على بكين.

حرب طاحنة

وربما وقع ترمب في حبائل كيم من خلال الموافقة على لقائه قبل أن يناقش الخطوط الحمر التي تضعها الصين وكوريا الشمالية.

أو لعله بالغ في توقعاته عندما حاول حمل لندن وباريس وبرلين على اعادة صياغة الاتفاق مع إيران الذي تبدو مستعدة فقط لتنقيحه بعض الشيء. لكنه ومنذ انطلاق هذه المبادرات، أجرى بعض التعديلات الداخلية التي يمكن أن تبرهن لشركائه أنه يعني ما يقول.

لقد أقال وزير الخارجية ريكس تيلرسون الذي أيد الاتفاق مع إيران وحبذ الدبلوماسية الحذرة مع كوريا الشمالية، وسمى بدلا منه المتشدد مدير "سي آي ايه" مايك بومبيو، وأزاح مستشاره الأمني هيربرت ريموند ماكماستر وعين بدلا منه جون بولتون أحد صقور الجمهوريين والمؤيد لتغيير النظام في أيران والذي حذر الشهر الماضي من ان التفاوض مع كيم لن يمنحه سوى الوقت لصنع مزيد من الصواريخ.

ويقول شانزر ان "الديناميكيات تغيرت" وعلى القادة الأوروبيين أن يتعاملوا بمزيد من الجدية مع فكرة ان ترمب مستعد لتمزيق الاتفاق مع إيران. ويضيف ان "الرئيس واظب على التلويح بالعصا ولم يخسر بعد من خلال تصرفه هذا. لم يربح، لكنه لم يخسر على وجه التأكيد".

وفي حال فشل ترمب في الحصول على تنازلات حول إيران، يمكنه أن ينسحب من الاتفاق ويعيد فرض العقوبات المتصلة بالملف النووي على طهران وعلى أي بنك أوروبي يواصل التعامل معها.

ولكن هل يمكن ان يدفع فشل المحادثات مع كوريا الشمالية إلى حرب طاحنة؟

يقول كبير مستشاري مجموعة أوراسيا إيان بريمر، "هناك فرصة كبيرة لتحقيق اختراق في عهد ترمب ولكن هناك احتمال كبير أن ينفجر الأمر برمته وأن نجد أنفسنا أمام مواجهة عسكرية".