واشنطن: بدأ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الإثنين زيارة الدولة التي يقوم بها الى الولايات المتحدة وتستغرق ثلاثة ايام من البيت الابيض، حيث يختبر ما اذا كانت علاقة الصداقة والود التي تجمعه بنظيره الأميركي دونالد ترمب قادرة على انقاذ الاتفاق النووي مع ايران وتجنب حرب تجارية عبر الأطلسي.

وقبل توجهه الى البيت الابيض زار ماكرون مع زوجته بريجيت نصب لينكولن الشهير المقام تكريما للرئيس الاميركي السادس عشر. ولوح الرئيس الفرنسي خلال هذه الزيارة بيده لعدد من الاشخاص الذين قدموا لتحيته، كما تمكن من مصافحة بعضهم واخذ صور سلفي معهم.

وبعد وصفه في تصريح مقتضب بالانكليزية عند نزوله من الطائرة زيارته للولايات المتحدة بأنها "مهمة جدا"، وصل ماكرون الى الجناح الغربي في البيت الابيض قادما من ساحة لافايات المزينة بالأعلام الفرنسية والتي تحمل اسم جنرال فرنسي شارك في حرب الولايات المتحدة لنيل استقلالها.

واستقبل ترمب وزوجته ميلانيا ماكرون وزوجته بحفاوة عند مدخل البيت الأبيض، وتبادل الرئيسان القبل بعد المصافحة.

وهذه الحفاوة التي تهدف الى تأكيد "صداقة" ترمب وماكرون تتباين بشكل صارخ مع زيارة العمل التي قامت بها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الى واشنطن قبل اسبوع ودامت يوما واحدا فقط.

لكن بعيدا عن التحية ب21 طلقة والمأدبة التي سيقيمها ترمب لضيفه، ستكون هذه الصداقة بين الرجلين على المحك عند الدخول في صلب المحادثات خلال اليومين المقبلين بسبب الخلافات المعلنة بينهما بشأن ملفات عدة.

فالرئيس ترمب لا يملك شعبية في فرنسا، وماكرون كغيره من زعماء العالم مثل شينزو ابي وتيريزا ماي يرزحون تحت ضغط شديد من قبل ناخبيهم لاظهار الفائدة التي يمكن ان تعود من التودد الى الرئيس الجمهوري البالغ 71 عاما. 

وبين أمسية الإثنين التي قضاها ترمب مع ضيفه ماكرون في ماونت فيرنون مقر اقامة جورج واشنطن اول رئيس اميركي، واجتماعات العمل المقررة الثلاثاء، هناك مهلتان نهائيتان تستحقان في شهر أيار/مايو وتملكان امكانية الاضرار بالعلاقة الحالية الهشة عبر الأطلسي.

الحرب "ضد الجميع...لن تعطي نتيجة"

فالرسوم التي فرضها ترمب على صناعة الصلب الأوروبية سوف يدخل تطبيقها حيز التنفيذ في الأول من أيار/مايو، وفي حال رفض الرئيس الأميركي التوقيع على تنازل ما هناك مخاوف حقيقية من حصول حرب تجارية شاملة.

وفي هذه الاثناء تعمل فرنسا ودول أوروبية أخرى ايضا على انقاذ اتفاق نووي معقّد مع ايران يهدد ترمب بتقويضه في حال رفض اسقاط عقوبات ضد طهران بحلول 12 أيار/مايو كمهلة قصوى.

وفي حال انسحاب ترمب من الاتفاق وانهائه فان ايران تقول انها جاهزة لاعادة اطلاق برنامجها النووي الذي يعتقد الغرب انه مصمم لانتاج قنبلة نووية.

ويعتبر المسؤولون الأوروبيون ان مطلب ترمب اعادة دراسة الاتفاق امر مستحيل، وهم يحاولون ازالة مخاوفه حول تجارب ايران الصاروخية وعمليات تفتيش منشآتها النووية وسلوك النظام الايراني في المنطقة.

وهناك احباط آخذ بالتنامي في عواصم أوروبية تعتقد بأن عناد ترمب حول الاتفاق الذي أبرم في عهد الرئيس السابق باراك أوباما يحوّل الانتباه بعيدا عن قضايا ضاغطة أخرى في المنطقة.

وفي مقابلة أذيعت عشية وصوله الى واشنطن، استخدم ماكرون قناة "فوكس" المفضلة لدى ترمب لعرض وجهة نظره.

وقال ماكرون "اذا قمت بشن حرب ضد الجميع (...) حرب تجارية ضد أوروبا وحرب في سوريا وحرب ضد ايران، فان هذا لن يعطي نتيجة. انت تحتاج الى حلفاء. ونحن هم هؤلاء الحلفاء."

وسيكون ماكرون حريصا على تهدئة رغبة ترمب بانسحاب سريع للقوات الأميركية من سوريا، وسط تعاون بين الجانبين في الحرب ضد تنظيم الدولة الاسلامية وهجمات منسقة ضد منشآت الأسلحة الكيميائية التي تتهم دمشق باستخدامها. 

وقال ماكرون "أعتقد ان الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة مهم جدا". 

وأضاف "لماذا؟ سأكون صريحا جدا. ففي اليوم الذي ننتهي فيه من هذه الحرب ضد تنظيم الدولة الاسلامية، واذا ما غادرنا بشكل كامل وأكيد، حتى من وجهة نظر سياسية، فسوف نترك الأرض للنظام الايراني ولبشار الأسد". 

"الآن سنعمل معا"

يحرص البلدان في العلن على تأكيد علاقتهما التاريخية، ويستذكران ان فرنسا كانت الحليف الأول للثوريين الأميركيين الذين حاربوا من أجل الاستقلال.

وقد أحضر ماكرون معه غرسة سنديان زرعها مع ترمب في حديقة البيت الابيض كرمز للصداقة.

 وقد أحضرت الغرسة الصغيرة من غابة في شمال فرنسا قتل فيها اكثر من الفي جندي اميركي من المارينز خلال الحرب العالمية الثانية في معارك ضد الجيش الالماني النازي.

وزار الرئيسان المكتب البيضاوي وقد بدا عليهما الارتياح قبل التوجه الى ماونت فيرنون. 

وعلى الصعيد الشخصي وبالرغم من الاختلافات الحادة في الخلفية السياسية والسن واسلوب الحياة، يبدو ان ترمب وماكرون قد تمكنا من اقامة رابط قوي كزعيمين وصلا الى السلطة من خارج المؤسسات التقليدية. 

وقال ماكرون لفوكس نيوز "لدينا علاقة خاصة جدا، ربما لأننا من خارج النظام" التقليدي. 

وعندما سئل عن لقائهما الأول والمصافحة الشهيرة بينهما التي دامت لست ثواني خلال قمة لحلف شمال الأطلسي في ايار/مايو الماضي، اعترف ماكرون انها كانت "لحظة مباشرة جدا وواضحة".

وقال "وايضا لحظة ودودة جدا"، مضيفا "كانت تعني الآن سوف نبدأ بالعمل معا". 

والأربعاء سيستعرض الرئيس الفرنسي مهارته في اللغة الانكليزية وهو امر نادر بالنسبة الى الرؤساء الفرنسيين في خطاب يلقيه امام الكونغرس.