لاهاي: تعقد منظمة حظر الأسلحة الكيميائية اجتماعًا الاثنين في لاهاي غداة بدء خبرائها التحقيق في سوريا بشأن تقارير عن هجوم كيميائي اتهمت دمشق بتنفيذه في دوما، ما حمل دول غربية على شن ضربات غير مسبوقة ضد أهداف عسكرية للنظام، وأثار تصعيدًا حادًا في التوتر الدبلوماسي.

ولا يزال الغموض يحيط باستراتيجية واشنطن حيال سوريا، إذ أكد البيت الأبيض الأحد أن دونالد ترمب مصمم على سحب القوات الأميركية في أقرب وقت ممكن، بعد ساعات من تأكيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن باريس أقنعت الرئيس الأميركي بالبقاء في سوريا "لمدة طويلة".

وبعد ساعات على الضربات التي نفذتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا فجر السبت، ودمّرت ثلاثة مواقع يشتبه في أنها مرتبطة ببرنامج السلاح الكيميائي السوري، أعلنت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية على موقع تويتر وصول فريق تقصي حقائق إلى دمشق ظهر السبت تمهيدًا للتحقيق في الهجوم الكيميائي المفترض في دوما، والذي أدى في السابع من أبريل إلى مقتل أربعين شخصًا، وفق مسعفين وأطباء محليين. 

اتهمت الدول الغربية دمشق باستخدام غازي الكلور والسارين في الهجوم، فيما تنفي دمشق وحليفتها موسكو استخدام أسلحة كيميائية. لم يرد الكثير من التفاصيل حول الاجتماع الذي تعقده منظمة حظر الأسلحة الكيميائية الاثنين في مقرها في لاهاي.

وتواجه البعثة مهمة صعبة في سوريا، بعدما استبقت كل الأطراف الرئيسة نتائج التحقيق، بما فيها الدول الغربية. وتتعلق المخاطر أيضًا باحتمال العبث بالأدلة في موقع الهجوم المفترض في دوما، التي دخلتها قوات روسية وسورية بعد ساعات من الضربات الغربية.

لم يتم التثبت مما إذا كان الفريق توجّه إلى دوما ليبدأ عمله الميداني، كما أعلن معاون وزير الخارجية السوري أيمن سوسان قبل الظهر لفرانس برس، مؤكدًا "سندعها (البعثة) تقوم بعملها بشكل مهني وموضوعي وحيادي ومن دون أي ضغط". وعادة ما يبدأ المحققون عملهم بلقاء المسؤولين، لكن الاجتماعات تعقد خلف أبواب مغلقة، كما يفرض الطرفان تعتيمًا إعلاميًا على مسار عمل وفد المحققين.

شاهدت مراسلة فرانس برس الأحد نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد يدخل الفندق الذي يقيم فيه وفد المنظمة، وخرج منه بعد ثلاث ساعات من دون الإدلاء بتصريح.

المهمة الأميركية "لم تتغير"
وأعلن البيت الأبيض الأحد أن المهمة الأميركية في سوريا "لم تتغير"، مؤكدًا أن ترمب يريد سحب القوات الأميركية في أقرب وقت ممكن. وقالت المتحدثة باسم الرئاسة الأميركية ساره ساندرز إن "الرئيس كان واضحًا، إنه يريد أن تعود القوات الأميركية في أقرب وقت ممكن إلى الوطن". 

تابعت ساندرز "نحن عازمون سحق تنظيم الدولة الإسلامية بالكامل، وخلق الظروف التي تمنع عودته. إضافة إلى ذلك، نتوقع أن يتحمل حلفاؤنا وشركاؤنا الإقليميون مسؤولية أكبر عسكريًا وماليًا من أجل تأمين المنطقة".

جاءت تصريحات المتحدثة بشأن الانسحاب لتتناقض مع ما أعلنه ماكرون في مقابلة تلفزيونية مطولة مساء الأحد، مؤكدًا أنه أقنع ترمب بعدم سحب القوات الأميركية من الأراضي السورية. وقال ماكرون إن ترمب بات الآن مقتنعًا بضرورة الإبقاء على الوجود الأميركي في سوريا، موضحًا "قبل عشرة أيام قال الرئيس ترمب إنّ الولايات المتحدة تريد الانسحاب من سوريا (...) أؤكد لكم أننا أقنعناه بضرورة البقاء مدة طويلة".

وأضاف معلقًا على الضربات: "لقد نجحنا في العملية على الصعيد العسكري"، لكنه شدد على أنها لا تشكل إعلان حرب على سوريا. وأشار إلى أن "الهدف هو بناء ما يسمّى بالحل السياسي الشامل" لوقف النزاع المستمر منذ أكثر من سبع سنوات في سوريا، ملمّحًا إلى أنه لا يرغب في رحيل فوري للأسد عن السلطة. 

تابع أنه من أجل التوصل إلى "هذا الحل الدائم، يجب أن نتحدث مع إيران وروسيا وتركيا"، داعيًا من جهة أخرى إلى تحريك العمل الدبلوماسي والمفاوضات بين الغربيين في إطار مجلس الأمن الدولي، حيث تملك روسيا حق النقض (الفيتو). أما رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي التي تواجه انتقادات لتحركها خارج إطار الأمم المتحدة، فمن المتوقع أن تتوجه الاثنين إلى البرلمان البريطاني لشرح موقفها.

وكان وزير خارجيتها بوريس جونسون أعلن الأحد أنه ليست هناك خطط لشن المزيد من الضربات، مضيفًا "أخشى أن تكون النتيجة غير السعيدة لهذا أنه إذا قلنا إن تحركنا يقتصر على الأسلحة الكيميائية (...) سيعني بالطبع أنه يجب أن تستمر الحرب السورية".

وتجري مناقشات في مجلس الأمن اعتبارًا من الاثنين حول مسودة قرار جديدة بشأن سوريا قدمها الأميركيون والفرنسيون والبريطانيون بعد ساعات على الضربات، تنص بصورة خاصة على إنشاء آلية تحقيق جديدة تتعلق باستخدام أسلحة كيميائية في سوريا.

ومنذ ورود أول التقارير عن الهجوم الكيميائي، شهد المجتمع الدولي توترًا بين موسكو والدول الغربية. وأعلنت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي الأحد أن واشنطن ستفرض الاثنين عقوبات جديدة بحق روسيا على صلة باستخدام النظام السوري المفترض للأسلحة الكيميائية.

وأضافت أن العقوبات ستستهدف "مباشرة كل أنواع الشركات التي تهتم بمعدات مرتبطة بالأسد واستخدام أسلحة كيميائية"، ملمّحة إلى إمكانية فرض عقوبات محددة على شركات روسية. ودان الرئيس السوري بشار الأسد الأحد "حملة من التضليل والأكاذيب في مجلس الأمن" الدولي.

بدوره، حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأحد خلال اتصال هاتفي مع نظيره الإيراني حسن روحاني الذي تعد بلاده من أبرز داعمي نظام الأسد إلى جانب موسكو، من أنه "إذا تكررت أفعال مماثلة في انتهاك لميثاق الأمم المتحدة فإن هذا سيُحدث بدون شك فوضى في العلاقات الدولية".

وإذ أكدت وزارة الدفاع الأميركية أن لا ضربات جديدة مرتقبة ضد سوريا، قالت هايلي إن بلادها "مستعدة للتحرك مجددًا" في حال تكرر استخدام الأسلحة الكيميائية.