لندن: وصلت أسعار النفط الخام لمزيج برنت القياسي 80 دولارا تقريبا في تعلاملات الثلاثاء وهذا أعلى مستوى منذ آواسط 2014 ويعكس القلق المتصاعد بشأن الامدادات المقيدة بعوامل جيوسياسية واستمرار فعالية اتفاق خفض الانتاج بين "أوبك" وروسيا ودول نفطية اخرى. 

وفي تعاملات الصباح وصلت الأسعار الى 79.84 دولارا للبرميل وكانت قد وصلت الى 80 دولار الاسبوع الماضي للمرة الأولى منذ نوفمبر 2014. أما خام غرب تكساس الوسيط ارتفع الى 72.60 دولارا للبرميل.

وعودة للوراء كانت أسعار النفط حوالي 40 دولارا للبرميل قبل عامين. وفي عام 1998 كانت أسعار النفط الخام حوالي 14 دولارا للبرميل وفي عام 2008 وصلت 100 دولار للبرميل وفي عام 2014 لامست الأسعار 115 دولار للبرميل ثم تراجعت اواخر 2015 واوائل 2016 إلى أقل من 30 دولارا للبرميل.

الزيت الصخري في عنق الزجاجة

الآن تعافت الأسعار الى 80 دولارا وفي هذه اللحظة وصلت أسعار برنت الى 79.84 دولارا للبرميل. ولكن التوجه العام حسب المراقبين سيبقى للأعلى. وحتى مؤخرا كان الاعتقاد السائد في صفوف الخبراء ان أسعار فوق 50 دولارا سوف تدفع منتجي الزيت الصخري برفع وتيرة الانتاج مستفيدين من الاحتياطات الهائلة في الصخور تحت ولاية داكوتا الشمالية وحوض بيرميان في تكساس. ورغم وصول الأسعار الى فوق 70 دولارا في بداية الشهر إلا أن انتاج الزيت الصخري لم يرتفع بشكل ملحوظ رغم ارتفاع منصات التنقيب التي وصلت الى 844 منصة في نهاية الاسبوع المنصرم.

هناك من يعتقد أن مع كل ارتفاع للأسعار يزداد نشاط الشركات العاملة في انتاج الزيت الصخري ويبقى الانتاج الأميركي المتزايد هو عنصر خطورة خاصة بعد ان تخطت الأسعار 80 دولارا للبرميل لأول مرة منذ 2014. وتتوقع دائرة معلومات الطاقة الأميركية ان الانتاج الأميركي سيرتفع بنسبة 14.6%. وهناك شكوك ان تتحقق هذه التوقعات نظرا لعدم توافر البنية التحتية الكافية في حوض بيرميان غرب تكساس وهي اغنى مناطق انتاج الزيت الصخري.

ويتساءل اقتصاديون مثل ايروين ستيلزر خبير الاقتصاد الأميركي في مقال له في صحيفة الصندي تايمز في 20 مايو الحالي لماذا لا تقوم شركات انتاج الزيت الصخري برفع الانتاج في ظل أسعار عالية ومغرية؟ 

وسبب عدم مقدرتها على ذلك هو البنية التحتية النفطية الغير كافية في غرب تكساس وبالتحديد محدودية مقدرة خطوط الأنابيب على نقل النفط الخام الى الموانيء والمخازن والمصافي. بعبارة اخرى عنق الزجاجة ضيق جدا لاستيعاب المزيد من الانتاج.

أهم المحركات لارتفاع الأسعار؟

ويبدو أن معادلة العرض والطلب الكلاسيكية لا تزال تعمل كالعادة ويمكن تفسير ارتفاع الطلب على النفط الى ارتفاع وتيرة النمو الاقتصادي العالمي لا سيما في الولايات المتحدة وآسيا. وفي الوقت ذاته مشاكل في الامدادات من فنزويلا بسبب الاضطرابات وهروب المستثمرين وعدم دفع رواتب العاملين في قطاع النفط مما ادى الى فقدان أكثر من مليون برميل يوميا حيث انخفض الانتاج من 2.3 مليون برميل الى اقل من مليون برميل يوميا. 

وسيقلل إلغاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب للاتفاق النووي مع إيران واعادة فرض العقوبات الاقتصادية على طهران التصدير الإيراني بواقع 700 الف برميل يوميا. ومشاكل الانتاج في نيجيريا وليبيا لا تزال قائمة. 

واذا أضفنا خفض الانتاج النفطي بواقع 1.8 مليون برميل يوميا حسب اتفاق منظمة "اوبك" وروسيا نرى ان حجم الامدادات يعاني من معوقات كثيرة وهذا بدوره يدفع الأسعار للأعلى. وثمة عنصر آخر عزز تعافي الأسعار هو تراجع المخزونات النفطية وفي هذا السياق تقول وكالة الطاقة الدولية ان المخزونات الاحتياطية في الدول الصناعية وصلت أدنى مستوياتها منذ 2015. ومن المحفزات لارتفاع الأسعار هو المضاربات واسواق التحوط التي تراهن على استمرار الأسعار في الارتفاع.

مخاوف ترمب 

وعبر ترمب عن غضبه اواخر الشهر الماضي بتغريدة ووضع اللوم على "أوبك" عندما ارتفعت الأسعار الى 75 دولار للبرميل. ترمب يدرك تماما ان الأسعار المرتفعة تؤذي جيوب الناخبين ولكنها ايضا تفيد الشركات والمنتجين النفطيين الذين يساهموا في حملاته الانتخابية. ويدرك انه لا يستطيع الضغط على "اوبك" وعلى الأخص على المملكة العربية السعودية برفع الانتاج واغراق السوق بالنفط الخام. 

السعودية لديها مشاريع اصلاحية وخطط طموحة كبيرة تتطلب استثمارات مالية ضخمة وتسعى المملكة لتضييق العجز في الميزانية وكذلك السعر المرتفع يرفع من قيمة آرامكو السوقية قبيل طرح اسهمها للاكتتاب العام في طرح اولي العام المقبل. فامكانية ترمب التأثير على السوق محدودة جدا. واذا كان ترمب قلقا على جيوب الناخبين لماذا لا يغرق السوق بالنفط بالاطلاق عدة ملايين برميل من المخزون الأميركي الاستراتيجي البالغ 727 مليون برميل كما يتساءل بعض المراقبين. ومن العواقب الغير مقصودة ان أسعار النفط المرتفعة ستلغي الفائدة النقدية التي حصل عليها المواطن الأميركي من تخفيضات الضرائب التي أعلنها ترامب قبل شهور.

احتمال تراجع الأسعار عام 2019

لذا ليس مستبعدا أن تواصل الأسعار الارتفاع وتصل الى 100 دولار للبرميل خلال الشهور المقبلة ولكن عام 2019 قد يشهد تراجعا دراماتيكيا للأسعار. النمو الاقتصادي العالمي يلعب دورا كبيرا في ذلك ولكن مقابل هذه المعادلة تبقى الامدادات مقيدة بسبب تخفيضات "اوبك" وشركاؤها وتهديد ترمب باعادة فرض عقوبات على إيران ولهذا سوف تتلاشى التخمة من السوق التي تراكمت في السنوات الأخيرة ومن المحتمل ان تحاول دول منتجة للنفط داخل "اوبك" وخارجها أن ترفع من انتاجها لتعويض تقلص النفط الإيراني.

ولكن التوقعات من قبل بعض الاقتصاديين ومؤسسات رصد الاقتصاد بانكماش اقتصاد أوروبا وتراجع النمو الاقتصادي في الصين قد يبطيء ارتفاع الطلب على النفط خلال 2019. 

خلاصة الحديث أن هناك أسباب لارتفاع الأسعار الى 100 دولار للبرميل ومع تواجد ترمب في البيت الأبيض كل احتمال وارد. وقد تندلع حرب بين إيران واسرائيل. العلاقة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة قد تتأزم مجددا. ولكن في غياب اي صدمات جيو سياسية ستعود الأسعار للانخفاض وهذا سيرفع فاتورة الاستيراد في الدول الصناعية التي تستورد النفط.