تتوجّه الأنظار السياحية والأثرية اليوم نحو العلا السعودية، ونحو مدائن صالح القديمة، كنز الحضارة ومرآة العالم القديم، إذ وجد المستكشفون هناك آثارًا كثيرة لعهد نبطي بائد. تقرير بثته سي إن إن يسلط الضوء على هذه المنطقة العامرة بالتراث الإنساني.

إيلاف من دبي: قلة كانت تعرف ما في "العلا" السعودية من آثار قديمة، تعود إلى الحقبة النبطية، حتى خطفت عقول الفرنسيين وقلوبهم ببقايا حضارة آلت إلى الزوال، فكان توقيعهم مع السعودية اتفاقية تطوير منطقة العلا، خلال زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الأخيرة إلى فرنسا.

يتوقع أن يصل حجم الاستثمارات في هذا المشروع إلى 2.6 مليار ريال سعودي بحلول عام 2020، وأن يستقبل نحو 400 ألف سائح سنويًا، وأن يوظف 4200 شابًا سعوديًا، وأن يستدعي بناء 1878 غرفة فندقية، بحسب الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني السعودية.

مرآة حضارات العالم القديم
وصف المؤرخون العلا بـ "مرآة حضارات العالم القديم في الجزيرة العربية". إلا أن أسرار هذه المرآة بقية عصية على الباحثين، إلى الآن. وهي جزء مهم من إرث تاريخي وثروات بيئية وطبيعية في المملكة تفسر كيف عاشت الحضارات القديمة، وكيف اندثرت. 

واجهات لمقابر نبطية

تختزن العلا آثارًا مغرقة في القدم، ترجع إلى قوم ثمود، وفيها مدائن صالح، كما اكتشف باحثون بقايا معابد وتماثيل تعود إلى عصر اللحيانيين في عام 900 قبل الميلاد. لهذا، استبقت "لوموند" الفرنسية زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى باريس بوصف مدائن صالح بأنها "كنزٌ للحضارة".

في تقرير مصور من جزئين، تناولت شبكة "سي إن إن" هذه المنطقة، مسلطة الضوء على مدائن صالح والآثار النبطية والليحيانية الأخرى في العلا، علمًا أن منظمة اليونسكو صنّفت مدائن صالح في عام 2008 موقعًا للتراث العالمي، ليكون أول موقع سعودي يدرج في قائمة التراث العالمي.

في تقرير "سي إن إن"، تظهر في مدائن صالح مقابر ضخمة مزخرفة، تعود في تاريخها من القرن الأول قبل الميلاد إلى القرن الأول بعد الميلاد، ونقوشًا ما قبل نبطية، وكهوفًا غطت جدرانها الرسوم والنقوش الدلالية.

يقول إبراهيم السبهان، نائب مدير متحف المصمك، في التقرير، إن شعوره لا يوصف، إذ حين أتى العلا للمرة الأولى رأى بقايا حضارة لم يشاهدها من قبل.

ما تركوا تاريخًا مدوّنًا
في موقع الحجر، أو مدائن صالح، بيان حقيقي لحضارة الأنباط: 111 مقبرة ضخمة، 94 منها مزخرة، آبار مائية تشي بخبرات الأنباط المعمارية والفيزيائية. إلا أنها، بحسب التقرير، لم تحظ بما حظيت به البتراء الأردنية، عاصمة مملكة الأنباط، من شهرة. 

العلا... عروس الجبال وعاصمة الآثار

وكانت مدائن صالح مدينة مزدهرة في القديم بفضل وقوعها على طريق تجاري يربط آسيا بأوروبا: "طريق التوابل". تكشف النقوش التي تحملها المقابر أسماء من عاش في ذلك الوقت، وعلاقاتهم بعضهم ببعض، ومهنهم وقوانينهم وآلهتهم، كمت تكشف تفصيلات من حياتهم اليومية، وبعضًا من "اللعنات" التي كانت تصب على نبطيين.

هذا هو المهم، بحسب ليلى نعمة، المدير المشارك في مشروع مدائن صالح الأثري، إذ تقول في التقرير إن الأنباط ما تركوا تاريخًا مدونًا، وهنا تكمن أهمية النصوص التي تنفرد بها مدائن صالح. تضيف: "كما في بترا، يظن الناس أن النبطيين ما بنوا إلا المقابر، لكن هذا غير صحيح، كشفنا في هذه المدينة القديمة كيف كان الناس يعيشون، وكيف يأكلون، ولكن أيضًا، وهذا المهم، اكتشفنا كيف ماتوا". 

تحوي العلا آثارًا عظيمة بعضها ظاهر وبعضها مدفون تحت الأرض

تتابع قائلة إن العاملين في المشروع استكشفوا أربعة إلى خمسة مقابر، ووجدوا أدلة كثيرة تعود إلى الحقبة النبطية، "وهذه هي المرة الأولى فعليًا التي يمكننا فيها إحياء كامل الطقوس الجنائزية من العهد النبطي".

المطر قليل، وهذا كان أحد العوامل التي ساهمت في بقاء مدائن صالح على حالها الجيدة، كما هي الآن، بحسب روبرت بيولي، الخبير في مؤسسة "الآثار المهددة للاندثار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا".

حفظًا وصونًا
اليوم، يعمل فريق ليلى نعمة لحماية ما تحت الأرض، ما في داخل المقابر النبطية في مدائن صالح، بتعزيز الحوائط الطينية لمنع انهيارها، وهذا ما يقوم به خبراء وتلاميذ آثار سعوديون.

وجهة سياحية سعودية جديدة في غاية الأهمية على صعيد التراث الإنساني

غير أن العمل في مشروع مدائن صالح جزء من مبادرة أوسع نطاقًا، إذ تشرع المملكة في تنفي أكبر عملية مسح أثري في المنطقة. فثمة مواقع أثرية لم تكتشف بعد، أو تم اكتشافها، لكن لم ينقّب فيها بعد، أو ما زالت في طور التنقيب والاستكشاف.

تقول عبير العقيل، رئيسة قسم الاستراتيجيا في الهيئة الملكية لمنطقة العلا، في التقرير، إن هناك اهتمامًا محددًا بمنطقة العلا، "فهذه عنصر أساس اليوم، ونحن نركز على الجانب الأثري، ونحاول فهم ثقافة المنطقة، كما نحاول توثيق المواقع الأثرية هنا، لأنها منطقة غير مكتشفة، وعلينا التأكد من حفظ هذه المواقع وحمايتها".

من المعالم الأثرية في مدائن صالح، مدافن جبل المحجر، وهي ثلاث كتل صخرية تضم 14 مدفنًا نبطيًا؛ ومدافن قصر البنت، وهي جبلان، في الأول 31 مدفنًا، وفي الثاني مدفنان؛ ومدافن الجبل الأحمر، وهي كتلتان صخريتان، في الأولى 18 مدفنًا، وفي الثانية مدفن واحد؛ ومدافن الخريمات، وهي 9 جبال، فيها 53 مدفناً؛ ومدافن المنطقة (د)، وتتكوّن من جبلين، يحتوي كلّ منهما على مدفن واحد؛ قصر الصانع، وهو يتكوّن من كتلتين صخريتين، تحتوي الصخرة الغربية على مدفن واحد، تتميّز شرفته العليا بأنّها مدرجة ينتهي أسفلها بكورنيش، وتحتوي على تيجان نبطية وفاصل؛ قصر الفريد، ويتميز ببنائه المعماري النبطي ذات الواجهة الصخرية والأعمدة الجانبية؛ وأخيرًا، مدافن المنطقة السكنية.