باريس: بدأت فرنسا على غرار الدول النووية الأخرى بتحديث قوتها الرادعة من خلال استثمارات ضخمة لصيانة مصداقية "حجر الزاوية" في منظومتها الدفاعية في عالم حافل بمخاطر يصعب توقعها.

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كانون الثاني/يناير إن "الردع يشكل جزءاً من تاريخنا، من استراتيجيتنا الدفاعية وسيبقى كذلك"، متعهدا تجديد المعدات البحرية والجوية في الترسانة النووية الفرنسية.

تعتزم باريس إنفاق حوالي 37 مليار يورو لصيانة وتحديث ترسانتها النووية بين عامي 2019 و2025، أي أكثر من 10% من مجهود ميزانية الدولة بموجب قانون التخطيط العسكري على مدى السنوات السبع القادمة. والهدف هو تكييف أداة الردع مع التهديدات الجديدة بين المجال البحري الذي يزداد اكتظاظاً بالغواصات والطائرات بدون طيار بشكل خاص، والمجال الجوي الذي تزداد أدواته تطوراً في مجال الدفاع الصاروخي والدفاع الجوي وغيرها.

ويقيم سلاح الجو الفرنسي الخميس حفلاً في قاعدة ايستر الجوية في جنوب فرنسا بمناسبة سحب مقاتلة ميراج "2000 ان" بعد 30 سنة من الخدمة لصالح منظومة الردع.

وستصبح خليفتها طائرة "رافال ب" الوحيدة الحاملة للصاروخ النووي جو-أرض متوسط ​​المدى الذي سيتم تجديده بحلول العام 2020، قبل أن يصبح لدى فرنسا نظام جوي أرضي من الجيل الجديد بحلول العام 2035.

وقال الجنرال بيار-جان دوبون نائب قائد القوات الجوية الاستراتيجية في منتصف حزيران/يونيو إن هذه القوات "تفتح صفحة جديدة" تتمثل في الانتقال إلى الاعتماد فقط على طائرات رافال وكذلك تدشين الطائرة الأولى من 15 طائرة "أ 330 ام ار تي تي" للتزود بالوقود في الجو في تشرين الأول/أكتوبر والتي ستحل تدريجيا محل أسطول طائرات "سي 135" الموجودة في الخدمة منذ خمسين عاما. ويعد امتلاكها هذه الطائرات الجديدة أساسياً لتأمين الردع النووي.

وفي ما يتعلق بالمحيطات، تخطط باريس لاستكمال التحديث الجاري لغواصاتها النووية الأربع التي ستجهز ابتداء من العام 2025 بنسخة جديدة من الصاروخ البالستي العابر للقارات "ام 51". بعد ذلك وفي ثلاثينات الألفية الثانية، ستحصل فرنسا على الجيل الثالث من الغواصات النووية المسلحة.

- "العصر النووي الثالث" -يندرج خيار فرنسا هذا ضمن اتجاه عالمي، إذ يفيد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام بلهجة تنم عن قلق في تقرير صدر الاثنين أن الولايات المتحدة وروسيا، وهما البلدان اللذان يملكان معاً أكثر من 90% من الرؤوس النووية في العالم، وكذلك بريطانيا والصين والهند وباكستان وإسرائيل وكوريا الشمالية "كلها تطور أو تنشر أنظمة أسلحة نووية جديدة، أو أعلنت نيتها القيام بذلك".

وبعد مرور خمسين عاماً على توقيع معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، تحبط هذه الحماسة المتجددة لتطوير ونشر الأسلحة النووية آمال دعاة نزع التسلح، على الرغم من منح جائزة نوبل للسلام في العام 2017 للحملة الدولية من أجل إلغاء الأسلحة النووية.

وحذر وزير الدفاع الفرنسي الأسبق بول كيليس الذي شارك في تأليف كتاب "الوهم النووي" من أن "الحفاظ على سياسة الردع النووي ليس سوى القبول بخطر الانتحار الجماعي"، شاجباً عدم طرح هذه القضية الاستراتيجية للنقاش في فرنسا.

ويرد توماس غومارت، مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، قائلاً "إذا كان نزع السلاح النووي يظل هدفا منشوداً ومحبذاً على المدى الطويل، فإن الحملات المطالبة بذلك لا ينبغي أن تخطئ الهدف: إنه ليس مستوى الاكتفاء الصارم للترسانة الفرنسية، بل ظهور فاعلين جدد والغموض العقائدي لدى القوى التقليدية".

ويقول الأميرال بيار فاندييه في كتابه "الردع في العصر النووي الثالث" الصادر في 2018 إن السلاح النووي ليس دفاعياً فحسب، بل أصبح وفق تعبيره أداة هجومية من أجل "التفاوض" أو "الابتزاز" لدى قوى إقليمية مثل كوريا الشمالية، يسمح لها "بممارسة الضغط المباشر على القوى النووية الكبرى" أو حتى "زيادة مستوى المزايدة في الأزمات الجانبية".

في مثل هذه الظروف، يقول الجنرال دوبون، إن "الردع النووي لا يمكن إلا أن يبقى حجر الزاوية في استراتيجية الدفاع الفرنسية".