«إيلاف» من دبي: فجر السبت، نفذت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا هجمات بالصواريخ والمقاتلات الجوية على مراكز تابعة للنظام السوري، متصلة بقدراته الكيماوية، ردًا على قصف هذا النظان مواطنين سوريين في مدينة دوما بغازي الأعصاب والسارين، وذلك بعد أخذ ورد على مستوى المجتمع الدولي، بين سعي إلى معاقبة النظام السوري، وبين تردد نتيجة لحسابات دولية وإقليمية دقيقة.
قبل أيام من هذا الهجوم، سألت "إيلاف" قارئها: "هل ترى أن من واجب المجتمع الدولي التصدي بحزم لهجمات دوما الكيماوية؟". شارك في هذا الاستفتاء 3726 قارئًا، بينهم 3280 أجابوا بـ "نعم" بنسبة 88 في المئة، بينما أجاب 446 مشاركًا بـ "لا" بنسبة 12 في المئة.
ليس هناك ما يستدعي الاستغراب من هذه الغلبة في الرأي، فسكوت المجتمع الدولي هو ما ترك حبا القتل الجماعي على غاربه لدى النظام السوري، وليس من ينكر ذلك إلا الموالين للنظام.


حزم.. عجز
في التاسع من أبريل الحالي، دعت تيريزا ماي، رئيسة الوزراء البريطانية، المجتمع الدولي إلى أن يكون أكثر حزمًا في التعامل مع الهجوم الكيماوي على دوما بالغوطة الشرقية، خلال مؤتمر صحفي لرئيسة الوزراء البريطانية مع نظيرها السويدي ستيفان لوفن، في العاصمة السويدية ستوكهولم. 
وقالت ماي: "المجتمع الدولي بحاجة إلى أن يكون أكثر صرامة في التعامل مع من يقفون وراء هجوم بالغاز السام في سورية، وبريطانيا تعمل مع الحلفاء لتحديد المسؤولين ومحاسبتهم".
وكانت قد طالبت في وقت سابق بمساءلة نظام الأسد وداعميه، بمن فيهم روسيا. وأوضحت أنها تتعاون مع حلفائها في أي إجراء يعد ضروريًا. 
قال زيد بن رعد الحسين، مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أن هجوم دوما مؤشر على عجز المجتمع الدولي مجددًا في منع الهجمات الكيماوية في سورية. وأضاف في بيان: "العالم يجلس مكتوف الأيدي بعد سنوات من اعتقادنا أننا حظرنا بشكل ناجح استخدام الأسلحة الكيماوية، لكن استخدامها في سورية أصبح أمرًا عاديًا".
وأشار إلى أن استخدام هذه الأسلحة تم بالفعل في 35 حادثة مختلفة بسورية منذ عام 2013، مشددًا أن الإدانات اللفظية باتت غير كافية بشكل واضح في مواجهة تلك الهجمات. وحذر من أن عدم إظهار رد صارم من شأنه أن يشجع على استخدام تلك الأسلحة، ويضعف شرعية نظام القانون الدولي.
من ناحية أخرى، أدانت الخارجية السعودية هجمات النظام السوري المتكررة بالسلاح الكيمياوي على دوما. وكتبت على‏ حسابها الرسمي في "تويتر": "نعبّر عن قلقنا البالغ وإدانتنا الشديدة، للهجوم الكيمياوي المروع الذي تعرضت له مدينة دوما بالغوطة الشرقية في سورية وراح ضحيته عشرات المدنيين من النساء والأطفال. ونؤكد ضرورة إيقاف هذه المآسي، وانتهاج الحل السلمي القائم على مبادئ إعلان جنيف-1 وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، ونشدد على أهمية اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه حماية المدنيين في سورية".

المجتمع الدولي مسؤول
قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية قصف التحالف السوري الروسي مدينة دوما في الغوطة الشرقية بقنابل غازات سامة، ما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا من المدنيين بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء.
قال المرصد أن تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين جريمة حرب، وجريمة ضد الإنسانية، معتبرًا أن المنظومة الدولية "فشلت في وضع حد لاستخدام الأسلحة المحرمة دوليًا في سورية، حيث تم استخدام السلاح الكيماوي 215 مرة على مدار السنوات السبع الماضية، وهناك حوالى 350 غارة نفذتها طائرات التحالف على مدينة دوما بصواريخ فيها مواد حارقة وفسفور ونابالم، فضلًا عن البراميل المتفجرة والقنابل العنقودية.
لفت المرصد إلى أن قوات الدفاع المدني لم تتمكن من الوصول إلى القتلى والجرحى بسبب كثافة القصف، ومقتل عائلات بأكملها خنقًا بالغازات السامة في منازلهم، بالإضافة إلى استهداف مشافي المدينة وقصف طرق الإسعاف وفرق الدفاع المدني.
قالت ساندرا أوين، المتحدثة باسم المرصد: "على الرغم من أن النظام السوري خالف قرارات مجلس الأمن مرارًا وتكرارًا، فإنه لم يواجه أي تصعيد من قبل المجلس لمنعه من الاستمرار بهذا الانتهاك الجسيم بفضل الفيتو الروسي، فضلًا عن صمت المجتمع الدولي وتردده في اتخاذ خطوات صارمة".
وطالب المرصد قوات التحالف السوري الروسي وكافة التشكيلات السورية المسلحة بإبعاد المدنيين عن القتال، والعمل على التزام قرارات مجلس الأمن وضمان احترام الاتفاقيات والمواثيق الدولية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية ووصولها لجميع المحتاجين في جميع المناطق المنكوبة في سورية.

لأنه لا يعاقب
أكدت "غارديان" البريطانية مسؤولية المجتمع الدولي لمواجهة جرائم النظام السوري، "فعودة هذا النظام إلى استخدام السلاح الكيماوي ضد أبناء شعبه عمل وقح وهمجي، حيث تعرض العشرات للاختناق في المنطقة الباقية تحت سيطرة المعارضة في الغوطة الشرقية جراء الهجوم الكيماوي على منطقة دوما".
أضافت: "هذه ليست المرة الأولى، فمنذ الهجوم بغاز السارين في خان العسل في عام 2013، حدثت عشرات الهجمات بالأسلحة الكيماوية، وتظهر هذه الهجمات ضد المدنيين احتقارًا للإنسانية وقلة احترام لقوانين الحرب".
وردت الصحيفة استمرار الأسد في غيه إلى امتلاكه الأساليب وإلى علمه أنه لن يعاقب، "فبعض الناس يتساءل لماذا يشعر النظام أنه يستطيع خرق واحد من المحرمات في الحرب، والجواب يقتضي الغوض عميقًا في المناطق المظلمة في نفسية النظام، الذي يؤمن بالقوة الفائقة والحاجة لإرهاب المدنيين، ويعتقد بحقه في عقاب المعارضين بطريقة عشوائية وكون ذلك سياسة حرب".
وصف حسين خيري، في "الأهرام" المصرية، ما يحدث في سورية بأنه "عار على المجتمع الدولي"، وقال عبد الرحمن الراشد في "البيان" الإماراتية: "المشكلة ليست في توافر الأدلة، وهي كثيرة... بل في المجتمع الدولي ومؤسساته، حيث صار يتجاهل وبشكل خطير. سلوك المجتمع الدولي غريب تجاه جرائم عادة يعتبرها هجومًا عليه وخطرًا على الجنس البشري"، محذرًا من أنه "إن لم تكن حياة آلاف السوريين بذات قيمة عند الذين يتفرجون بلا مبالاة، فإن العالم كله في خطر من هذه السوابق التي أصبحت عملًا مألوفًا ومقبولًا بالسكوت عليه وعدم محاسبة المجرمين. السكوت على ما تفعله الأنظمة الثلاثة [السورية والروسية والإيرانية] في سورية سيجعل كل مدن المنطقة مفتوحة للقتل بالغازات مع توسع الحروب وبرودة ردود أفعال العالم حيالها".