علقت صحف عربية على نتائج الانتخابات البلدية في تونس وانخفاض نسبة التصويت التي بلغت حوالي 34 في المئة.

وقد أعلنت حركة النهضة الإسلامية "فوزها" في أول انتخابات بلدية تجرى في تونس منذ انتفاضة عام 2011، التي أشعلت ما يُعرف بـ"الربيع العربي".

ورأى معلقون أن نتيجة الانتخابات حملت رسائل للسياسيين التونسيين، خصوصاً حركة النهضة ذات التوجه الإسلامي.

"عزوف الناخبين" وصعود المستقلين

ويكتب أمين بن مسعود في صحيفة العرب اللندنية مؤكدا أن "هذه الانتخابات اشهدت صعود لافت للقائمات المستقلة والتي حازت على نسبة جد معتبرة تقارب الثلاثين بالمئة من جملة الخزان".

ويعلق الكاتب أيضا علي انخفاض نسبة المقترعين مقارنة بانتخابات سابقة، إذ يقول: "انحسار الخزان الانتخابي في تونس، إلى مليون ونصف المليون مقترع في الاستحقاق البلدي، بعد أن كان تقريبا الضعف في كافة الاستحقاقات السابقة، يدل على أنّ ماكينة التصويت الأيديولوجي والديماغوجي أدت وظيفتها، وأنّ التصويت على المشروع بدأ ينسحب تدريجيا من المشهد السياسي، إلا إذا استثنينا التصويت للقائمات المستقلة".

التونسيون يدلون بأصواتهم في انتخابات "الفرصة المهمة"

أزياء لا كالأزياء .. في انتخابات تونس

وتشير صحيفة الصباح التونسية إلى أن "عزوف الناخبين وصعود المستقلين يصنعان الحدث" الانتخابي.

وتقول الصحيفة إن نتائج الانتخابات البلدية تمثل "بداية تشكل خارطة سياسية جديدة"، كما تشير إلى أن "التوافق شر لا بد منه" خلال المرحلة المقبلة.

وتلخص صحيفة الشروق التونسية المشهد الانتخابي تحت عنوان: "فازت الديمقراطية... فشلت الأحزاب".

ويقول عبدالحميد الرياحي في الشروق إن "عزوف المواطن" عن الانتخابات البلدية كان بمثابة "رسالة تقول إن المواطن في واد والسياسيين في واد آخر وهي رسالة لا بد من التوقف عندها ومحاولة فك شفرتها".

ويضيف: "لقد أمعن السياسيون في تهميش دور المواطن وفي تجاهله وتجاهل أحلامه الصغيرة وهم اليوم يتلقون صفعة مدوية ورسالة من خلال احجام المواطن عن التصويت.. وهي رسالة مفتوحة على سيناريوهات ومعطيات خطيرة ما لم ينزل الجميع من عليائهم ويلامسوا بحق نبض المواطن ويتعرفوا على حقيقة آلامه وأوجاعه".

دروس بعد "فوز النهضة"

يرى جمال سلطان في المصريون أن "نجاح حزب النهضة يأتي تتويجا لجهوده الشعبية الصبورة طوال السنوات الماضية ، وخطته للانفتاح على التيارات المختلفة بما يجعله يخرج من عباءة "الجماعات" الدينية، وعباءة الإخوان تحديدا، ليكون أشبه بجبهة سياسية وطنية واسعة تحوي في طياتها تنوعا فكريا وايديولوجيا".

ويؤكد سلطان على أن "الدرس الأهم في انتخابات تونس هو للإسلاميين في كل مكان ، فكلما كان التيار الإسلامي أو المحافظ أكثر انفتاحا على المجتمع والحياة السياسية، وأكثر إخلاصا في التعاون والعمل الجبهوي ، كلما نجح وتفوق وحافظ على حظوظه المتقدمة في أي سباق ديمقراطي ، وكلما كان ذلك التيار منغلقا على نفسه وعلى أتباعه وعلى أفكاره وعلى مصالحه وربما أطماعه ، كلما خسر وانحسر نفوذه وتراجعت حظوظه السياسية وربما دخل في صدامات مروعة ".

كذلك يقول يوسف الدويني في الشرق الأوسط اللندنية: "فوز النهضة حق مكتسب للحركة عبر الأدوات الديمقراطية، لكن من المهم أيضاً أن تستمع لنقد وتحفظات المخالفين لها في سلوكها مع نزعات التشدد والتطرف في المجتمع، لا سيما مع التنظيمات الإرهابية التي دعا الحزب إبان فوزه السابق إلى الحوار معها، ليس على سبيل محاولة المراجعات، بل باعتبارها جزءاً من النسيج الوطني وإحدى أدوات اللعبة السياسية. وهي رؤية خطرة للغاية لأن الاعتراف بتلك الجماعات منحها شرعية مجانية مع بقاء آيديولوجيتها المتطرفة وعلى رأسها إقامة دولة الخلافة".

ويرى الكاتب السعودي أن "تحدي حركة النهضة ليس الاستثمار في كوادر جديدة تنضم لها بقدر أنها مطالبة بالحيلولة دون ارتفاع منسوب التطرف والإرهاب، وتصادم المجتمع التونسي المدني بالتنظيمات المقاتلة والتيارات التكفيرية التي تمارس تكتيك الحشد وإعادة التعبئة في أزمنة الفوضى وحالة اللااستقرار، وضعف اليد الأمنية الذي تبدى في مجموعة من الحوادث الإرهابية الدامية التي شهدتها البلاد من قبل".

أسباب "تراجع" نداء تونس

يتناول خليل الرقيق في الصحافة اليوم التونسية بالتحليل أسباب تراجع "نداء تونس" حيث يقول: "كان يمكن لحزب نداء تونس أن يحصل أصلا على ضِعفِ ما حصلت عليه حركة النهضة، لو باشر منذ مدة مسار مصالحة حقيقية مع ناخبيه وأنصاره، عبر مواقف سياسية واضحة، وتصحيحات جوهرية تعيد إليه شخصيته السيادية وتبعده عن بوتقة الضغط النهضاوي، ويبدو أن العكس هو الذي حصل، حيث كانت الحملة الانتخابية فورية ومرتجلة تلاحق الأحداث ولا تصنعها، وتعوم في الشكليات دون أن تتوغل في عمق النطاقات الشعبية وتتحاور معها مباشرة".

يضيف الكاتب: "لابد أن تكون في ذلك موعظة وعبرة، أقلها أن يتساءل حزب النداء وباقي الأحزاب التقدمية: كيف نجعل ما يناهز ٪70 من الرافضين للتصويت (والذين لا تربطهم صلة بحركة النهضة) مصوّتين إيجابيين في انتخابات 2019؟ وهذا أفضل من التساؤل عن الراهن الذي صار أمرا واقعا... لقد تبين فعلا أن حركة النهضة ليست قوية إلا بضعف الآخرين... والعلاج يبدأ في تقديرنا من الاستعادة الفورية للشخصية السيادية للأحزاب المدنية، واستعدادها لعقد مصالحات بينية تمهيدا لتحالفات قوية تعيد التوازن الى ساحتنا الديمقراطية المنكوبة".

ويقول لطفي السنوسي في الصحافة اليوم أيضاً إن "تأخر النداء في المرتبة كان متوقعا بالنظر الى السياسات التي انتهجها حافظ قائد السبسي الذي أفرغ الحزب من مضمونه وحوّله الى ناد خاص وأحاط نفسه بعدد من الانتهازيين القدامى بعدما تمكن من ازاحة قيادات مؤسسة كانت تمثل المعنى الحقيقي لنداء تونس والذي كاد ان تكون سقطته مدوية في الانتخابات البلدية".