إبتسام الحلبي: في مقابلة جامعة مع شبيغل الألمانية، قال جيمس كومي، المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالية في الولايات المتحدة، إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب غير لائق أخلاقيًا ليكون رئيسًا لأميركا. والمعروف أن ترمب أقال كومي من منصبه من دون إبلاغه بذلك، ووصفه بـ"الحقير" و"الكاذب" و"مسرّب المعلومات"، واقترح سجنه.

في ما يأتي أهم ما جاء في الحوار الطويل:

دير شبيغل: ألّفت كتابًا عن القيادة، وفي حين لم يكن الرئيس الأميركي دونالد ترمب هو محور الاهتمام الوحيد بالتأكيد، فقد خصّصت وقتًا طويلًا لمناقشته. ثم، في مقابلتك مع ABC، قلت إن ترمب "غير لائق أخلاقيًا" ليكون رئيسًا. لماذا؟

كومي: الطريقة التي أختصر ذلك فيها هي: أي شخص يرى التكافؤ الأخلاقي في شارلوتسفيل، ويتحدث عن النساء ويتعامل معهنّ كما لو كن لحمًا رخيصًا، ويكذب باستمرار حول الأشياء الكبيرة والصغيرة، ثم يصرّ على أن تصدّق أميركا ذلك، برأيي، ليس ملائمًا من الناحية الأخلاقية ليكون رئيسًا. أحد الأسباب الذي يدفعني إلى قولها بهذه الطريقة هو ما سمعناه بعد نشر "النار والغضب" حول ما إذا كان لائقًا طبيًا. لا أصدّق ذلك. لم أر قط مؤشرًا على ذلك.

دير شبيغل: مرّ عام تقريبًا على طرد ترمب لك من منصبك مديرًا لمكتب التحقيقات الفدرالي. كيف حدث ذلك؟

كومي يؤكد أنه لم يفكر في "الانتقام" عندما ألّف كتابه عن ترمب 

كومي: كان الأمر سورياليًا بطريقة ما. كنت أتجول في المكتب الميداني في لوس أنجليس، حيث تجمّع موظفون في غرفة كبيرة تحتوي على ثلاثة أجهزة تلفزيون معلقة على الجدار الخلفي. كنت أخاطبهم وأتحدّث بما يمكن أن أتحدّث به في العادة عن قيم مكتب التحقيقات الفيدرالي ومهمتنا - ثم تشتّت انتباهي لأنني رأيت على أجهزة التلفزيون في الخلف: "استقالة كومي". هناك الكثير من الأشخاص الذين يحبّون المزاح في مكتب التحقيقات الفيدرالي، لذلك اعتقدتها مزحة. التفتّ إلى الموظفين التابعين لي، وقلت: "تطلّب ذلك الكثير من العمل"، وواصلت حديثي. ثم تغيّرت الجملة على أجهزة التلفزيون إلى "طرد كومي". كانت تجربة غريبة.

لا أنتقم

دير شبيغل: هل كتابك وسيلة للانتقام من ترمب؟

كومي: أنا حقًا غير مهتم بالانتقام. في الواقع كنت أفضّل ألا أقوم بذلك، غير أنّني فكّرت في أنّني ربما أكون مفيدًا، خصوصًا الآن. من واجبي أن أفعل ذلك، ولهذا أفعله.

دير شبيغل: نعتك الرئيس بـ"الحقير" و"الكاذب" و "مسرّب المعلومات". اقترح أيضًا أن تُسجن. ما ردة فعلك؟

كومي: أتجاهل الصفة الأولى، لكن لا يمكننا ببساطة تجاهل الثانية. فليس من الطبيعي في هذا البلد أن يقول رئيس الولايات المتحدة إن مواطنًا ما ينبغي أن يُسجن. هذا لا يتماشى مع القيم الأميركية. من المهم حقًا ألا يتغاضى الأميركيون عن الأمر فيقبلوه بصفته سلوكًا عاديًا. علينا أن ندرك أن هذه ليست الطريقة التي يتصرف بها قادتنا. وهي لا تتماشى مع قيمنا.

دير شبيغل: أنت أيضًا تهاجم ترمب شخصيًا في كتابك. تكتب أنه أقصر من الحقيقة، مع وجه "برتقالي قليلًا" و "مع نصف دائرة بيضاء مشرقة تحت كلّ عين، حيث افترضت أنه وضع نظارات صغيرة عندما كان يتشمّس"، حتى أنك تشير إلى أن يديه أصغر من يديك. ألا يقوّض ذلك حججك حول الأخلاق والآداب؟

كومي: لا أعتقد أنها قدح وذم. لم أقصد ذمه، ولا أعتقد حقًا أنه ينبغي فهمها على أنّها قدح وذم. كانت المرّة الأولى لي كمؤلّف، وكان المحرّرون يقولون لي: خذ القارئ معك واسمح له برؤية ما في رأسك. دعه يكون في الغرفة معك. وفي الغرفة، هذا ما صعقت به: بدا وجهه برتقاليًا، وكانت لديه دوائر بيضاء تحت عينيه، وكان شعره مثيرًا للإعجاب. لا أتطلع إلى السخرية من حجم يده، لكنّني تذكرت أنّني كنت أركّز على حجم اليد... كنت أفكّر في حجم يده بينما اتّجهت نحوه لأصافحه.

دير شبيغل: هل اعتقدت حقًا أنّه لن يردّ عليك إن كتبت عن حجم يده؟

كومي: (ابتسامة) لم تخطر هذه الفكرة ببالي.

زعيم مافيا

دير شبيغل: كان أول اجتماع لك مع ترمب في أوائل يناير 2017، عندما أبلغته ورؤساء وكالة الأمن القومي ووكالة المخابرات المركزية الأميركية بتدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية. كتبت أن الاجتماع في برج ترمب في نيويورك ذكرك بالاجتماع مع زعيم عصابة. من أين جاءت تلك المقارنة؟

كومي: أعرف العصابات جيدًا من عملي هنا في نيويورك (ملاحظة: كان كومي مساعد المدّعي العام الأميركي في نيويورك في أوائل التسعينيات). عندما انتقل الرئيس المنتخب وفريقه على الفور إلى المراوغة السياسية، بينما كنّا لا نزال جالسين معهم على الطاولة، مرّت هذه الصورة ببالي. شعرت كأنه جهد زعيم لضمّ الكلّ إلى جماعته. دفعت الفكرة بعيدًا لأنني اعتقدت أنها دراماتيكية للغاية، لكن في لقاءاتي بعد ذلك، عاودتني باستمرار.

دير شبيغل: أليست مقارنة ترمب بزعيم مافيا مبالغ بها قليلًا؟

كتاب كومي أغضب ترمب بشدة وحظي باهتمام كبير من طرف وسائل الإعلام

كومي: لا أحاول أن ألمّح إلى أن ترمب يضرب الناس أو يلقي قنابل حارقة على المتاجر أو يسرق الشاحنات. بل أحاول مقارنة حكمه بأسلوب القيادة حين يكون الولاء للزعيم هو كل شيء، حيث لا نقاط مرجعية خارجية. عند معظم القادة - جميع القادة الأخلاقيين - بعض النقاط المرجعية الخارجية التي يتطلعون إليها عند اتخاذ القرارات، سواءً أكانت في الفلسفة أو الدين أو المنطق أو التقاليد أو التاريخ. لكن، في حالة زعماء مثل أولئك الذين تعاملت معهم على مر السنين، الأمر كلّه يتمحور حول الزعيم بحدّ ذاته. ماذا يمكنكم أن تفعلوا من أجلي؟ كيف تخدمونني؟ أدهشتني المقارنة بين ثقافة القيادة تلك وثقافته القيادية. هذا ما قصدته بالمقارنة.

دير شبيغل: إذًا، بالنسبة إلى ترمب، كل شيء يتمحور حول ترمب نفسه؟

كومي: أذهلتني فكرة أن النقطة المرجعية الوحيدة "داخلية". ما الذي يلائمني؟ ما الذي سيجلب لي الدعم الذي أحتاج إليه؟

قبلة لا تحتمل

دير شبيغل: كتبتَ أن ترمب حاول أن يجعلك من المتواطئين نوعًا ما منذ البداية. في اجتماع في البيت الأبيض، بدا كأنه يحاول تقبيلك على خدك.

كومي: القبلة المزعومة - لم يكن هناك قبلة، بالمناسبة - كانت لا تحتمل. في رأسي، هي مشهد يحصل في حركة بطيئة لأنني كنت أحاول كثيرًا أن أتجنب الظهور على مقربة من رئيس الولايات المتحدة. منذ ووترغيت، طورت الولايات المتحدة تقليدًا يقضي بأن يبقى مكتب التحقيقات الفيدرالي على مسافة من الرئيس. من الأمور التي تمّ استغلالها في ووترغيت أن إدغار هوفر (مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية في ذلك الوقت) كان قريبًا جدًا من الرؤساء.

دير شبيغل: في ذاك اليوم، كان ترمب يستقبل مسؤولي الأمن الأميركيين ليشكرهم على عملهم في أثناء تنصيبه. في البداية، لم ترغب في الحضور.

كومي: كنت شديد الحرص على الحفاظ على تلك المسافة. كنت أحاول أن أختبئ، كما تعرف على الأرجح، حرفيًا وراء ستارة زرقاء. بعد حملة ترمب-كلينتون (ملاحظة: الإشارة هنا إلى الفضيحة التي أحاطت بدور مكتب التحقيقات الفيدرالي في قضية هيلاري كلينتون في ما يتعلّق بالبريد الإلكتروني)، كنت قلقًا جدًا حول فكرة أن أبدو كأنني من رجاله. عندما استدعاني الرئيس إلى الأمام، كنت أمشي عبر تلك الغرفة مصممًا على عدم السماح له بمعناقتي. قاومت العناق، لكنه حاول أن يسحبني إلى الأسفل ثم همس في أذني: "أتطلع حقًا للعمل معكم". كانت المشكلة أن الكاميرات كانت على الجانب الآخر، وهكذا رأى العالم كله قبلة، حتى أولادي. كانت نظرة الشعب لذلك هي ما يقلقني.

دير شبيغل: ثم جاء حفل العشاء الشهير الخاص بك مع ترمب، وطلب منك خلاله التعهد بالولاء له. لماذا لم تخبره ببساطة أن السؤال غير ملائم؟

كومي: هذا سؤال جيد حقًا. ربما لأنني لست قويًا بالقدر الذي يجب أن أكون عليه. ربما لأنني فوجئت، فقد فاجأني الطلب، ومن الصعب وصف أن أكون بمفردي على العشاء مع رئيس الولايات المتحدة. لا أعرف كم من الناس سيقولون: "سيدي الرئيس، ما كان يجب أن تقول ذلك". بطريقة ما، فعلت ذلك لأنني قابلت طلبه الأول بالصمت. ثم، على الرغم من أنه كان من الصعب النطق بكلمة، تحدثت عن أهمية المسافة بين الرئيس ووزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي. على الرغم من ذلك، عاود السؤال مرة أخرى.

الولاء الصادق

دير شبيغل: في نهاية المطاف، قبلت بـ "الولاء الصادق".

كومي: صحيح. قال مرة أخرى إنّه يحتاج إلى الولاء، فأجبت: "سأكون دائما صادقًا معك. ستحظى دائما بالصدق". فردّ: "هذا ما أريده. ولاء صادق". قبلتُ ذلك وسيلة للخروج من محادثة غريبة للغاية، لكن أيضا لأنني أعتقد أنني أوضحت كيف يجب أن يفهم "الولاء الصادق".

دير شبيغل: بالعودة إلى زيارتك الأولى لترمب في 6 يناير 2017. كان عليك أن تخبره عن الملف الذي جمعه الجاسوس البريطاني السابق كريستوفر ستيل، وقد احتوى على الادعاء أن ترمب كان في غرفة فندق موسكو مع البغايا. ماذا قلت له بالضبط؟

كومي: هدفي كان تنبيهه، لتحذيره أن هذه المادة كانت موجودة. لم أكن أقول إنني صدقت ذلك، لكننا اعتقدنا أن من واجبنا كمجتمع الاستخبارات أن نعلمه. لم أخض في التفاصيل كلها. تحدثت عن المومسات في روسيا، لكنني لم أكن أعتقد أنه كان من الضروري الدخول في الأجزاء الأخرى منه - التي يطلق عليها الناس إسم "الاستحمام الذهبي". لم أشعر بالارتياح مطلقًا حيال الأمر برمّته. كنت في الواقع مخضوضًا وضائعًا، أفكّر: "ما الذي أفعله؟ كيف انتهى بي المطاف هنا؟"

دير شبيغل: أنت لم تخبره أن الملف ادّعى أن المومسات تبوّلن على بعضهنّ البعض؟

كومي: لا، لم أخبره.

دير شبيغل: كيف كانت ردّة فعله؟

كومي: كان دفاعيًا. قاطعني بسرعة، وبعدها بدأ الحديث عن اتهامات وجهتها نساء إليه. ثم سألني، ليؤثّر بي على ما أعتقد، إن كان يبدو رجلًا يحتاج إلى خدمة المومسات. المحادثة، في رأيي، بدأت تخرج عن نطاق السيطرة. في تلك اللحظة، أخبرته للمرة الأولى بأننا لا نحقّق معه شخصيًا. أنا فقط أردت أن يعرف هذا لأنّ الصحافة كانت على الأرجح ستقدم تقريرًا عن ذلك قريبًا. إحدى وظائفنا في مكتب التحقيقات الفيدرالي هي حماية الرئاسة، وإذا حاول أحدهم ابتزازه، فإن إحدى الطرائق التي نستخدمها هي التأكد من أن الشخص يعلم أن مكتب التحقيقات الفيدرالي على علم بذلك.

دير شبيغل: هل فهم ترمب خطورة الوضع؟

كومي: أعتقد ذلك، لأنه اتصل بي لاحقًا للحديث عنه مرة أخرى. أظنّ أنه فهم الوضع.

التواطؤ مع روسيا

دير شبيغل: من المفترض أن تحمي الرئيس، لكن كان لديك تحقيق مستمر في التدخل الروسي في الانتخابات التي تورّط فيها مقربون من ترمب. أليس هذا صراعًا جوهريًا؟

كومي: يمكن أن يكون كذلك. هناك توتر طبيعي بين التزام مكتب التحقيقات الفيدرالي بحماية الحكومة والتزامه بالتحقيق في أجزاء من الحكومة. لكنني أعتقد أنه صراع يمكن التعامل معه.

دير شبيغل: ما رأيكم في صحة ملف ستيل؟

كومي: لم أكن أعرف في ذلك الوقت. جاءت المعلومات من مصدر موثوق يملك شبكة مصدر قائمة في روسيا. عرفت أن أحد التصريحات المركزية لهذه المجموعة من المواد كان صحيحًا، أي أن الروس كانوا منخرطين في جهد هائل للتأثير في الانتخابات الأميركية. يتحدث الناس طوال الوقت عن كيفية عدم التأكيد على ملف ستيل. هذا الجزء، في تجربتنا، تم تأكيده. أما الجزء الباقي، التفاصيل والأشياء البشعة، فلا أدري. عندما طُردتُ، كان هناك محاولة جارية لتقويمها بطريقة أعمق، لكنني لا أعرف كيف انتهى ذلك.

دير شبيغل: في وسط هذا الأمر برمته، هناك سؤال يحقق فيه حاليًا المستشار الخاص روبرت مولر، حول ما إذا كان جزء من حملة ترمب متواطئًا فعليًا مع روسيا. هل حصل هذا؟

كومي: من واجبات المستشار الخاص أن يجري تحقيقًا دقيقًا في ذلك. كان هناك بالتأكيد أساس للتحقيق. كما تعلمون الآن، لأنّه موضوع عام، كان مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) يملك معلومات بأنّ أحد مستشاري السياسة الخارجية لحملة ترمب كان على اتصال مع ممثل روسي حول الحصول على رسائل إلكترونية تلحق الضرر بهيلاري كلينتون. لا أعرف ما هي النتيجة النهائية، لكنني أعرف أنه إذا سمح لمولر القيام بعمله، فسيجد الحقيقة.