«إيلاف» من برلين: يقدر علماء البيئة إن كمية غاز ثاني أوكسيد كربون التي تنبعث عن الصناعة والنقل وغيرها تبلغ حوالي مليار طن سنوياً على المستوى العالمي خلال سنة. وتخطط مختلف المؤسسات العالمية للتخلص من هذا الغاز الضار بالبيئة عن طريق حفظه تحت المحيطات وداخل الأرض، وينوي العلماء الألمان انتاج الطاقة البديلة منه. 

وهذا يعني ان الشركات الألمانية، مدعومة من قبل وزارة البيئة الاتحادية، تسعى لتحويل ما هو قاتل للبيئة إلى ما هو صديق للبيئة، وهذه ثورة في عالم التصدي لظاهرة التسخين والاحتباس الحراري.

ويفترض بمشروع"ريتيكوس" ان يعنى بتدوير غاز ثاني أوكسيد الكربون حاله حال الورق والبلاستيك والزجاج. ويقول المسؤولون عن المشروع ان الهدف هو إنتاج"وقود خارق"(سوبر) من غاز ثاني أوكسيد الكربون يحيل بقية أنواع الطاقة البديلة إلى الرف.

وأطلق المشروع عملاقا الطاقة الألمانية"سيمنز" و"ايفونيك" في المنطقة الصناعية في مدينة مارل في ولاية الراين الشمالي فيستفاليا. ويجري الحديث في الشركتين عن محاكاة عملية التركيب الضوئي في النباتات صناعياً، بمعنى استخدام الماء وثاني أوكسيد الكربون وضوء الشمس، لإنتاج الوقود البيئي من الغاز القاتل للبيئة.

اقتناصCO2 من الجو وتدويره

خصصت الشركتان أكثر من20 عالماً في مجال الطاقة البديلة للعمل على المشروع الذي يتخذ من مدينة مارل مركزاً له. ويقدر العلماء أن يبدأ تشغيل أول منشأة من هذا النوع في ألمانيا في العام2012، وان تقتنص المنشأة غاز ثاني أوكسيد الكربون من الجو وأن تعيد استخدامه (تدويره) لإنتاج زيت بيئي فائق القدرة.

وتعتمد طريقة التركيب الضوئي الصناعية على عنصر الكربون في الغاز الضار بالبيئة، وهو العنصر الاساسي في مصادر الطاقة الأخرى مثل النفط الكيروسين والزيت...إلخ. وبهذا يصيب مشروع"ريتيكوس" عصفورين بحجر، فهو يقلل الاعتماد على مصادر النفظ الخام في انتاج الطاقة، ويقلل نسبة غاز ثاني أوكسيد الكربون في أجواء كوكب الأرض.

علماً ان مخاطر غاز ثاني أوكسيد الكربون على صحة الإنسان ليست كبيرة كما هي الحال في الغازات الأخرى التي تطلقها الصناعة والسيارات مثل غاز أول أوكسيد الكربون وأوكسيد النتروجين، إلا أن علماء البيئة يحملونه المسؤلية بنسبة76% عن ظاهرة الاحتباس الحراري التي يسببها البشر.

وتقدر دائرة البيئة الألمانية الاتحادية مسؤلية النقل في ألمانيا عن17% من ظاهرة الاحتباس الحراري، ويتحمل غاز ثاني وكسيد الكربون، المنبعث عن وقود السيارات، النسبة الأعظم عن هذه الظاهرة. وزاردت مسؤولية النقل عن ظاهرة الاحتباس الحراري بنسبة0,6% بين 1990و2014.

إنتاج المواد الغذائية التكميلية أيضاً

وذكر غونتر شميدت، المدير في شركة سيمنز المعروفة، ان الهدف هو صناعة"منبر" لإنتاج الطاقة البديلة من غاز ثاني أوكسيد لكربون. واضاف ان محاكاة التركيب الضوئي ستعين البشرية على إنتاج الطاقة البديلة بكلفة قليلة، واستخدامها أيضاً في توفير المواد الغذائية التكميلية(مثل الفيتامينات والعناصر لمعدنية المهمة لصحة الإنسان) والمواد الكيمياوية الطبيعية الأخرى التي تدخل في الصناعة.

ويبدو الباحث ميشائيل كاروس، من معهد"نوفا" للاقتصاد البيئي،على قناعة من ان غاز ثاني وكسيد الكربون يملك الاسبقية على غيره كمصدر للطاقة البديلة. وقال كاروس، الذي يعمل مستشاراً في مشروع"ريتيكوس"، ان الغاز سيصبح المصدر الأول للطاقة البديلة في ألمانيا خلال خمسين سنة.

وأشار الباحث إلى ان عملية التركيب الضوئي الصناعية ستستخدم البكتيريا، ومواد طبيعية أخرى، في تدوير غاز ثاني وكسيد الكربون وإنتاج الطاقة البديلة منه. واستشهد كاروس بشركة "كافيسترو" في دورماغن التي تنتج حالياً المواد الصناعية باستخدام غاز ثاني وكسيد الكربون في الجو، على طليعية ألمانيا في مجال استخدام وتدوير الغاز.

ويجد كاروس في مشروع" Carbion2Chem"، الذي بدأه عملاق صناعة الحديد الألمانية "ثوسون" دليلاً آخر على تفوق التقنيات الألمانية في مجال استخدام غاز ثاني أوكسيد الكربون في الصناعة. ويساهم17 شريكاً في المشروع الذي يستهدف اقتناص الغاز المنطلق عن صناعة الحديد و"زرقه" من جديد في دورة الصناعة الألمانية. بكلمات أخرى، يعمل المشروع من أجل تدوير20 مليون طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون تنطلق سنوياً في ألمانيا عن الصناعة والتقل وغيرها.

تحويل الغاز إلى صبغات طبيعية

جدير بالذكر ان معهد فراونهوفر الألماني المعروف استفاد من نفس خواص الغاز الضارة بالبيئة لتطوير طريقة جديدة لحماية البيئة به. فذرات غاز ثاني أوكسيد الكربون معروفة بشدة امتصاصها للأشعة فوق الحمراء، و هذه الخاصية هي المسؤولة عن ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة. 

وما فعله العلماء في المعهد انهم حولوا الغاز إلى مذيب بعد تسليط ضغط عال جداً عليه. وتمكن العلماء مختبرياً من استخدام الغاز المضغوط، أي في حالته السائلة، لصبغ المواد البلاستيكية الرئيفة بالبيئة، و في تغليف المواد المختلفة بطبقة مضادة للجراثيم وخصوصاً للبكتيريا.