واشنطن: على الرغم من تأكيدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن بلاده ستنسحب "قريبا" من سوريا، فإن هذا الاحتمال يبقى مستبعدا ميدانيا في الوقت الحاضر لما سيعنيه من انتصار لروسيا وإيران.

وقال ترامب الخميس في خطاب ألقاه في ولاية أوهايو "سنخرج من سوريا في وقت قريب" مضيفا "قريبا جدا، سنسيطر على مئة بالمئة من الخلافة كما يسمونها" في إشارة إلى المناطق الشاسعة التي احتلها تنظيم داعش في العراق وسوريا بين 2014 و2017.

كما أمر ترامب بحسب صحيفة وول ستريت جورنال بتجميد أكثر من مئتي مليون دولار من الأموال المخصصة لإعادة إعمار سوريا، في معلومات لم يتم تأكيدها ولا نفيها رسميا.

وقال مسؤولون لوكالة فرانس برس إن تصريحات ترامب لم تكن هفوة ولا خطأ، مشيرين إلى أن الرئيس كان ينتقد منذ عدة أسابيع فكرة الالتزام الأميركي بعيد الأمد أو حتى متوسط الأمد في شرق سوريا حيث تنشر واشنطن حوالى ألفي جندي في إطار مكافحة تنظيم داعش.

وفي حال انسحاب الولايات المتحدة من سوريا، فذلك سيتعارض مع استراتيجية "إرساء الاستقرار" في المناطق المحررة إلى حين التفاوض برعاية الأمم المتحدة على تسوية للنزاع في سوريا، وهي استراتيجية يدعو إليها الأوروبيون.

وفي مطلق الأحوال، يعتبر الدبلوماسيون الأوروبيون الذين فوجئوا بتصريحات ترامب، أنه لا يمكن للغربيين الانسحاب طالما لم يتم القضاء كليا على تنظيم الدولة الإسلامية ولم تنفيذ حل سياسي.

كما أن الانسحاب المبكر سيطعن في الجهود التي يبذلها وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس منذ عدة أسابيع لإقناع تركيا بوقف عمليتها العسكرية في شمال سوريا ضد وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقرة "إرهابية" فيما هي حليف أساسي لواشنطن في مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية.

حذر

وهذا ما جعل باقي الإدارة تتلقى بحذر تصريحات ترامب وقد اعتادت عدم التصدي بصورة مباشرة لمواقفه المتبدلة.

ففي وزارة الخارجية، ذكر مسؤول دبلوماسي طالبا عدم كشف اسمه بأن "الولايات المتحدة تعمل يوميا على الأرض بالتعاون مع الأسرة الدولية لإرساء الاستقرار في المناطق التي يخليها تنظيم داعش".

وفي البنتاغون، شدد متحدث هو الكومندان ايدريان رانكين غالواي على أن مهمة العسكريين الأميركيين في سوريا "لم تتغير" مضيفا "نواصل تطبيق استراتيجية الرئيس القاضية بالانتصار على تنظيم داعش.

وتقوم خطة الولايات المتحدة التي أعلنتها وزارة الدفاع في كانون الثاني/يناير وأكدها وزير الخارجية ريكس تيلرسون الذي أقصاه الرئيس لاحقا، على إبقاء وجود عسكري في سوريا "طالما أن ذلك ضروريا" لمنع عودة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، وعدم ترك المجال حرا لتحرك روسيا وإيران اللتين تقدمان دعما أساسيا للرئيس بشار الأسد مكنه من استعادة أكثر من نصف أراضي سوريا.

وغالبا ما انتقد ترامب خلال حملة الانتخابات سلفه باراك أوباما لسحبه القوات الأميركية "بصورة مبكرة" من العراق، ما شكل عاملا خلف احتلال تنظيم الدولة الإسلامية أراضي شاسعة في هذا البلد.

إلا أن الباحث في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر أوضح أن "مغادرة سوريا ستكون بمثابة استسلام أميركي تام أمام نفوذ إيران في المنطقة"، معتبرا "من الصعب النظر بجدية" إلى تصريحات الرئيس الأميركي.

وأضاف هذا الخبير في مكافحة الإرهاب "لا أعتقد أنه يفهم الوضع".

وقال إن بإمكان رئيس وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) مايك بومبيو الذي سيخلف تيلرسون ومستشار الأمن القومي الجديد جون بولتون أن "يشرحا له لماذا من مصلحتنا الآن أن نبقى عوضا أن نرحل" خاتما "يُهيأ لي أنهما سيتغلبان على ميل ترامب إلى حزم أمتعته والرحيل، أقله في الوقت الحاضر".