رفض السفير الإيراني لدى هولندا التعليق على مزاعم، بأن بلاده تقف وراء جريمة اغتيال، أربكت الشرطة الهولندية طيلة أكثر من عامين.

يأتي ذلك بعد تقارير بأن الضحية، واسمه وفقا للشرطة الهولندية علي معتمد، كان يعيش بالقرب من أمستردام بهوية مزيفة، بينما كان في الحقيقة واحدا من أبرز المطلوبين الهاربين من إيران.

ويشتبه في أن الضحية، البالغ من العمر 56 عاما، هو محمد رضا كلاهي صمدي، المتهم بتدبير تفجير مقر الحزب الجمهوري الإسلامي في طهرانفي 1981، الذي أسفر عن أكبر عدد من الضحايا خلال العقود الأخيرة في إيران.

وأطلق مهاجمان النار على معتمد من مسافة قريبة، فأردياه قتيلا، في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2015، وفي مارس/ آذار اعتقل رجلان يشتبه في صلتهما بالجريمة.

وكان معتمد يعيش مع زوجته وابنه المراهق، في منزله ببلدة ألمير الهولندية. وكان معتمد يعمل كهربائيا، ويصفه جيرانه بأنه كان لطيفا وهادئا، ومهتما بعائلته.

وتقول الشرطة إن معتمد ليس له سجل جنائي، لكن اغتياله يحمل كل بصمات جريمة القتل المأجور. لكن السؤال هو من كان يرغب في قتله؟

لقطات كاميرات المراقبة

وقعت جريمة القتل في حي هادئ. هنا حيث تطير مجموعات النحل بين شجيرات اللافندر، ويسمع صراخ الأطفال الذين يتدفقون من ملعب المدرسة.

ويقول بول فوغتس، الصحفي المحلي المتخصص في الجرائم: "إنه حي هادئ. بالنسبة لي فهي قصة كبيرة. إذا كان ذلك صحيحا، إذن لدينا سياسة عالمية في ساحتنا الخلفية".

هناك نظرية تقول إنها ربما تكون قضية خطأ في الهوية، لكن الأدلة تشير إلى غير ذلك.

أظهرت لقطات كاميرات المراقبة سيارة، من طراز بي إم دبليو زرقاء اللون، وهي تقوم بثلاث رحلات إلى عنوان الضحية.

في المرة الأولى، غادر معتمد منزله متأخرا عن الموعد المعتاد، وفي المرة الثانية تقول الشرطة إن المهاجمين لم ينفذوا عملية القتل، لأن أحد جيران معتمد خرج معه في نفس التوقيت.

لكن في المرة الثالثة أطلق المهاجمان، وكانا يرتديا زيا أسود، النار على معتمد ولاذا بالفرار. وعثر على السيارة التي هربا بها في وقت لاحق محترقة، في مكان قريب.

وتظهر سجلات المكالمات أنه في كل مرة، من المرات الثلاث، كان المهاجمان يأتيان من أمستردام وينتظران، ما يشير إلى أنهما يعرفان هدفهما تماما.

ماض غامض

أرملة معتمد هي التي أخبرت الشرطة، بأن زوجها كان يخفي ماضيا سريا، وذلك وفقا للصحفي بول فوغتس.

في عام 1981، انفجرت قنبلة في مقر حزب الجمهورية الإسلامية في طهران، أسفرت عن مقتل 73 شخصا، وكان من بين القتلى قاضي القضاة آية الله محمد بهشتي، ثاني أقوى الشخصيات في الثورة بعد آية الله الخميني آنذاك.

واتُهم الشاب محمد رضا كلاهي صمدي بتدبير الهجوم، لكنه اختفي، ثم حكم عليه بالإعدام غيابيا.

ويقول السيد فوغتس إن أرملة معتمد أخبرت الشرطة الهولندية، أن زوجها هو في الحقيقة محمد رضا كولاهي. لقد أخبر ولده بذلك عام 2000، حينما نشرت وسائل إعلام إيرانية صورا قديمة له، مؤكدا أن السلطات الإيرانية لا تزال تبحث عنه حثيثا.

ويقول فوغتس: "لقد كان دائما يقول لولده إنه سيخبره بالقصة كاملة، حينما يبلغ من العمر 18 عاما، الأمر الذي لم يحدث".

ويضيف: "التفسير الأقرب للمنطق أن الاستخبارات السرية الإيرانية عثرت عليه".

مكان جريمة الاغتيال في بلدة ألمير
Dutch police
هزت جريمة الاغتيال بلدة ألمير الهادئة، بالقرب من أمستردام

واستخدم المراسل الصحفي فوغتس جهات اتصالاته السرية، في محاولة للربط بين نقاط الجريمة.

ويقول: "الشيئ الغريب هو أن الأشخاص المتهمين بإطلاق النار على معتمد هم شباب عاديون، من شوارع أمستردام".

يقول السيد فوغتس إن إيران استخدمت، في الماضي، جماعة حزب الله في اغتيال أشخاص. وتعتقد المصادر التي اتصل بها فوغتس أن حزب الله جند أفراد، من عصابات المخدرات، لتنفيذ عملية الاغتيال.

ويعتقد أن "إيران لا تريد أن تترك بصماتها على تلك الجريمة".

قتل برعاية الدولة؟

طالب أوليس إليان، رئيس حزب "في في دي" الليبرالي المحافظ في هولندا، الحكومة بالتحقيق في التقارير، التي تفيد بأن علي معتمد هو في الحقيقة محمد رضا كلاهي صمدي، وأنه ضحية جريمة اغتيال رعتها الدولة الإيرانية.

السيد إليان من أصل إيراني. وعارض أبوه النظام الحاكم وهرب من إيران، حينما كان إليان يبلغ من العمر 15 عاما.

ويقول إليان: "هذا شيئ لا يحدث كل يوم. حقيقة الاشتباه في تورط الدولة تبعث على القلق".

ويضيف: "أخشى من صعوبة أن نثبت هويته الحقيقية، لكن ما أرغب في معرفته هو ماذا سنخبر الشعب، الذين رأوا جريمة الاغتيال في منطقة سكنهم، ونحن لا نملك إجابة. لا تؤكد هولندا أو إيران هويته. ربما لن نعرفها أبدا".

مع اقترابي من البوابة الحديدية للسفارة الإيرانية في لاهاي، حياني ضابط شرطة من مقصورته الأمنية.

مسؤول المعلومات العامة، الذي جاء إلى الخارج لمقابلتي، يقول إنه يعرف اسم رضا كلاهي، لكنه ليس مخولا بالحديث باسم الحكومة الإيرانية، في هذه القضية.

ورد علي عبر البريد الإلكتروني في وقت لاحق، قائلا إن لا أحد في السفارة يمكنه الحديث عن القضية.

وقال متحدث باسم النيابة العامة الهولندية لبي بي سي: "لدينا رجلان رهن الاعتقال، يشتبه في تورطهما في جريمة القتل. ولم تسفر التحقيقات عن العثور على أي دليل على تورط السلطات الإيرانية".

في غضون ذلك، عرضت الشرطة الهولندية جائزة، بقيمة عشرة آلاف يورو، لمن يمكنه "فك اللغز"، في إشارة إلى أن غموض تلك الجريمة لا يزال بعيدا عن الحل.