لندن: بعد نحو 30 عاماً على إعلان فرانسيس فوكوياما نهاية التاريخ وانتصار الديمقراطية الليبرالية لم يعد من الغريب السؤال عما إذا كانت الديمقراطية في أزمة. فأميركا، حاملة شعلة الديمقراطية لزمن طويل، يقودها رئيس يدوس على مبادئها والزعيم الصيني شي جنبينغ يقود بلاده نحو حكم فردي. 

وفي بلدان الأسواق الناشئة يمسك الدفة حكام متسلطون. ويُرجح فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في انتخابات 24 يونيو بعد اعتقالات أو تطهيرات شملت أكثر من 200 الف مواطن تركي لأسباب سياسية. 

سلطات سلطان!

وحين يفوز ستكون له سلطات سلطان. ويتعرض المحتجون في نيكاراغو إلى التعذيب في سجون النظام. وفي غضون أيام سيجني الرئيس فلادديمير بوتين ثمار نصر دعائي كبير باستضافة روسيا بطولة كأس العالم بكرة القدم. 

وتبين مؤشرات حالة الديمقراطية تردي وضعها بدرجة مقلقة منذ الأزمة المالية في عام 2008. فلا غرو أن يشهد هذا العام انتعاشاً في الكتب التي تصدر بعناوين مخيفة مثل "هكذا تنتهي الديمقراطية" و"الشعب في مواجهة الديمقراطية". ويُلاحظ ان تراجع الديمقراطية يشترك بسمات متماثلة من فنزويلا إلى المجر. 

أربعة مراحل

يحدث تفكيك الديمقراطيات الجديدة نسبياً على أربعة مراحل. 

أولا يأتي الاستياء الشعبي من الوضع القائم. وكان المجريون تضرروا بآثار الأزمة المالية ثم ارعبتهم أفواج اللاجئين المارين عبر أراضيهم إلى المانيا. 

وفي تركيا أُدينت النخب العلمانية بتهمة تهميش المسلمين الذي يشكلون غالبية الشعب التركي. 

ثانياً، ان الحكام المتسلطين يشيرون إلى أعداء لتوجيه غضب الناخبين ضدهم. 

فبوتين يتحدث عن مؤامرة غربية لإذلال روسيا، والرئيس الفنزيلي نيكولاس مادورو يتهم أميركا بالوقوف وراء متاعب بلاده، ورئيس الوزراء المجري فكتور اوربان يحمل الملياردير الاميركي جورج سوروس مسؤولية المشاكل في بلده. 

ثالثا، بعد أن يفوز الحكام المتسلطون بالحكم مستغلين هذا الاستياء يشرعون في تقويض الصحافة الحرة والقضاء المستقل والمؤسسات الأخرى التي تشكل الركن "اللبيرالي" من الديمقراطية. 

وفي المرحلة الرابعة والأخيرة، يؤدي تآكل المؤسسات الليبرالية إلى موت الديمقراطية من كل ناحية إلا الاسم. 

الركود الاقتصادي والهجرة

وتقول مجلة الايكونومست في تحليلها لحال الديمقراطية اليوم بأن من الصعب تحديد الديمقراطيات المهددة بالموت مشيرة إلى أنّ الركود الاقتصادي والهجرة كثيراً ما يكونان نُذر متاعب مقبلة. 

ولكنهما ليسا شرطين ضروريين أو كافيين. فدعائم الديمقراطية اهتزت في بولندا ذات الاقتصاد المنتعش والقليل من المهاجرين والتي حققت مكاسب كبيرة من عضويتها في الاتحاد الاوروبي. الأهم من هذه العوامل الأساسية هو ما يتعلمه الحكام الاوتوقراطيون من احدهم الآخر، بما في ذلك طريقة نشر الأخبار الكاذبة وتكميم الصحافيين الجريئين ولعب ورقة الشعبوية. 

وبحسب مجلة الايكونومست فان هذه السمات المشتركة تقدم بعض الدروس في مقدمتها إن للمؤسسات أهميتها. فالقضاة النزيهون والصحافيون المبدئيون هم خط الدفاع الأول عن الديمقراطية. 

وعلى الجهات المانحة والمنظمات غير الحكومية ان تضاعف جهودها لدعم حكم القانون وحرية الصحافة رغم ان الحكام المتسلطين سيتهمونها بالعمالة للأجنبي. والدرس الثاني هو ان تراجع الديمقراطية مدفوع بحكام متسلطين انتهازيين وليس بإقبال الناخبين على ايديولوجيا غير ليبرالية. وهذا يجعل انظمة كهذه هشة في نهاية المطاف. 

والدرس الأخير وغير المريح هو ان لمثال الديمقراطيات الناضجة أهميته. فمؤسسات اميركا القوية ستلجم الرئيس دونالد ترمب في الداخل ولكنها لا تمنع إزدراءه للمبادئ الديمقراطية الكذب الدائم وصداقاته مع حكام دكتاتوريين من توفير غطاء للساعين إلى اقامة أنظمة سلطوية. 

باختصار ان التقارير التي تتحدث عن موت الديمقراطية مبالغ بها ولكن شكل الحكم الأقل سوء من جميع اشكال الحكم الأخرى في أزمة ويحتاج إلى مدافعين عنه. 

أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "الايكونومست". الأصل منشور على الرابط التالي:

https://www.economist.com/leaders/2018/06/16/lessons-from-the-rise-of-strongmen-in-weak-states?frsc=dg%7Ce