كل عام في ذكرى الغزو الأمريكي للعراق، يضطر خوسيه بوستاني للتعامل مع موجات الحزن والسخط التي تنتابه.

منذ نحو 15 عاما، يصر الدبلوماسي البرازيلي على اعتقاده بأنه كان يمكنه أن يساعد على تجنب ما يصفه بـ"الغزو عديم الجدوى للعراق وتداعياته الرهيبة".

وكان بوستاني، البالغ من العمر 72 عاما، أول مدير عام لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، وهي منظمة حكومية دولية أنشأت عام 1997، لكي تشرف على القضاء على هذه الأسلحة والتحقق منه.

وانتهت فترة ولايته الثانية بطريقة مثيرة للجدل، في مارس/ آذار عام 2002، بعد اقتراح تقدمت به الولايات المتحدة ووافق عليه 48 دولة عضوا بالمنظمة، بينما رفض الاقتراح 7 دول وتحفظت عليه 43 دولة.

وقبل إقالته بـ 11 شهرا، كان بوستاني قد أعيد انتخابه بالإجماع لرئاسة المنظمة.

"الضغط "

وبينما ألقت الحكومة الأمريكية باللوم على "مشاكل سوء الإدارة، والاستقطاب والسلوك الصدامي"، كأسباب رئيسية لإقالة بوستاني، إلا أن إدارة الرئيس جورج بوش الابن كانت على خلاف شديد وواضح، مع مجهودات الدبلوماسي البرازيلي، من أجل أن يوقع العراق على معاهدة حظر انتشار الأسلحة الكيماوية، وعمليات تفتيش دولية قبل الغزو.

جندي أمريكي يرتدي قناعا واقيا ضد الغاز
Getty Images
اتهام العراق بامتلاك أسلحة كيمياوية كان الذريعة الأساسية للغزو، الذي قادته أمريكا عام 2003

وكان من شأن تلك الخطوة، حسب بنود المعاهدة، أن ترغم نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، على تقديم معلومات بشأن ترسانته من الأسلحة، والموافقة على عمليات تفتيش دولي، وكذلك تدمير أي مخزون منها.

وقال بوستاني لبي بي سي: "وافق كل من العراق وليبيا على الانضمام للمعاهدة، وكان يمكن أن يحدث التفتيش، بحلول نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 2002. لكن الأمريكيين كانوا غاضبين. إذا سمح لمفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بالدخول إلى العراق، لما وجدوا أسلحة كيميائية، ما كان سيضعف من حجة الغزو إلى حد كبير. الأمريكان أرادوا غزو العراق، لكن التفتيش كان يتعارض مع مصالحهم".

واتهمت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا نظام صدام، بامتلاك مخزونات من أسلحة الدمار الشامل، واستخدموا ذلك كذريعة لغزوه عام 2003.

وأثبتت تحقيقات في البلدين في وقت لاحق أن هذا الادعاء لم يكن صحيحا.

تبرئة

وكان بوستاني أول رئيس لمنظمة دولية يقال من منصبه بهذه الطريقة.

ورفع الدبلوماسي البرازيلي شكوى إلى منظمة العمل الدولية، التي توصل ذراعها الإداري في يوليو/ تموز من عام 2003 إلى أن إقالته لم تكن قانونية.

جون بولتون
Getty Images
قاد جون بولتون جهود إزاحة بوستاني من منصبه

لكن في ذلك الوقت كان العراق قد تم غزوه بالفعل.

وقبل ذلك التاريخ بشهرين، ألقى الرئيس جورج بوش الابن خطابه الشهير "المهمة أنجزت"، أعلن خلاله انتهاء العمليات القتالية الرئيسية في العراق.

وبات هذا الخطاب يطارد الحكومة الأمريكية بعد ذلك بوقت قصير، حينما اندلع تمرد مسلح في العراق، تحول بعد ذلك إلى حرب أهلية، لا يزال يعاني منها ذلك البلد حتى الآن.

ويقول بوستاني: "نعم، لقد برأني التاريخ. الأشياء كان يمكن أن تختلف، ودون غزو العراق ربما لم نكن نجد تنظيم الدولة هنا وهناك. لكن خيبة الأمل تظل موجودة، لأنني كان يمكنني أن أفعل شيئا ما لتجنب كل ذلك".

وتلقى الدبلوماسي البرازيلي تعويضا ماليا عن إقالته من منصبه، بعد قرار منظمة العمل الدولية، لكنه تبرع بقيمة التعويض كاملا للمنظمة، التي تتلقى أغلب ميزانيتها من الولايات المتحدة.

ويقول بوستاني: "آمل أن يتعلم كل شخص دروسا مما حدث. من المهم أن تمارس المنظمات الدولية عملها باستقلال تام".

مواجهة

شعر بوستاني بعدم ارتياح بدرجة أكبر هذا العام، حيث تلا الذكرى الـ 15 لغزو العراق بوقت قصير الإعلان عن عودة جون بولتون إلى الحكومة الأمريكية.

وكان بولتون يشغل منصب سفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، إبان غزو العراق وكان من أبرز من تبنوا فكرة الغزو، وكان خصما لبوستاني في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية.

ويقول الدبلوماسي البرازيلي: "كان بولتون عنصرا فعالا في جهود إقالتي من منصبي، وذات مرة جاء إلى مكتبي، ليطلب مني الاستقالة وإلا سأواجه العواقب، وأشار حينها إلى أن أبنائي يدرسون في الولايات المتحدة. لقد رفضت الاستقالة فتقدموا هم باقتراح إقالتي".

وفي ديسمبر/ كانون الأول من عام 2013، حينما فازت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بجائزة نوبل للسلام، رفض بولتون رواية بوستاني للأحداث، في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز، وأصر على أن الأخير أقيل من منصبه بسبب عدم كفاءته.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن دبلوماسيين أمريكيين قولهم، إن الحشد الذي قام به بولتون ضد بوستاني تضمن توزيع وثيقة، تتهم الأخير بممارسة "سلوك فظ، واتخاذ مبادرات دون دراسة كافية"، ودون التشاور مع الولايات المتحدة والدول الأخرى الأعضاء بالمنظمة.

ويقول الدبلوماسي البرازيلي، الذي تولى منصب سفير بلاده في كل من بريطانيا وفرنسا، قبل أن يتقاعد عام 2015، إنه لم يتلق أي اعتذار من الأطراف التي انخرطت في مسألة إقالته، أو أي تقدير من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، بمناسبة فوزها بجائزة نوبل للسلام.

ويقول بوستاني: "علمت أن كل الموظفين السابقين بالمنظمة تلقوا خطابات تذكارية. لكن هذا لا يعني لي شيئا، مقارنة بحزني لأننا كان يمكننا أن نتجنب حدوث كل هذا العنف".