رفضت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل الاثنين تهديد وزير داخليتها بإغلاق حدود المانيا امام المهاجرين اعتبارا من يوليو في حال عدم توصلها إلى اتفاقات مع الشركاء الاوروبيين، فيما صب الرئيس الأميركي الزيت على النار في الملف الذي يهدد بأزمة سياسية كبرى في ألمانيا وأوروبا.

إيلاف: حدد وزير الداخلية الالماني هورست سيهوفر مهلة أسبوعين للتوصل إلى اتفاق مع قادة الاتحاد الاوروبي للحد من وصول مزيد من المهاجرين في قمة للاتحاد الاوروبي في 28-29 يونيو الجاري.

لكن ميركل رفضت التهديد، مشددة على أنه "لن تكون هناك مهلة" ولن يكون هناك اي "اغلاق تلقائي" للحدود امام طالبي اللجوء حتى في حال الفشل على المستوى الاوروبي. وحذرت الوزير وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي في بافاريا الذي ينتمي إليه ايضا من مغبة تحديها قائلين انها في النهاية المسؤولة عن سياسات الحكومة.

ودخل الرئيس الاميركي دونالد ترمب على خط الأزمة، وصب الزيت على النيران المشتعلة بين الحلفاء الألمان. وكتب في تغريدة أن "الشعب الالماني ينقلب على قادته فيما تهز الهجرة التحالف الهش اساسًا في برلين. معدل الجريمة في المانيا مرتفع جدا. خطأ كبير في كل انحاء اوروبا السماح بدخول ملايين الاشخاص الذين غيروا لهذا الحد وبعنف ثقافتهم". وأضاف "لا نريد ان يحصل معنا ما يحصل في ملف الهجرة في اوروبا".

يأتي التصعيد الحاد غير المسبوق بين الحزبين الحليفين منذ عقود طويلة في وقت يواجه الاتحاد الاوروبي خلافا كبيرا حول مسألة الهجرة اثاره رفض ايطاليا استقبال سفينة على متنها 630 مهاجرا في مرافئها. ويطالب سيهوفر، أحد اشد منتقدي سياسة ميركل المتساهلة مع الهجرة والتي سمحت بدخول أكثر من مليون مهاجر للبلاد منذ العام 2015.

وشدد رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي الذي وصل الى برلين مساء الاثنين لاجراء مباحثات مع ميركل على أن بلاده لا يمكن ان تترك وحيدة للتعاطي مع تدفق المهاجرين.

وقال كونتي إن "الحدود الايطالية هي حدود اوروبية. لا بد ان نتعامل سويًا على جبهات عدة بدلًا من الانقسام في اوروبا حول المسؤولية والتضامن". 

يتوجب على ميركل الموازنة بين طلب سيهوفر الذي يريد إغلاق الحدود للوافدين الجدد الذين سجلوا انفسهم بالفعل في دولة اوروبية اخرى، غالبا ايطاليا او اليونان وبين مطالب دول المواجهة في جنوب اوروبا التي تطالب بمزيد من التضامن. 

لا نمسك بزمام القضية
أثار وصول أكثر من مليون طالب لجوء في 2015 و2016 إلى ألمانيا صدمة سياسية لا تزال أصداؤها تتردد حتى الآن.

وكانت أزمة الهجرة من العوامل التي ساهمت في صعود اليمين المتطرف في جميع أنحاء أوروبا، فقد دخل إلى الحكومة في إيطاليا والنمسا، في حين أدى الاختراق الذي حققه في الانتخابات التشريعية والذي تمثل في فوزه بمقاعد لأول مرة في البرلمان الألماني، إلى التجاذبات غير المسبوقة التي نلاحظها حاليا داخل المعسكر المحافظ بزعامة ميركل.

ويطالب الجناح المحافظ من ائتلافها الحكومي الهش، الاتحاد المسيحي الديموقراطي، بتشديد سياسة الهجرة في ألمانيا. الهدف هو رفض استقبال جميع المهاجرين الذي يصلون من الآن فصاعدا إلى الحدود بعد تسجيلهم في دولة أخرى من الاتحاد الأوروبي، هي في غالب الأحيان إيطاليا أو اليونان، ما سيشمل عمليًا جميع طالبي اللجوء الوافدين إلى ألمانيا تقريبا.

ويريد سيهوفر أن تغير المانيا مسارها المتعلق بالهجرة، قائلا "لا يمكنني القول بأننا نمسك بزمام القضية". وفي مؤتمر صحافي بعد اجتماع مع قيادة حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي، قال انه لم يدرك سوى أخيرًا بأن المهاجرين الذين سبق ان رفضت المانيا طلباتهم للجوء، او منعوا من الدخول مجددا، ما زال يسمح لهم بالدخول. وقال "في الجوهر، هذه فضيحة".

ويريد سيهوفر إغلاق الحدود للوافدين الجدد الذين سجلوا انفسهم بالفعل في دولة اوروبية اخرى، غالبا ايطاليا او اليونان. وقال القيادي بحزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي الكسندر دوبريندت في اجتماع الاثنين "ينبغي أن نرسل إشارة الى العالم، لم يعد ممكنا أن تضع قدمك في اوروبا من أجل الوصول الى المانيا".

غير أن المستشارة ترفض ذلك، خشية أن يتسبب تفرد ألمانيا في موقفها بإشاعة الفوضى ويقضي على أي فرص لإيجاد حل أوروبي بالتفاوض وإحلال نظام إيواء بالتقاسم بين الدول الأعضاء. وقالت ميركل "رفض المهاجرين عند حدودنا في قلب اوروبا سيؤدي إلى دومينو ذي نتائج سلبية يمكن أن يضر المانيا".

لكن الاتحاد المسيحي الاجتماعي غير مستعد للتريث والانتظار، إذ يواجه انتخابات محلية صعبة في بافاريا في أكتوبر، وهو يتهم المستشارة وحزبها الاتحاد المسيحي الديموقراطي الذي تحالف معه منذ العام 1949، بالتساهل. وحذر سيهوفر في مقالة نشرت الاثنين في صحيفة "فاز" بأنه "من الأساسي أن تتخذ قمة الاتحاد الأوروبي قرارات أخيرا" معتبرا أن الوضع "خطير لكنه ما زال من الممكن إيجاد حل له" ومؤكدا أن نيته ليست "إسقاط المستشارة".

أسبوع حاسم
ومن المتوقع بالتالي أن يكون الأسبوع حاسمًا لمستقبل المستشارة، وهي تواجه تحديا معقدا لأن ما يطالب به جناحها اليميني هو تحديدا ما ترفضه إيطاليا، دولة وصول المهاجرين التي تطالب بتوزيعهم على أوروبا.

وتستقبل المستشارة الثلاثاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر. كما إن القادة الأوروبيين الرئيسيين قد يعقدون اجتماعا خاصا بهذا الموضوع قبل قمة الاتحاد الأوروبي في 28 و29 يونيو.

وكتبت صحيفة فيلت اليومية "سيكون الأمر بمثابة معجزة إذا ما خرجت (ميركل) رابحة من اجتماع الاتحاد الاوروبي المقبل". ما يزيد الضغط على ميركل تدني شعبيتها في ألمانيا بموازاة تقدم اليمين المتطرف في استطلاعات الرأي.

يزداد الاستياء المتنامي في الراي العام مع وقوع حوادث متفرقة ولا سيما اغتصاب وقتل فتاة بيد طالب لجوء عراقي شاب وصل عام 2015 ورفض طلبه للجوء. كما بدأت الاثنين محاكمة لاجئ أفغاني شاب بتهمة طعن صديقته السابقة البالغة من العمر 15 عاما وقتلها في سوبرماركت.

وفي حال قرر سيهوفر اغلاق الحدود مع انتهاء المهلة، فسوف تضطر المستشارة إلى إقالته، ما سيؤدي إلى تفكك الائتلاف الحاكم منذ ثلاثة أشهر فقط، وسيقود على الأرجح إلى انتخابات جديدة.

وقال مصدر فضل عدم ذكر اسمه في حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي لصحيفة بيلد إن ذلك "سيكون نهاية الحكومة والتحالف بين الاتحاد الديموقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي".