قال برنارد لويس الكثير في مقابلة مع الدكتور عادل الطريفي، نشرتها الشرق الأوسط قبل خمسة أعوام. فقد أكد أن التفكير في ديمقراطية شرق أوسطية وفق المفاهيم الغربية يؤدي إلى كوارث عنوانها الإسرام السياسي الحاكم.

إيلاف من دبي: في مارس 2013، نشرت "الشرق الأوسط" مقابلة مع برنارد لويس، المؤرخ المثير للجدل في العالم العربي منذ الستينات، حاوره فيها رئيس تحريرها عادل الطريفي، متناولًا مستقبل المنطقة بعد الربيع العربي، عارضًا فهمًا عميقًا لمنطقة كرّس حياته لدراستها، واكتساب الخبرة في شؤونها.

 سيناريوهات ممكن حدوثها

في هذا الحوار، أكد لويس للطريفي أنه لا يعتقد أنه يجوز أن ينتظر من المؤرخ أن يتنبأ بالمستقبل بقدر من المعقولية، "لكن هناك أمورًا معينة يستطيع المؤرخ فعلها، ويجب عليه أن يفعلها؛ فهو يستطيع إدراك الاتجاهات، وبمقدوره أن يرى ماذا كان يحدث وماذا يحدث الآن، وبذلك يلحظ التغيرات والتطور، ومن ذلك يتيّسر له أن يصوغ، ولا أقول يتنبأ بالسيناريوهات الممكن حدوثها والأشياء التي يمكن أن تمضي في هذا الاتجاه أو ذاك. بالطبع سيكون من السهل دائمًا التنبؤ بالمستقبل البعيد، لكن ليس المستقبل القريب"، مؤكدًا أنه متفائل إلى حد بما يجري، فتطور الديمقراطية عمل بطيء وصعب، "ولا بد من أن نكون صبورين ونعطي الديمقراطية الناشئة الفرصة لكي تنمو. ويعتقد كثيرون أن العرب يريدون الحرية والديمقراطية، ونحن في الغرب نميل إلى التفكير في الديمقراطية طبقًا لمقاييسنا الخاصة، لكن خطأ أن نفكر في الشرق الأوسط طبقًا لهذه المفاهيم التي يمكن أن تؤدي إلى نتائج كارثية، فحماس لم تؤسس نظامًا ديمقراطيًا عندما وصلت إلى السلطة من خلال انتخابات حرة ونزيهة. شخصيًا، ثقتي منعدمة وأنظر بخشية إلى انتخابات حرة، مفترضًا أن ذلك ممكن أن يحدث، لمجرد أن الأحزاب الدينية تتمتع حاليًا بميزة القوة"، فبرأيه، الإسلام السياسي يتغير عبر الزمن، لكن ليس بالضرورة إلى الأفضل.

كلام في الحرية

أي طريق على الشرق الأوسط أن يسلكه؟ يجيب: "أفضل مسار هو السير بالتدريج في تنمية الديمقراطية، ليس عبر الانتخابات العامة بل من خلال القوى المدنية وتقوية الإدارات المحلية (...)، فعندما تتمعن في تاريخ الشرق الأوسط وأدبياته السياسية الخاصة، ستجد أنها ضد حكم التسلط والطغيان. التقاليد الإسلامية تصر دائمًا على الشورى".

فقد كان هناك تراث من نظام الشورى مع جماعات لم تكن ديمقراطية بالمفهوم الذي تُستخدم فيه هذه الكلمة في الغرب، غير أن لديها مصدرًا للسلطة مختلفًا عن سلطة الدولة، نابع من الجماعة ذاتها، والأنظمة السلطوية التي تحكم معظم البلدان الإسلامية الحديثة في الشرق الأوسط ابتكار حديث نتيجة لعملية التحديث، وهي كانت قبل التحديث أكثر انفتاحًا وتسامحًا.

يقول لويس: "في الغرب نتكلم طول الوقت عن الحرية، لكن في العالم الإسلامي الحرية ليست مصطلحًا سياسيًا، إنها مصطلح قانوني، الحرية مقابل العبودية. (...) كانت الحرية مصطلحًا قانونيًا واجتماعيًا من دون دلالات سياسية من أي نوع. ببساطة لم يفهموا المصطلح، وتعجبوا من أن يكون له صلة بالحكومة، وفي نهاية الأمر وصلتهم الرسالة، غير أنها ما زالت غريبة على البعض. في المصطلحات الإسلامية، العدل هو المقياس للحكومة الرشيدة، وأقرب كلمة عربية لمفهومنا عن الحرية هي كلمة العدل".

عاجزون عن التأثير

ما كان يُشعر لويس بالضيق حول الشرق الأوسط "ليس ما يقال في الأوساط الإعلامية والأكاديمية بل السياسات التي تطبق على الأرض... نواجه لحظة نحن عاجزون فيها عن التأثير في الأحداث. نرسل الإشارات الخطأ، علينا أن نكون واضحين وأشد إصرارًا على الحاجة إلى الحرية في الشرق الأوسط وعن رغبتنا في مساعدة أولئك الذين يعملون من أجلها. هناك سؤال عن نوع الديمقراطية التي تصلح للعالم العربي. هناك وجهات نظر مختلفة، الأولى التي يطلق عليها أنها متعاطفة مع وجهة النظر العربية تقول: هؤلاء الناس ليسوا مثلنا ولديهم طرق مختلفة، وتقاليد مختلفة، علينا أن نعترف بأنهم عاجزون عن إقامة ديمقراطية تشبه ما لدينا. وجهة نظر ثانية تقول: هؤلاء هم ورثة حضارة قديمة، مروا بأوقات سيئة غير أن لديهم في مجتمعاتهم عناصر ستساعدهم، وبالتالي علينا أن نغذي هذه العناصر لنمو شكل من أشكال الحكومات المتوافق عليها ولو بشكل محدود".

يرى لويس أن بشار الأسد رئيس عرضي، "لم يكن مفترضًا به أن يكون رئيسًا، كان من الأفضل له أن يكون لندنيًا".

تحدث لويس في المقابلة عن اتصاله برئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مئير حين زيارتها لندن بدعوة جامعة. روى: "قامت مائير إلى المنصة وقالت: أعتقد أنكم تشاركونني الرأي في أن الخطابات في مثل هذه المناسبات مدعاة للملل، الجزء الممتع فيها هو الأسئلة والإجابات عنها. إذا سمح لي رئيس الجلسة فسأقترح أن نتجاوز الخطاب، أنتم تعرفون من أنا.. وتعرفون من أين أتيت.. وتعرفون ماذا يمكن أن أقول.. لذلك دعونا نحذف الخطاب ونتجه مباشرة إلى الأسئلة".

من دون تأشيرة

أخبر لويس الطريفي في اللقاء إنه سافرت كل عام تقريبًا إلى الأردن، "حيث أحتفظ بعلاقات شخصية مع الأسرة المالكة. لقد عرفت الملك حسين وشعرت تجاهه بالاحترام، وساعدني ذلك على أن أكون على صلة بما يحدث في العالم العربي. دخلت شمال السعودية مع سائق الملك حسين من دون تأشيرة، كما زرت تركيا ومصر مرات كثيرة، ولبنان عندما كان ذلك ممكنًا. لم يحدث أن ذهبت إلى إيران منذ الثورة رغم أنني تلقيت - لدهشتي - دعوة للاشتراك في مؤتمر حول حوار الأديان.. موضوع الندوة شائق ومهم بالنسبة لي، إلا أنني لم أشعر بالرغبة في الاشتراك فيها تحت رعاية النظام الحالي".

مفاجئ فعلًا أن يكون لويس معجبًا برفاعة الطهطاوي، "الذي درس في جامعات أوروبية وعاش في مصر في منتصف القرن التاسع عشر، وكتب أعمالًا مهمة عن مبادئ الإسلام وتوافقها مع الحداثة خلال فترة تغيير مهمة تداخل فيها العالم الإسلامي مع الغرب في القرن التاسع عشر. إن منظوره ومطارحاته زاد من ثرائها فهمه لأوروبا وكيف أن مبادئ الإسلام والحداثة الأوروبية من الممكن أن يكمل أحدهما الآخر".

​للاطلاع على المقابلة كاملة، يمكن الضغط على الرابط التالي:

http://elaphjournal.com/Web/NewsPapers/2018/5/1204648.html