بادر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى تهدئة خواطر جميع الأردنيين على وقع الاحتجاجات والإضرابات على مشروع قانون الضريبة، الذي كانت الحكومة أحالته على مجلس النواب للمصادقة عليه. 

إيلاف: أكد الملك عبدالله الثاني، الذي عاد للتو إلى عمّان، بعد زيارة عمل خاطفة إلى ألبانيا، خلال ترؤسه اجتماعًا لمجلس السياسات الوطني، أنه ليس من العدل أن يتحمّل المواطن وحده تداعيات الإصلاحات المالية، وأنه لا تهاون مع التقصير في الأداء، خصوصًا في تقديم الخدمات الأساسية إلى المواطنين من تعليم وصحة ونقل.

وشدد على أن الدولة بكل مؤسساتها مطالبة بضبط وترشيد حقيقي للنفقات، وعلى أهمية أن يكون هناك توازن بين مستوى الضرائب ونوعية الخدمات المقدمة إلى المواطنين.

حوار
ودعا الملك عبدالله الثاني الذي كان الأردنيون ينتظرون كلمة منه، في شأن قانون الضريبة، الحكومة ومجلس الأمة إلى أن يقودا حوارًا وطنيًا شاملًا وعقلانيًا للوصول إلى صيغة توافقية حول مشروع قانون الضريبة، بحيث لا يرهق الناس ويحارب التهرب ويحسّن كفاءة التحصيل.

وأكد أهمية مشاركة الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني في الحوار بصورة فاعلة، وتقديم مقترحات واقعية وممكنة تراعي الهمّ الوطني ومصلحة المواطن. وخلال الاجتماع الذي حضره الأمير فيصل بن الحسين، ورئيس الوزراء، ورئيسا مجلسي الأعيان والنواب، شدد الملك على أن الاعتماد على الذات ليس مجرد شعار، ولا يعني مجرد فرض ضرائب، بل يعني وجود جهاز حكومي فاعل وقادر على تقديم خدمات نوعية وجذب الاستثمار، وتمكين المجالس البلدية ومجالس محافظات من تحسين الواقع التنموي والخدماتي.

وعي الأردنيين
وأكد ثقته بوعي أبناء وبنات الوطن، وقدرة الأردن على تجاوز التحديات، وقال: "أنا أعرف أن شعبنا تحمّل الكثير، وصبر، وهذا معدن الأردنيين الأصيل، ونعمل ليل نهار لكي نتجاوز هذا الوضع الصعب".

جانب من اجتماع مجلس السياسات

أضاف العاهل الأردني أن التحديات التي تواجه الاقتصاد الأردني سببها الظرف الإقليمي الصعب. وقال: "المشكلة ليست بفعل الأردن، ولا الأردنيين الذين يضحّون بالغالي من أجل بلدهم، وبهمتهم جميعًا إن شاء الله سنتجاوز هذه التحديات، كما تجاوزنا غيرها. وهذا يتطلب العمل بروح وطنية واحدة، تصل بنا إلى صيغة توافقية يكون الوطن هو الرابح فيها، الأردن واقتصاده وأجياله"، مشيرًا إلى أن الظروف والخيارات أمام الأردن اليوم ليست الظروف نفسها قبل خمس أو عشر سنوات".

حضر الاجتماع نائب رئيس الوزراء وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء، ونائب رئيس الوزراء وزير الدولة للشؤون الاقتصادية، ووزير الخارجية وشؤون المغتربين، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، ومدير المخابرات العامة، ومستشار الملك، مدير مكتبه، ومستشار الملك لشؤون العشائر، ووزيرا الدولة لشؤون الإعلام والداخلية، ومديرا الأمن العام وقوات الدرك.

وساطة كبير النواب
يشار إلى أن الوساطة التي تولاها رئيس مجلس النواب الأردني، عاطف الطراونة، بين النقابات المهنية والحكومة في البلاد، قادت إلى التوافق على إجراء تعديلات على نظام الخدمة المدنية، واستكمال الحوار المتعلق بمشروع قانون ضريبة الدخل، مع تمسك الحكومة بإبقائه في عهدة البرلمان من دون سحبه.

جاء الإعلان في مؤتمر صحافي مشترك السبت، عقده الطراونة مع رئيس الحكومة، هاني الملقي ورئيس مجلس النقباء الأردنيين، علي العبوس، وبهذا الاتفاق تكون الحكومة ألقت على عاتق مجلس النواب تبعات أي قرارات تُتخذ بشأن قانون الضريبة، الذي يتطلب مروره بقنوات دستورية من خلال شقي مجلس الأمة، الأعيان والنواب، ضمن صلاحيات كل منهما.

قوبل إعلان الاتفاق بردود فعل غاضبة ورافضة له، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وسط دعوات إلى استئناف الاحتجاجات مساء السبت، في الوقت الذي قال فيه الطراونة خلال المؤتمر إنه تم التوافق على تشكيل لجنة مؤلفة من الوزراء المعنيين في الحكومة، إضافة إلى النقباء المعنيين لدراسة نظام الخدمة المدنية، وإزالة أي أثر سلبي فيه من شأنه أن يُلحق بالنقابيين أو من طالهم النظام "بشي من الغبن".

وبيّن الطراونة أن إجراء التعديلات على النظام قد حُددت له مهلة، أقصاها عيد الفطر. أما في ما يتعلق بمشروع قانون ضريبة الدخل، فأعلن الطراونة أن الأطراف الثلاثة في صدد "تشكيل لجنة أخرى لمتابعة الحوار".

كلام الملقي
على صعيد متصل، أكد رئيس الحكومة في تصريحاته على عدم سحب القانون الذي أصبح في عهدة البرلمان، مبينًا في تصريحات سابقة للمؤتمر أن الحكومة ستستأذن من رأس السلطات، الملك، عقد دورة استثنائية في القريب العاجل لمناقشة مشروع القانون.

وقال الملقي في المؤتمر إن إرسال مشروع قانون ضريبة الدخل إلى البرلمان "لا يعني أن يوافق النواب عليه أو أن يوافق على جزء منه أو حتى على مادة فيه". وأضاف: "المجلس سيد نفسه".

ونوه رئيس الوزراء الأردني بأن هناك جولات لاحقة من الحوارات الثلاثية بشأن ضريبة الدخل، إلى حين إعلان موعد الدورة الاستثنائية التي تصدر بإرادة ملكية. وأضاف: "لم ننته بعد من الحوار مع مجلس النقباء.. سيستمر الحوار حتى نصل إلى تفاهمات".

وفي إشارة إلى ارتباط إقرار مشروع القانون ببرنامج التصحيح الاقتصادي الخاص ببعثة صندوق النقد الدولي، قال الملقي إن البعثة أنهت اجتماعاتها في المملكة الخميس المنصرم بتقييم أداء الاقتصاد الأردني، وعلق قائلًا: "أبشّركم النتائج إيجابية، انتهى 70 بالمائة من البرنامج، وفي حال إقرارنا لقانون ضريبة الدخل بشكل عصري يحمي الطبقة الفقيرة، وتتوافق عليه جميع فئات المجتمع، نكون قد وصلنا إلى نهاية البرنامج في منتصف 2019.. ووصلنا إلى بر الأمان".

موقف نقابي
نقابيًا، أعلن ممثل النقابات المهنية علي العبوس، أن مجلس النقباء وافق على المشاركة في الحوار الثلاثي على قاعدة طلب "سحب مشروع قانون الضريبة"، إلا أن توضيحات الحكومة دفعت إلى ضرورة عقد حوارات أخرى لاحقة، وقال: "سمعنا كلامًا يحتاج لقاء آخر للتفاهم، والحوار سيكون في فترة قريبة، حتى نصل إلى ما يحقق آمالنا".

ولم يعلن العبوس عن موقف النقابات المهنية من استمرار الحراك الشعبي الاحتجاجي ضد الضريبة، في الوقت الذي أكدت النقابات في وقت سابق دعمها له، واكتفى بالقول في تصريحات صحافية، إن مجلس النقباء سيتشاور بشأن ذلك، وسيتم الإعلان لاحقًا عن نتيجة المشاورات.