بيروت: قبل نحو ثلاثة أسابيع من انتخابات برلمانية هي الأولى منذ نحو عقد من الزمن، يغرق لبنان في حمى السباق وتضيق الشوارع بصور المرشحين، على وقع تحالفات غير مألوفة بين القوى السياسية التي تخوض الاستحقاق وفق قانون انتخاب جديد.

وبعدما مدد المجلس الحالي ولايته لثلاث مرات منذ انتخابه في العام 2009 بسبب الانقسامات السياسة الداخلية وعلى وقع الأزمة السورية، ينظر الى هذه الانتخابات بوصفها محطة مهمة من شأنها أن ترسم معالم السنوات الأربع المقبلة سياسيًا لناحية شكل التوزانات بين مختلف الفرقاء وكذلك على الصعيد الاقتصادي.

يقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت عماد سلامة لوكالة فرانس برس "انها تجربة انتخابية جديدة للبنان".
تجري الانتخابات المقررة في السادس من مايو وفق قانون انتخاب جديد يقسم لبنان الى 15 دائرة انتخابية، ويقوم على أساس لوائح مغلقة، ويعتمد النظام النسبي للمرة الأولى، بعد اعتماد الصيغة الأكثرية على مدى عقود.

يرى سلامة أن "الرهانات على هذه الانتخابات عالية جداً نظراً الى توازن القوى الدقيق بين مختلف المجموعات الطائفية في البلاد". تتوزع مقاعد البرلمان في لبنان، الذي ينتمي سكانه الى 18 طائفة، مناصفة بين المسيحيين والمسلمين. ويتولى مسيحي ماروني رئاسة الجمهورية، ومسلم سني رئاسة الحكومة، فيما يرأس مسلم شيعي البرلمان.

يأتي اجراء الانتخابات بعد تسوية سياسية أعقبت فراغاً في سدة الرئاسة وشللاً في عمل المؤسسات لمدة عامين ونصف عام، أدت في أكتوبر 2016 الى انتخاب ميشال عون رئيساً جديداً للبلاد وتشكيل حكومة جديدة برئاسة سعد الحريري.

الحاجة إلى التغيير
توافقت القوى السياسية على قانون الانتخاب بعد سجالات ومشاورات دامت سنوات، خشية من أن يحرمها القانون الجديد من مقاعدها في البرلمان. 

تقدم القانون الحالي بوصفه يتضمن الكثير من الاصلاحات، لا سيما اعتماد النظام النسبي، الذي يتيح لمرشحين مستقلين وأحزاب صغيرة التمثل في البرلمان، اذا نالت عدداً محدداً من الأصوات. كما يسمح باقتراع اللبنانيين في الخارج شرط ان يكونوا قد سجلوا أسماءهم مسبقاً والبالغ عددهم 82 ألفاً.

تقول الشابة انغريد الحاج (25 عاماً)، التي ستقترع للمرة الأولى الشهر المقبل وتعمل مستشارة اعلامية، "هذا البلد يحتاج تغييرا. أتذمر منذ سنوات من الوضع القائم. البقاء مكتوفي الأيدي ليس حلاً".

ويشهد لبنان وضعاً اقتصادياً متردياً وتعاني بناه التحتية من ترهل وتحتاج اعادة تأهيل. كما يستضيف نحو مليون لاجئ سوري يرتبون أعباء اقتصادية واجتماعية على البلد ذي الامكانات الهشة.ويتنافس 917 مرشحاً موزعين على 77 لائحة للفوز بـ128 مقعداً نيابياً. وكثفت الماكينات الانتخابية التابعة للوائح عملها في الأسابيع الأخيرة. 

تضيق الشوارع في المناطق كافة بصور المرشحين ولوحات اعلانية ضخمة وخصصت وسائل الاعلام برمجة خاصة للانتخابات وتتنافس في ما بينها على استضافة المرشحين مقابل مبالغ مالية ضخمة.

وبعدما كان بإمكان الناخبين وفق القانون الأكثري السابق اختيار مرشحين من لوائح عدة أو منفردين، بات الأمر يقتصر اليوم على لوائح مغلقة محددة مسبقاً. ويمنح القانون الجديد الناخبين ما يُعرف بـ"الصوت التفضيلي"، يحددون عبره المرشح الذي يعطونه الأولوية من اللائحة التي اختاروها.

ورغم أن القانون الجديد اعتمد النسبية، إلا أنه لن يغير من شكل الحكم في لبنان القائم على توزيع الحصص السياسية بين الطوائف كونه يحدد عدد مرشحي تلك الطوائف في كل دائرة.

تحالفات "واقعية"
أجبر القانون الجديد الأحزاب التقليدية على التحالف مع قوى أخرى لم تعتد خوض الاستحقاق معها بهدف كسب النسبة الأكبر من الأصوات لضمان فوزها أولاً بالعدد الأكبر من المقاعد ومنع لوائح منافسة من تخطي الحاصل الانتخابي الذي يمكنها الحصول على مقاعد في البرلمان وفقاً لنسبة الأصوات.

وتظهر اللوائح الراهنة زوال التحالفات التقليدية التي طبعت الساحة السياسية منذ العام 2005، لجهة انقسام القوى بين فريقي 8 آذار الذي يعد حزب الله المدعوم من ايران أبرز أركانه، و14 آذار بقيادة رئيس تيار المستقبل، رئيس الحكومة الحالية سعد الحريري القريب من السعودية.

ويبدو حزب الله القوة الوحيدة التي لم تتحالف مع أي من خصومها على امتداد لبنان، فيما تحالفت بقية القوى الرئيسة في ما بينها وفق مصالحها في بعض الدوائر وتخاصمت في أخرى.

يرى سلامة أن الأحزاب أصبحت راهناً "أكثر واقعية" في تحالفاتها اذ باتت "تحتسب عدد الأصوات التي يمكن ان يأتي بها كل مرشح أو مرشحة وبناء عليه تُرسم اللوائح". ويرجح محللون أن يحظى حزب الله مع حلفائه بالعدد الأكبر من المقاعد، ما قد يمكنه من التحكم بصيغة الحكومة المقبلة.

ويقول سلامة "من وجهة نظر غربية، هناك قلق من أن يحصد حزب الله المقاعد الانتخابية ويحول ميزان القوى لمصلحته، ليجعل من الحكومة التي ستشكل بعد الانتخابات +حكومة حزب لله+". وفي خضم تلك التحالفات، يأمل مرشحون مستقلون من المجتمع المدني أن يمكنهم النظام النسبي من الوصول الى البرلمان.

وتقول المرشحة على احدى لوائح المجتمع المدني في بيروت الكاتبة جومانا حداد لفرانس برس "رغم الثغرات في قانون الانتخاب الجديد، إلا أنه يتيح لفئة ضئيلة من المستقلين الوصول الى البرلمان ونحن نعمل على ايصال هذه الفئة".