صبري عبد الحفيظ ـ أحمد حسن من القاهرة: استكمالا لمساعي الأزهر لتطوير الخطاب الديني في مصر، شهدت لجنة الفتوى التابعة له تغيرًا شاملًا في منظومة عملها، لناحية الفتاوى التي تصدر عنها، والتي تتغير للتماشى مع الزمان والمكان والأعراف. 

داخل قاعة الإمام محمد عبده التاريخية بالأزهر، توجد أقدم لجنة فقهية في العالم الإسلامي على مر التاريخ ،حيث يقوم كبار مشايخ وعلماء الأزهر بالرد على أسئلة المواطنين الدينية والاجتماعية.

تغيير شامل

ومؤخرًا شهدت اللجنة تغيرًا شاملًا في منظومة العمل بداخلها في إطار سعي الأزهر لتطوير ملف الخطاب الديني في مصر؛ ولذلك حرصت "إيلاف" على لقاء الدكتور عبد الهادي زارع، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر، للكشف عن طبيعة عملها.

أكد الدكتور عبد الهادي زارع، أستاذ الفقه ورئيس لجنة الفتوى بالأزهر، أن الطلاق يمثل أزمة حقيقية في الأسرة المصرية، وخاصة بين الشباب حديثي العهد بالزواج، مشيرًا إلى أن اللجنة وضعت حلولًا ميسرة للحد من ظاهرة الطلاق.

 وقال الدكتور زارع، في حواره مع "إيلاف"، إن الإلحاد منتشر بشكل كبير بين الفتيات داخل الجامعات، بسبب "فيسبوك" وصفحات الإلحاد المنتشرة فيه" ، وأضاف أن التيار السلفي أصبح غير مؤثر دينيًا بدرجة كبيرة على المواطن المصري، بسبب وعي الناس لخطورة هذه التيارات في نشر الفتاوى الشاذة داخل المجتمع المصري.

ما طبيعة العمل داخل لجنة الفتوى بالأزهر؟

تشكلت اللجنة منذ ثلاثة أعوام، وشهدت تطورًا كبيرًا، حيث تم الاستعانة في تشكيلها بأساتذة من أقسام (الفقه، والفقه المقارن، وأصول الفقه) بكليات الشريعة والقانون، وشعبة الشريعة الإسلامية في كليات الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر، ثم ألحقنا بها خبراءً من مجمع البحوث الإسلامية.

ويعمل في اللجنة حاليًا 20 من كبار أساتذة وعلماء الأزهر، ودور اللجنة الأساسي يبدأ بالمقابلات الشفهية، حيث يتم استقبال مشكلات الناس شفهيًا فيما يتعلق بالمشاكل الاجتماعية وغيرها.

كما تتعامل اللجنة مع المحاكم بالرد على القضايا المنظورة أمام القضاء فيما يخص أمور الطلاق والزواج والخلع والميراث، وتقوم اللجنة بالرد المكتوب على الفتاوى التي تكون محل نزاع مثل : الدية والميراث، وكل ذلك بدون مقابل إطلاقًا.

موسوعة لأبرز الفتاوى

وقامت لجنة الفتوى بتوسيع دورها عبر تشكيل لجنة البحوث الفقهية التي تضم نفس أعضاء لجنة الفتوى، وتقوم بإعداد البحوث الشرعية من القضايا التي يطلبها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب أو هيئة كبار العلماء بالأزهر، ومؤخرًا أعددنا موسوعة كاملة عن أبرز الفتاوى والمستجدات التي تتعلق بفريضة الحج.

مفتيات الأزهر

وماذا عن تجربة الاستعانة بالمرأة، ولأول مرة، لتكون مفتية داخل الأزهر؟

هي تجربة ناجحة تميز بها الأزهر عن غيره، ويوجد داخل لجنة الفتوى مجموعة من "المفتيات" خريجي جامعة الأزهر، نجحن في مسابقة قام بها الأزهر، لديهم العلم والفقه للعمل في الفتوى، حصل بعضهن على دراسات عليا في الشريعة، وقد تم تدريبهن للإفتاء في المركز العالمي للإفتاء، وكان لازمًا الاستعانة بهن لاستقبال أسئلة بعض السيدات.

قضايا اجتماعية

وما أكثر من يشغل بال المصريين ويطالبون بتوضيحه من لجنة الفتوى؟

 أكثر أسئلة المصريين، تتمحور في قضايا الطلاق والزواج والميراث على الترتيب، تليها قضايا الأحوال الشخصية مثل الرؤية والشبكة والمهر والخطبة، بجانب بعض الأسئلة التي تتعلق بالصلاة والزكاة والصيام وغيرها من أمور الدين، ولكن الأزمة الحقيقية التي تشغل ذهن المجتمع هو الطلاق، والملاحظ أن الزوجات هن الأكثر حرصًا في اللجوء إلى الجنة للاستفسار عن قضايا الطلاق خوفًا من العيش في الحرام مع أزواجهن.

وماذا فعلت اللجنة في تلك القضية؟

الملاحظ أن أكثر المترددين على اللجنة للسؤال عن الطلاق هم الشباب حديثي العهد بالزواج، وقد يرجع ذلك لسوء الأحوال الاقتصادية داخل الأسرة، وعدم تحمل الزوجين للضغوط الجديدة، إضافة إلى الفيسبوك.

واللجنة تقوم بدور كبير جدًا في منع وقوع الطلاق في حالة حلف الزوج ليمين الطلاق ثلاث مرات على زوجته عن طريق البحث عن ثغرة، ولذلك نطالبهم بالحضور ووصف ما حدث لهم، وهناك حالات استطاعت اللجنة إعادتهم لحياتهم الزوجية الطبيعية بعد فراق دام لسنوات.

واستحدثت اللجنة مؤخرًا نظامًا جديدًا للحد من الطلاق، وهو اعتماد رأي ابن حزم وابن تيمية وابن القيم، بعدم وقوع يمين الطلاق والزوجة حائض، بشرط أن يكون لديهم أبناء، أما في حالة عدم وجود أولاد أو زواج الزوج من أخرى فيقع طلاق الحائض.

كما أعددنا نموذجًا يوقع عليه الزوجان يسمى "توصيف الطلاق" بحيث يوصف بداخله المشهد والظروف والحالة التي كان عليها الزوج وقت حلف يمين الطلاق.


هل بالفعل حالة الزوج النفسية تسقط عنه يمين الطلاق ولا يعتد بوقوعه؟

بالفعل، لو صدر يمين الطلاق والزوج في حالة نفسية لا تسمح له بإدراك ما يقوله أو يفعله فلا يعترف بوقوع الطلاق، إضافة إلى الحالات النفسية كوجود خلل في الذاكرة، أو غيرها من الأمراض، ولذلك تطالب اللجنة من الزوج الذي يدعي حلف اليمين أثناء مروره بأزمة نفسية، إحضار تقرير طبي رسمي ومعتمد من نقابة الأطباء حتى يتم على أساسه بيان شرعية طلاقه لزوجته. 

كما تبحث اللجنة أيضًا في حالة قيام الزوج بحلف يمين الطلاق على زوجته وهو تحت تأثير تناول المخدرات أو مواد مسكرة، وكل ذلك بهدف الحفاظ على استمرار الحياة الزوجية بين الزوجين، وتقوم اللجنة بدور المصالح فيما بينهم وليس مجرد الفتوى فقط.

الإلحاد في مصر

هناك تقارير بحثية تقول إن الإلحاد منتشر في مصر والدول العربية، ما دور الأزهر في التصدي لهذه الظاهرة؟

عدد الملحدين يزداد باستمرار في مصر، وأرى أن وسائل التواصل الاجتماعي وعلى رأسها "الفيسبوك" سبب انتشار هذه الظاهرة بين الشباب.
وهناك صفحات متخصصة للملحدين مثل: "مجموعة اتحاد المصريين الملحدين"، وكذلك "اتحاد الملحدين العرب"، والملاحظ أن أكثر المترددين إلى اللجنة من الملحدين هم الفتيات، ونحن نتحاور معهن ثم نحولهن لقسم العقيدة ومقارنة الأديان بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر فهؤلاء متخصصون أكثر، ومؤخرًا انتشرت بين الشباب في الجامعات ظاهرة التنكّر للدين، وكأنهم يريدون إخراج الدين من حياتهم.

قضايا المسيحيين

وهل حقًا يتردد بعض المسيحيين على لجنة الفتوى بالأزهر؟

اللجنة تتعامل مع المسيحيين ممن لديهم مشاكل في البنوك، كذلك بشأن الميراث عن طريق المحكمة.

وتفصل اللجنة في ميراث المسيحي الذي أسلم ومازالت عائلته مسيحية، حيث يأخذ نصيبه من الميراث وفقًا للشريعة الإسلامية والجميع يرضى بذلك، كما تعطي اللجنة أحكام الشريعة الإسلامية للزوجة المسيحية المتزوجة من رجل مسلم، لناحية حقها في الرؤية والميراث وكافة حقوقها في حالة الطلاق.

برامج "التوك شو"

هل التيار السلفي يمثل عنصرًا هامًا في نشر الفتاوى الشاذة في مصر؟

تأثير التيار السلفي دينيًا على المواطن، على وجه الخصوص في القرى والأرياف المنتشرة في بعض المحافظات مثل مطروح وإسكندرية تراجع بشكل كبير، بعد التطور الذي حدث داخل لجنة الفتوى في الأزهر، وفتح فروع لها بجميع محافظات الجمهورية، مما جعلها مقصدا يوميا لآلاف المواطنين.
ويرجع السبب في انتشار الفتاوى الشاذة إلى برامج التوك شو، التي تبحث عن الإعلان والمال فقط، لذلك أطلقت تسمية "بيان شرعي" على كل ما يصدر من كلام عن المشايخ في الفضائيات، وليس فتوى يعمل بها.

هل ورد إليكم شباب يحمل بعض أفكار بعض الجماعات المتطرفة مثل داعش؟

اللجنة لم تلتقي بأي من الشباب المنتمين لـ"داعش" وغيرها من التنظيمات الإرهابية، أو ممن ترك أفكارهم، ولكن استقبلنا بعض الشباب الذي المقتنع ببعض الأفكار المتطرفة، ويحمل تفسيرات وتأويلات غير صحيحة لنصوص القرآن، فنقوم أولًا بتهيئته نفسيًا حتى يتلقى القبول في الجواب، ونجيبه بالقرآن والسنة وإعمال العقل، وإذا وجدناه يحب الجدال للجدال، فلدينا قسم كلية أصول الدين للعقيدة ومقارنة الأديان بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر. 

الفتوى تتغير

البعض يتهم الأزهر بتمسكه بالتراث الديني، ورفض التجديد، وتمسكه بفتاوى وآراء لا تناسب العصر، فما رأيك؟

منهج الأزهر قائم على الوسطية وتعدد آراء المذاهب والاعتدال، ومنهج الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن نؤمن بتغير الفتوى وفقًا للزمان والمكان، ولكن هذا لا يعني التغاضي نهائيًا عن الوارد في التراث الديني من ثوابت الشريعة، لأن الأزهر يقوم بعمله على الإتباع وليس الابتداع، وأن تكون القاعدة هي التأصيل والأساس على أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأعراف، وهو ما نراعيه في الفتاوى التي نصدرها داخل لجنة الفتوى.