برلين: تمكن علماء سويسريون من تطوير طريقة تخفف من عناء المصابين بسرطان الدم، في إيجاد متبرع يحمل خلايا جذعية مطابقة لخلاياهم، وذلك عن طريق تصنيع نخاع عظم يستجيب لشروط كافة المحتاجين للزراعته، وهو ما أعطى أملا لملايين المصابين.

يحصل 30% فقط ممن يعانون من سرطان الدم، على فرصة إيجاد متبرع تتطابق مواصفات خلايا الدم الجذعية في نخاع عظمه مع نخاع عظامهم.

ورغم التعاون على المستوى العالمي في هذا المجال لم توفر بنوك الدم العالمية نخاع العظم المتطابق للمرضى المحتاجين إلا في 70% من الحالات، وكان الموت مصير النسبة المتبقية.

فرصة حياة جديدة

ويبدو ان العلماء السويسريون خطوا الخطوة الأولى على طريق التغلب على المشكلة من خلال تصنيع نخاع عظم صناعي يستجيب لشروط كافة المحتاجين لزراعة نخاع العظم. وهذا يمنح فرصة حياة للملايين من المعانين من سرطان الدم.

وكتب العلماء السويسريون في مجلة (Proceedings of the National Academy of Sciences) أن نخاع العظم الصناعي يتألف من خلايا وأنسجة بشرية حقيقية تمت تنميتها مختبرياً على هيكل من مادة صناعية انتجت بطريقة الطباعة المجسمة (ثلاثية الأبعاد).

والفرق بين هذه الطريقة والمحاولات السابقة لإنتاج نخاع عظم صناعي هو أن خلايا الدم الجذعية تبقى حية لفترة طويلة، وتمارس وظائفها، وتتكاثر أيضاً دون أن تفقد القدرة على تكوين الأنواع المختلفة من خلايا الدم. واعتبر العاماء هذا الانجاز خطوة أولى على صعيد إنتاج نخاع عظم متكامل صناعياً.

ومعروف في الطب ان نخاع العظم مسؤول عن انتاج مليارات الخلايا الدموية المختلفة يومياً، من ضمنها خلايا الدم الحمراء والخلايا المناعية. 

وتتولى هذه المهمة خلايا الدم الجذعية في نخاع العظم، وهذا سبب حاجة مرضى سرطان الدم إلى زراعة نخاع عظم مناسب كي يتم منحهم فرصة الحياة. ولا مناص من زراعة نخاع العظم بعد العلاج بالعقاقير الكيميائية التي تقتل الخلايا السرطانية والسليمة على حد سواء.

محاولات سابقة

سبقت محاولة العلماء السويسريين من جامعة وزيورخ محاولات أخرى حققت نجاحاً نسبياً فقط. ويعود ذلك إلى أن خلايا الدم الجذعية المزروعة تفقد القدرة على توليد مختلف أنواع خلايا الدم في محيط غريب، لكن المحاولة الجديدة نجحت في ذلك.

وكتب الباحث بول بورغين، من جامعة زيورخ، أن خلايا الدم الجذعية عاشت لعدة أيام، وانتجت مختلف أنواع خلايا الدم الأخرى بشكل طبيعي، وهي مزروعة على"هيكل" من مادة صناعية مسامية.

قبل ذلك حرص فريق العمل على إنتاج مادة شبيهة لنخاع العظم الحقيقي من مادة سيراميكية مسامية تم إنتاجها مختبرياً بطريقة الطباعة ثلاثية الأبعاد. ويقولون إن هذا "الهيكل" تحول إلى"مادة حياة" لخلايا الدم الجذعية.

وضع العلماء خلايا الدم الجذعية على هذا الهيكل الصناعي ثم أدخلوه في "مفاعل بيولوجي" وعملوا على تنميته سوية مع خلايا عظمية وأنسجة وخلايا بشرية أخرى.

وذكر بورغين ان النسيج الناتج كشف عن"افعال وظيفية وبنيوية تميز نخاع العظام البشري، وقادر على تنمية خلايا الدم الجذعية".

وطن جديد للخلايا الجذعية

وللتأكد من حيوية وديمومة خلايا الدم الجذعية على هذا الهيكل المسامي الصناعي، اضاف العلماء إلى "الهيكل" خلايا منتجة للخلايا الجذعية وأخرى تسبقها في تسلل تكوينها. وظهر هنا أيضاً أن كل الخلايا عاشت ونمت وانتجت الخلايا الدموية الأخرى بشكل اعتيادي.

المهم أيضاً أن بورغين وزملاؤه لاحظوا فرزاً في خلايا الدم خلال عملية نمو الخلايا الجذعية، التي بقيت في محيطها في الهيكل المسامي والأنسجة، في حين تم زرق خلايا الدم الجديدة في سوائل الدم.

وهذا يعني، بحسب رأي العلماء، أن خلايا الدم الجذعية والخلايا الأخرى تصرفت كما لو أنها في نخاع عظم حقيقي. وبكلمات أخرى، وجدت خلايا الدم الجذعية "وطناً آخر"، في نخاع العظم الصناعي.

طريقة تكوين الدم

ويرى بورغين وزملاؤه ان النخاع الصناعي سيصبح، بالنسبة لكل العلماء في العالم، "منبراً لدراسة طريقة عمل الخلايا الجذعية وكيفية إنتاجها للخلايا. والمهم في الموضوع أيضاً انه يوفر إمكانية جديدة لمعاللجة أمراض الدم السرطانية.

فضلاً عن ذلك، فإن من الممكن مستقبلاً تجربة العقاقير المضادة لسرطان الدم، على نخاع العظم الصناعي، بدلاً من تجربتها مباشرة على الحيوانات والبشر. وسيكشف ذلك للأطباء أي العقاقير هو الفعال على كل مريض وعلى كل نوع من أنواع سرطان الدم.

وكتب الباحثان ايفان مارتن وتيم شرودر من جامعة بازل، ان تصنيع نخاع عظم صناعي "مفصّل" بحسب نخاع عظم المريض، يوفر أفضل فرص العلاج.

وأضاف العالمان، اللذان شاركا في التجارب، ان الانجاز ما زال في بدايته وان فريق العمل سيكون بحاجة إلى دراسات وتجارب اضافية من أجل وضعه في خدمة الطب.