دبي: كشف السفير البروفيسور غريغول مغالوبليشفيلي من كلية الدفاع الوطني الإماراتية، رئيس وزراء جورجيا الأسبق، أن العالم يشهد تغيرات جذرية في طبيعة وأدوات الصراعات، وهو ما بات يعرف بالحرب الهجينة، محذرا من تشكل سمات وخصائص جديدة في طبيعة وآليات الحروب كاستخدام وسائل هجينة لتخريب الدول وتدميرها دون تدخل عسكري مباشر أو علني. ونوه بأن المشهد الأمني يتغير بشكل مطرد مشكلا تحديا عالميا يتطلب مواجهة طبيعة التحديات التي نواجهها، فضلا عن رفع قدرات المؤسسات الأمنية.

الحرب الهجينة

وأوضح أن "الحرب الهجينة" تعد شكلا من أشكال الحروب التي تعتمد على تحقيق أهداف استراتيجية دون اللجوء إلى صراع مادي، خاصة في المراحل الأولى من الصراع عبر توظيف عدد من الأدوات غير العسكرية. مؤكدا عدم وضوح الحدود الفاصلة بين أنماط الحرب المختلفة، واستخدام الوسائل غير العسكرية كأسلحة لتقويض أسس الدولة، وهو ما يعد أبرز تحديات الأمن القومي الرئيسة التي نواجهها اليوم.

تخريب الدول وتدميرها

وأشار مغالوبليشفيلي في المحاضرة التي استضافها "مجلس محمد بن زايد"، مساء الأربعاء بقصر البطين بأبوظبي، تحت عنوان "تغير سمات الحرب"، وشهدها الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان ممثل حاكم أبوظبي في منطقة الظفرة، إلى أنه على الرغم من أن طبيعة الحروب لم تتغير، إذ لا يزال البشر اليوم يحاربون للأسباب الأساسية ذاتها التي ذكرها المؤرخ اليوناني "ثوسيديديس" منذ 2500 عام تقريبا كالخوف والشرف والمصالح، ولكنه شدد على تشكل سمات وخصائص جديدة في طبيعة وآليات الحروب كاستخدام وسائل هجينة لتخريب الدول وتدميرها دون تدخل عسكري مباشر أو علني.

وأفاد أنه في الحرب الحديثة تكتسب الوسائل غير العسكرية لإخضاع الخصم أهمية تضاهي الوسائل العسكرية، بل وتفوقها في بعض الحالات، لافتا إلى أنه من السمات التي تتسم بالقدر نفسه من الأهمية في الحرب المعاصرة استخدام الوسائل العسكرية ذات الطبيعة الخفية.

نزاع طويل الأمد

وذكر أن الاعتماد المتزايد على الوسائل غير الاعتيادية في تحقيق الأهداف الاستراتيجية بات يغير النمط المعتاد للحرب غير النظامية، فعلى مر التاريخ كان الطرف الأضعف في الصراع يعتمد أساليب غير تقليدية لتعويض التفوق الساحق للخصم من خلال جره إلى نزاع طويل الأمد، منوها بأنه في صراعات اليوم نجد العديد من الأمثلة التي يقوم فيها الطرف الأقوى وليس الأضعف باستخدام أساليب غير تقليدية بنجاح.

التهديدات الإلكترونية

من جانبه أوضح الخبير في مجال الأمن الإلكتروني الدكتور محمد الكويتي أن التهديدات الإلكترونية التي تتطور بتطور التكنولوجيا تنقسم إلى 3 أقسام هي الجرائم الإلكترونية والتي تندرج تحتها جرائم السب والقذف على الإنترنت والابتزاز والاختراق وسرقة بطاقات الائتمان، أما القسم الثاني فهو الإرهاب الإلكتروني، ويندرج تحت بنوده نشر التطرف والتمويل والدعم المالي للإرهاب، والتحريض على الانتحار، واعتبر الحروب الإلكترونية آخر أنماط التهديدات الإلكترونية، مبينا أن الدول والمنظمات باتت تتبع هذا النوع من الحروب للإيقاع بدول أخرى عن طريق إضعاف قواها أو إثارة سخط الشعب تجاه حكوماتها.

الخداع والتضليل

وتابع أن هناك منطقة رمادية توظف فيها التكنولوجيا الحديثة وتعتمد نظاما قائما لتحقيق أنشطتها، وتتسم أعمالها بالتدرج واستخدام الخداع والتضليل، مؤكدا أن الحروب الهجينة تتضمن سلسلة من الطرق المختلفة للحرب، بما في ذلك القدرات التقليدية والتكتيكات والمعلومات غير النظامية والأعمال الإرهابية بما فيها العنف والإكراه العشوائي والفوضى الإجرامية.

نزاعات العصر الحديث

و

هدفت المحاضرة إلى تقديم إجابات وافية حول مفهوم الحروب الهجينة في نزاعات العصر الحديث، والكيفية التي تتسبب بها هذه الحروب في تقويض دولة الخصم دون اللجوء إلى القوة العسكرية العلنية، علاوة على تأثير التقدم السريع الذي تشهده التكنولوجيا على بعض أدوات الحرب الأكثر ضراوة في الحروب الهجينة كالحرب الإلكترونية والإرهاب الإلكتروني والجريمة الإلكترونية.

وأشاد المحاضران بجهود دولة الإمارات في مجال تعزيز ورفع كفاءة وقدرة المؤسسات الأمنية على مواكبة التحديات الأمنية التي يشهدها العالم على المستويين التشريعي والتنفيذي، ورفع مستوى الوعي المجتمعي والثقافة الأمنية لمواطني وقاطني الدولة، وشددا على أهمية التحرك الإماراتي نحو تطوير منظومة الحكومة الذكية، مما يؤهل مؤسسات الدولة لمواكبة المتغيرات العالمية وفق مستويات إدراك ووعي متقدمة تضمن تطوير الجوانب الفنية للحماية والاستجابة، وإضفاء مزيد من الوعي بالمخاطر الناجمة عن التحديات الأمنية وفق آليات عمل مؤسسية تتضمن مشاركة تكاملية مع المؤسسات العالمية ذات الصلة.

وتجدر الإشارة إلى أن السفير غريغول مغالوبليشفيلي يعد دبلوماسيا محترفا عمل في الخارجية الجورجية لمدة 19 عاما وشغل سابقا منصب رئيس وزراء جورجيا، وشغل منصب الممثل الدائم لجورجيا في حلف الناتو قبل أن يلتحق بكلية الدفاع الوطني بدولة الإمارات بصفة عميد بالوكالة وأستاذ مشارك، ويحمل مغالوبليشفيلي درجة البكالوريوس من قسم الدراسات الشرقية بجامعة تبليسي الحكومية ودرجة الماجستير في دراسات الأمن الاستراتيجي من جامعة الدفاع الوطني في واشنطن.

فيما يعد الدكتور محمد الكويتي خبير في مجال الأمن الإلكتروني، وتمتد خبرته على مدار أكثر من 20 عاما في القطاعين الحكومي والأكاديمي، وهو أستاذ غير متفرغ في أكاديمية ربدان ومحاضر دوري في كل من جامعة خليفة وكلية الدفاع الوطني في أبوظبي. وقد نشر العديد من الدراسات المتعلقة بالأمن، وعمل سابقا ملحقا دبلوماسيا إداريا في سفارة دولة الإمارات العربية المتحدة في واشنطن بالولايات المتحدة.