تباينت ردات الفعل الثقافية والسياسية العربية حول وفاة برنارد لويس. فبينما أعلن بعضهم الشماتة بكل صراحة في موته، دافع عنه آخرون، واعتبروه من أعظم المؤرخين، ونفوا عنه تهم وضع خطة تقسيم الشرق الأوسط وغزو العراق وتشويه الإسلام.

إيلاف من القاهرة: أثار المستشرق الغربي برنارد لويس الكثير من الجدل حيًا، وها هي حالة الجدل تستمر بعد موته، وتباينت ردود فعل المثقفين والسياسيين في العالم العربي، فبينما أظهر بعضهم الشماتة، أعلن البعض الآخر أن الرجل من أعظم المؤرخين والمفكرين في العصر الحديث، وعملوا على إنصافه وتبرئته مما علق به من تهم في حياته، ومنها تأصيل نظرية "صراع الحضارات" ومعاداة الإسلام والدعوة إلى تقسيم المنطقة العربية إلى دويلات صغيرة على أساس طائفي أو مذهبي أو عرقي.

إلى جهنم

غرد رئيس حزب اللقاء الوطني اللبناني وليد جنبلاط، معلقًا على خبر وفاة لويس: "يا له من خبر جميل، فقد رحل أخيرًا ملك الحقد ومنظر صراع الحضارات Bernard Lewis رحل من هذه الدنيا إلى جهنم إن شاء الله".

وأضاف على تويتر: "أكاد أقول إنه الوجه الآخر لداعش في الغرب".

كتب الصحافي المصري أحمد رفعت مقالًا في صحيفة فيتو، تحت عنوان "مات أخطر رجل في العالم! مات برنارد لويس". وقال فيه: كثيرون يعرفون أن هناك مؤامرة على وطنهم.. لكن لا يعرفون أن هناك مهندساً لها هو برنارد لويس الذي رحل أمس... وكثيرون يعرفون ما يسمى بـ "الربيع العربي" ومنهم من يعرفون أن أجهزة مخابرات ومنظمات صهيونية أدارت هذا الملف كله، لكن أغلبهم لا يعرف أنه حتى تلك الأجهزة والمنظمات استعانت بالكثيرين من اجل ذلك لكن من بين الكثيرين يبدو اسم برنارد لويس الأبرز والأخطر!"

أضاف رفعت: "ببساطة... هذا الرجل صاحب خطط لتفجير المنطقة وإعادة تقسيمها بإشعال الحروب الطائفية والمذهبية والقبلية التي تنتهي كما يرى إلى دويلات صغيرة تؤدي إلى هيمنة دولة واحدة هي إسرائيل! وهذا الرجل قال "إن أغلبية دول الشرق الأوسط مصطنعة وحديثة التكوين، وإذا تم إضعاف السلطة المركزية إلى الحد الكافي، فليس هناك مجتمع مدني حقيقي يضمن تماسك الكيان السياسي للدولة، ولا شعور حقيقي بالهوية الوطنية المشتركة أو ولاء للدولة الأمة، وفي هذه الحال تتفكك الدولة مثلما حصل في لبنان إلى فوضى من القبائل والطوائف والمناطق والأحزاب المتصارعة".

أرقد بسلام

كتب هاني العسل في صحيفة الأهرام مقالة بعنوان "برنارد لويس .. ارقد في سلام!". وقال: "لم يبالغ الراحل إدوارد سعيد عندما اتهمه بالانحياز ضد العرب والمسلمين، وبأنه «لا يفهم الشرق الأوسط جيدًا كما يتصور»، ومع ذلك، سيظل الغرب ينظر إلينا لمدة مائة سنة قادمة على الأقل بنظارة هذا الرجل، فما كتبه عن المنطقة هو الأساس الأيديولوجي للسياسات والقرارات الغربية الحالية تجاه دولنا، ولم يبقَ منه سوى القليل جدا الذي لم يتحقق عمليا".

أضاف العسل: "ارتبط اسم وفكر لويس، أو سيد قطب الاستعمار الجديد، بالمصائب التي حلت بعالمنا العربي، منذ حرب العراق عام 2003، ومرورًا بموجات «الخراب العربي» التي بدأت «ياسمينًا» في تونس، وانتهت حنظلًا و«صبارًا» في سوريا واليمن وليبيا، وأفلتت منها مصر، ولو موقتًا".

تابع: "قال في كتابه «الإيمان والسلطة» عن شعوب الشرق الأوسط : «إما أن نأتي لهم بالحرية، أو أن نتركهم يدمروننا»، وقال في سياق آخر موجهًا نصائحه إلى القادة الغربيين «كن قاسيًا .. أو اُخرج»، فوضع بذلك اللبنة الأولى في مخططات غزو المنطقة العربية ونهب ثرواتها وتقسيمها إلى دويلات طائفية صغيرة، تحت مسمى نشر الديمقراطية تارة، وتحت مسمى محاربة الإرهاب تارة أخرى، كما تُنسب إليه مجموعة شهيرة من الخرائط التي تظهر فيها دول كبرى في المنطقة، وقد أصبحت عشرين جزءًا، بما فيها مصر والسعودية وسوريا والعراق والسودان".

شيخ المستشرقين

وصفه المفكر المصري سمير مرقص في مقالة له بصحيفة المصري اليوم، بأنه "شيخ المستشرقين". قال مرقص: "اطلعت على كتابات برنارد لويس منتصف التسعينيات. في الفترة بين مؤتمر الأقليات الشهير (مايو 1994) وبين بدء ضغط اللوبي المحافظ: السياسي، والديني، على الكونغرس الأميركي، لاستصدار ما عُرف بقانون الحرية الدينية في العالم لمراقبة ومحاسبة الدول عن حالة الحريات الدينية لديها. ففي هذا السياق قرأت دراسة له نشرت في دورية فورين أفيرز الأميركية سنة 1997 بعنوان: الغرب والشرق الأوسط. ولأهميتها، ترجمتها، وعلقت على النص بدراسة عنوانها «تعليق استغرابي على نص استشراقي».

يعد النص نموذجًا مثاليا لأمرين هما: الأول، النظرة التي توظف العلم والمعرفة والألمعية الشخصية في تمرير النظرة الاستعلائية للغرب تجاه الشرق الأوسط نظرًا لانحطاطه وتخلفه وكأن الغرب ليس أحد الأسباب في ما وصلت إليه المنطقة؛ الثاني، اقتراح مخططات وسياسات تعكس الاستراتيجيات/ المصالح الغربية مهما كانت تكلفتها الميدانية، لذا كان إدوارد سعيد موفقًا ومكثفًا فى وصفه للويس بأنه جزء من البيئة السياسية أكثر من البيئة الفكرية الصرفة. بيئة سياسية تعطى أولوية للمصالح وكيفية تحقيقها بشتى الطرق.. لذا سوف تجد لويس حاضرًا لتلبية مطالب الإدارة السياسية الغربية لوضع الاستراتيجيات الملائمة مثلما حدث بعد أحداث سبتمبر 2001"

وأضاف مرقص: "على الرغم من أن مقولاته كانت محل ازدراء وسخرية ورفض، بحسب واشنطن بوست، إلا أنها شكلت رؤى وسياسات النخبة الحاكمة في الغرب حيال الإقليم، لأنها تتيح على الدوام التدخل المباشر في شؤونه.. رحل لويس إلا أن مدرسته حاضرة وعلينا متابعة أجيالها الجديدة".

في المقابل، وقف مثقفون عرب مدافعين عن لويس، وقال الكاتب الصحافي السعودي عبد الرحمن الراشد في تغريدة له عبر تويتر: "الفارق كبير جدًا بين أن تقرأ عنه أو تقرأ له. برنارد لويس من أعظم المؤرخين والمفكرين".

كتب الصحافي مطر الأحمدي، رئيس تحرير موقع العربية نت سابقًا: "برنارد لويس أكثر من أثرى المكتبة الغربية عن تاريخ المنطقة والإسلام. هناك من لا يتفق معه، هو ضد الثورة الخمينية، ويعتبر إشكالية المنطقة وفشلها سببهما إقحام الدين في الدولة".

أضاف الأحمدي في تغريدة له عبر تويتر: "ليس عنصريًا ولم يؤيّد غزو العراق، ومساند لتركيا حتى ضد الأرمن!".

ليس عنصريًا

كتب المفكر السياسي المصري، وحيد عبد المجيد مقالًا في الأهرام تحت عنوان "هل ظلمنا برنارد لويس؟"، قال فيه: "كان لويس مؤيدًا لإسرائيل بالفعل. لكنه كان واحدًا من مئات الملايين الذين يساندون إسرائيل في العالم، وفي الغرب بصفة خاصة أما اتهامه بالتورط في خطط لتقسيم دول عربية، فلا سند له إلا مشاركته في لجنة شكلها الكونغرس في بداية ثمانينيات القرن الماضي لتقديم تصورات بشأن مواجهة نفوذ الاتحاد السوفياتي السابق في المنطقة. وكان من بين تلك التصورات تدعيم العلاقات مع الأكراد الذين رأى أنهم أكثر من يمكن للولايات المتحدة أن تثق فيهم كحلفاء ملتزمين تجاهها".

برّأ عبد المجيد المفكر الغربي من تهمة الدعوة لغزو العراق، وقال: "أما غزو العراق، فقد نأى لويس بنفسه عنه. وليس هناك ما يؤكد أنه كان ضمن فريق المستشارين الذين دعموا الاتجاه إلى هذا الغزو. وحتى بافتراض أنه كان بينهم، فالفرق كبير بين من يُستشار، ومن يُقرر. ولكن الهجوم على لويس كان أكبر ممن اتخذوا قرار الغزو ومن نفذوه".

اعتبر عبد المجيد أن لويس أنصف الإسلام في كتابته، وقال: "لم يكن لويس وحده الذي اتخذ موقفًا نقديًا في دراسته التاريخ الإسلامي، الذي كان أحد أبرز المستشرقين الذين تخصصوا فيه. ولكنه كان أكثر إنصافًا من غيره في ما كتبه عن بعض مراحل هذا التاريخ".