إيلاف من لندن: دعت منظمة حقوية دولية السلطات القضائية العراقية اليوم إلى تغيير مقاربته في التعامل مع النساء والأطفال الأجانب المحتجزين المتهمين بالانتماء إلى تنظيم داعش وتوفير معايير محاكمات عادلة لهم منوهة إلى أنّ 1300 عنصرا أجنبيا للتنظيم تجري محاكمتهم في العراق.

وأشارت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير الجمعة اطلعت على نصه "إيلاف" إلى أنّ العراق اجرى منذ كانون الثاني يناير الماضي محاكمات متسرعة العراق ضدّ أجانب متهمين بدخول البلاد بطريقة غير شرعية والانتماء إلى داعش أو تقديم مساعدات له، دون اهتمام كاف بالظروف الفرديّة لكلّ حالة ودون ضمان محاكمات عادلة للمشتبه فيهم.

واوضحت انه حُكم على معظم النساء الأجنبيات إما بالإعدام أو السجن المؤبد. كما يُحاكم القضاء العراقي أطفالا أجانب، في سنّ 9 سنوات وأكثر، بنفس التهم وحكم عليهم في بعض الحالات بالسجن لفترات تصل إلى 5 سنوات بتهمة الانتماء إلى داعش، وإلى 15 سنة بتهمة المشاركة في أعمال عنيفة.

الاولوية للجرائم الاكثر خطورة

وقال نديم حوري مدير برنامج الإرهاب ومكافحة الإرهاب في هيومن رايتس ووتش إن "عدم مراعاة الظروف الخاصة للنساء اللواتي سافرن إلى العراق للعيش في ظلّ داعش أو الأطفال الذين جاؤوا مع أهلهم يجهض العدالة في الكثير من الحالات... ولذلك فأن على القضاء العراقي أن يأخذ بعين الاعتبار الظروف الفردية والأفعال الشخصية، وإعطاء الأولوية لمحاكمة الجرائم الأكثر خطورة مع استكشاف بدائل للجرائم التي تقلّ خطورة".

 

أجنبيات في تنظيم داعش مع أطفالهن لدى محاكمتهن في بغداد

 

وأشارت المنظمة إلى أنّها حضرت محاكمات 7 نساء و3 أطفال أجانب، وتحدثت مع أقارب محتجزين وبعض محامي الدفاع، وراجعت تقارير إعلامية حول محاكمات لـ 72 امرأة أجنبية على الأقل حيث تنحدر النساء من عدّة دول، منها تركيا، روسيا، فرنسا، ألمانيا، أذربيجان، طاجيكستان، وترينيداد وتوباغو.

وأضافت ان معظم النساء والأطفال الأجانب المحتجزين في العراق ينتمون إلى مجموعة تتكون من أكثر من 1,300 أجنبي اعتقلتهم القوات العراقية أواخر أغسطس من العام الماضي أثناء معركة تلعفر معقل داعش في شمال غرب العراق. وقال مصدر إن المجموعة كانت تتكون من 509 نساء و813 طفلا، رغم أنه يُعتقد أن العدد الإجمالي للنساء والأطفال الأجانب المحتجزين أعلى من ذلك، استنادا إلى معلومات من مصادر مقرّبة من نظام السجون في بغداد.

ونوهت المنظمة إلى أنّ رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي كان قد أشار في سبتمبر الماضي في مقابلة أن أغلب النساء والأطفال لم يرتكبوا أي جرائم، وأن الحكومة كانت على "تواصل كامل" مع بلدانهم "لإيجاد طريقة لتسليمهم" لكن يبدو أن العراق غيّر هذه المقاربة منذ بداية يناير وشرع في محاكمة النساء والأطفال في سنّ 9 سنوات وأكثر وفي نفس الوقت، يتم احتجاز النساء والأطفال في أماكن مكتظة.

زنزانات ضيقة

ونقلت هيومن رائيس ووتش عن أحد أقارب امرأة محتجزة منذ أشهر مع طفلها البالغ من العمر سنتين في زنزانة تنعدم فيها التهوية مع حوالي 25 امرأة أخرى قرب الموصل قوله "الأكل الذي يقدّم لهنّ بالكاد يكفيهن للبقاء على قيد الحياة. العديد منهنّ عانين من المرض دون أن يزورهن طبيب. إحدى السجينات (معها) أنجبت طفلها داخل الزنزانة".

وأضافت المنظمة انه برغم طلباتها المتكررة فأنه لم يُصدر العراق أيّ إحصاءات بشأن محاكمات الأجانب. واوضحت انه عملا بالقانون العراقي، تم توفير محامين ومترجمين للمشتبه فيهم، رغم أن المترجمين كانوا في كثير من الأحيان دون أي مؤهلات، ويتم اختيارهم من بين الحضور ومع ذلك، لم تتوفر فرص لإعداد دفاع جاد وذي معنى في الحالات التي راجعتها. وقال محامون لـ هيومن رايتس ووتش إنهم نادرا ما اتصلوا بموكّلاتهم قبل الجلسات، وفي الحالات المذكورة، سارع القضاة إلى رفض حجج المتهمات، بما فيها مزاعمهنّ بأنهنّ اتّبعن أزواجهن أو أجبرن على ذلك، وأنهن لم يساندن داعش ولم ينتمين إلى التنظيم بشكل رسمي.

وبينت المنظمة انها "لا تستطيع تقييم مدى مصداقية هذه المزاعم، وتقرّ بأن بعض النساء ربّما ساهمن في الانتهاكات التي ارتكبها داعش لكن يتعيّن على القضاة ضمان تمكين المتهمات وممثليهن من إعداد وتقديم جميع الأدلة أثناء الدفاع، بما في ذلك الظروف الفرديّة التي أوصلتهنّ إلى العراق، والتحقيق في مساهمتهن في انتهاكات داعش، إن وُجدت".

اكتظاظ معتقلات النساء والاطفال

وأضافت هيومن رايتس أنه عادة ما يُحتجز الأطفال دون سن 3 سنوات مع أمهاتهم في زنزانات تكون غالبا مكتظة فأن الأطفال بين سن 3 و9 سنوات يُفصلون عن أمهاتهم المحتجزات ويوضعون في مؤسسات حاضنة تُديرها الدولة العراقية. أما الأطفال بين 9 و18 سنة، فيُحتجزون في مراكز احتجاز للأحداث، بحسب ما قاله محام متابع للقضايا لـ هيومن رايتس ووتش. يُترك الأيتام الأجانب في دور أيتام محلية. نُقل بعض الأطفال الأجانب إلى دولهم الأصلية، بينما ما زال آخرون ينتظرون نقلهم.

واوضحت المنظمة انه برغم تمكنها من زيارة مراكز احتجاز، إلا أنها تلقت العديد من التقارير حول الاكتظاظ الذي تعاني منه السجون التي يُحتجز فيها نساء وأطفال أجانب منذ أن سلّموا أنفسهم للقوات العراقية في أغسطس 2017.

وقالت ان غياب الفرص لإعداد دفاع جيّد، الطبيعة الفضفاضة للتهم، والسرعة التي تمت بها المحاكمات كلها تشير إلى أن هذه المحاكمات لم تراع معايير المحاكمة العادلة إضافة إلى ذلك، قد تنتهك فترات السجن المطوّلة وغير المتناسبة الحظر المفروض على العقوبة القاسية واللاإنسانية. وأشارت إلى أنّه حتى لو افترضنا أن السجن مبرّر في حالة معيّنة، فإن مسألة التناسب تنتقل إلى مدّة العقوبة. يجب أن تأخذ العقوبات السجنية بعين الاعتبار خطورة الجريمة ومدى تورط الجاني.

دعوة لاعادة تأهيل الاطفال

وطالبت هيومن رايتس ووتش السلطات العراقية بإعطاء الأولوية لمحاكمة المتورطين في أكثر الجرائم خطورة مع البحث عن بدائل أخرى لمن أجبروا على السفر للالتحاق بداعش أو العيش في ظلّ التنظيم دون أي يؤذوا أي شخص في العراق حيث تشمل هذه البدائل التعويض أو خدمة المجتمع أو المشاركة في الإجراءات الوطنية لكشف الحقيقة وعند تعاملها مع الأطفال، على السلطات التركيز على إعادة التأهيل، وليس الإجراءات العقابية.

وحملت العراق مسؤولية ضمان سلامة النساء والأطفال المحتجزين لديه واحترام حقوقهم الأساسية لكن ينبغي على الدول الأصلية لهؤلاء وسفارات الدول الأخرى تشجيع السلطات العراقية على ضمان حصول جميع المتهمين، بمن فيهم رعايا الدول المعنية، على محاكمات عادلة تراعي سلامة الإجراءات، وألا يُحكم عليهم بالإعدام.

دعوة لمحاكمات ذات مصداقية

ودعت المنظمة العراق إلى وضع استراتيجية وطنية تعطي أولوية لإجراء محاكمات ذات مصداقية للمتورطين في أكثر الجرائم خطورة. وعلى المجتمع الدولي دعم برامج تُمكّن من توفير بدائل للاحتجاز والمحاكمة، بما في ذلك برامج إعادة التأهيل والإدماج الموجهة للأطفال المشتبه فيهم بالانتماء إلى داعش.

واكدت على السلطات العراقية بضرورة اللجوء إلى محاكمة الأطفال المشتبه فيهم فقط كملاذ أخير، على أن يكون الهدف من أي عقوبة تصدر ضدّهم إعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع. لا يجب محاكمة الأطفال الذين جلبهم أباؤهم إلى العراق على دخول البلاد بطريقة غير شرعية إذا لم تكن أمامهم أي خيارات أخرى. على السلطات أيضا إلغاء محاكمات الأطفال فقط بسبب انتمائهم إلى داعش إذا لم يرتكبوا أي جرائم أخرى بأنفسهم.

وشددت هيومن رايتس ووتش على ضرورة أن تكون العقوبات متناسبة مع الجرائم المرتكبة وحذرت من انه قد تتسبب المحاكمات الفضفاضة بتهم إرهابية لجميع المنتسبين إلى داعش، بصرف النظر عن خطورتها الجنائية، في نتائج ظالمة فتضيع في نهاية المطاف المسؤولية عن الجرائم المروّعة التي ارتكبها داعش.

وقال حوري مدير برنامج الإرهاب ومكافحة الإرهاب في المنظمة "في ظلّ المقاربة العراقية الحالية، فإن الذين ارتكبوا أعمال قتل لصالح داعش ينالون نفس العقوبة الصادرة ضدّ نساء تزوجن بعناصر من التنظيم وأنجبن منهم أطفالا وهذه المقاربة لا تحرز أي تقدّم في مسار العدالة أو حقوق الضحايا ولذلك فأنعلى العراق تغيير هذا النهج".