في اتصاله الهاتفي مع العاهل السعودي الملك سلمان السبت الماضي كان العنوان الرئيس للمكالمة استقرار السوق النفطية ونمو الاقتصاد العالمي وتعويض النقص في الأسواق النفطية الناتجة من العقوبات التي ستفرض على التصدير الإيراني ومشاكل الإنتاج في فنزويلا. ويعتبر اتصال الرئيس الأميركي دونالد ترمب بقائد دولة حليفة وتقدمه بطلب محدد بالمساعدة يعتبر أمرًا نادرًا.

إيلاف: هنا نرى تدخلًا سياسيًا في أسواق النفط على أعلى المستويات. يبلغ الإنتاج الإجمالي للسعودية وروسيا والولايات المتحدة حوالى 33 مليون برميل يوميًا، وهذا يمثل ثلث ما ينتجه ويستهلكه العالم. وهو أعلى بقليل من إنتاج مجموعة أعضاء منظمة "أوبك" مجتمعين. 

وحسب أرقام وكالة الطاقة الدولية، ينتج العالم 100 مليون برميل يوميًا تقريبًا. بعبارة أخرى 3 دول ستقرر الأجندة النفطية في السنوات المقبلة. 

وتشير آخر الأنباء إلى أن وزير الطاقة السعودي خالد الفالح تحدث مع نظيره الروسي ألكسندر نوفاك الاثنين، وأكدا أنه حسب اتفاق فيينا، قررت مجموعة "أوبك وشركائها" رفع الإنتاج بواقع ومعدل مليون برميل يوميًا.

تراجع وتردد أميركي
بعد أسبوع من التصعيد والتهديد بمعاقبة من يواصل استيراد النفط الإيراني من شركات عالمية وحكومات، يبدو أن البيت الأبيض أخذ الآن يراجع حساباته، بعد إدراك خطورة المواقف التي يتخذها الرئيس ترمب من حين إلى آخر، والتي تهدد الاقتصاد العالمي مثل حرب التعرفة الجمركية مع الصين والاتحاد الأوروبي.

وبعد اتصالات ترمب مع المملكة العربية السعودية والضغط من أجل رفع الإنتاج بحجة تعويض النقص في السوق الناتج من مقاطعة إيران وتعطيلات الإنتاج في فنزويلا، صرح مدير التخطيط السياسي في الخارجية الأميركية بريان هوك، وحسب مصادر "بلومبيرغ" موقع المال والأعمال الأميركي أن الإدارة الأميركية ستسمح لشركات وحكومات بشراء النفط الإيراني تحت آلية الإعفاء والاستثناء بعد تفعيل حظر التصدير الإيراني للنفط في 4 نوفمبر المقبل.

استطرد بريان هوك بالقول إن الهدف هو تقليص الإيرادات الإيرانية من النفط إلى الصفر بحلول 4 نوفمبر المقبل. "ولكن سنمنح إعفاءات وتنازلات حسب الظروف". الخلفية هي عدم قبول ترمب بالاتفاق النووي، الذي وقعته الدول الخمس زائد واحد في صيف 2015 مع إيران، والذي أعلنت الإدارة الأميركية الانسحاب منه في أوائل 2018. 

هذا التدخل الأميركي أدى إلى ارتفاع أسعار النفط بنسبة 3.5%، وسبب انزعاجًا في الهند والصين، وكلاهما مستورد كبير للنفط الإيراني.

ومن الجدير بالذكر أن أكثر من 50 شركة أعلنت نيتها الخروج من السوق الإيرانية خوفًا من العقوبات الأميركية. وتصدر إيران 2.5 مليون برميل يوميًا، وهذا أقل من ثلث التصدير السعودي، البالغ بين 6.5 إلى 7 مليون برميل يوميًا. وحسب وكالة الطاقة الدولية تستورد آسيا ثلثي النفط الإيراني، علمًا أنه في الفترة 2013 – 2015 انخفضت صادرات إيران إلى 1.5 مليون برميل يوميًا بسبب حزمة عقوبات سابقة.

تلوم آخر تغريدة من ترمب أثناء عطلة نهاية الأسبوع المذنب وهو جانب الإمدادات أو منتجي النفط في الشرق الأوسط، أي بكلام صريح (منظمة أوبك التي تقودها السعودية).

الموقف السعودي
وحسب تحليلات خبراء نفط في الغرب ترغب السعودية في أن تكون لديها سعة إضافية فائضة عن الحاجة بحدود 1.5 إلى 2 مليون برميل يوميًا، لكي يتم اللجوء إليها في الحالات الاستثنائية، مثل كبح جماح الأسعار أو لتعويض شحة الإمدادات في السوق.

تنتج السعودية الآن بحدود 10.5 مليون برميل يوميًا، وليست صعبة جدًا زيادة ذلك إلى 11 مليون، ولكن تحقيق 12 مليون برميل يوميًا، كما يرغب ترمب أمرًا صعبًا جدًا لوجستيًا وتقنيًا. نظريًا تستطيع السعودية رفع الإنتاج الى 15 مليون برميل يوميًا، وتصدير 11.5 مليون برميل يوميًا على المدى الطويل، ولكن بعد إكمال مشاريع بنية تحتية عملاقة، مثل بناء ميناء ضخم جديد على البحر الأحمر، حسب تقرير لوكالة رويترز، الذي يشير إلى أقوال نائب مدير المشاريع الإنتاجية في شركة أرامكو.

وإذا تمكنت السعودية فعلًا من إنتاج 12 مليون برميل يوميًا، فنكون قد دخلنا في منطقة المجهول. ماذا سيكون رد فعل إيران؟، وماذا عن أعضاء منظمة أوبك الآخرين؟، ماذا سيكون التأثير على منتجي الزيت الصخري الأميركية إذا انهارت الأسعار؟، وماذا سيكون رد فعل السوق إذا تم إغراقها بالنفط السعودي؟... أسئلة كثيرة تعقد الصورة ولا تساعد ترمب.

السعودية تفضل رفع الإنتاج تدريجيًا، ربما بواقع 500 ألف برميل يوميًا، وخلال شهور إلى 750 ألف برميل، وهكذا لكن ليس مليونين برميل كما يريد ترمب. السعودية تريد سعرًا بحدود 80 دولار للبرميل لأسباب عديدة، وأهمها أن تكون قيمة أرامكو جذابة في أسواق البورصة عندما يتم طرح 5% من قيمتها للاكتتاب العام في أسواق البورصة العالمية عام 2019. لذلك ليس من مصلحة السعودية رفع الإنتاج إلى درجة تهدد الأسعار بنسبة كبيرة.

أزمة ترمب الحقيقية
أزمة ترمب الحقيقية ليست أسعار النفط العالمية، بل أسعار البنزين والوقود، التي ارتفعت في محطات بيع التجزئة لأصحاب السيارات والشاحنات، أي للناخبين الذين ساعدوا ترمب على الوصول إلى البيت الأبيض. 

وحسب أرقام مصادر طاقة أميركية سيدفع السائق الأميركي حوالى 440 دولار إضافية خلال هذا العام إضافة إلى ما دفعه عام 2017، وسيعاقب الناخب حزب الجمهوريين الحاكم إذا لم تهبط الأسعار. وتزداد مصاعب ترمب مع بدء موسم القيادة والإجازات، حيث يصعد استهلاك البنزين إلى أعلى مستوياته في الولايات المتحدة، وكذلك اقتراب موعد الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي في نوفمبر المقبل.

مشاكل في فنزويلا وليبيا حرمت السوق من 1.5 مليون برميل يوميًا، حتى إن شركة صنقور للطاقة الكندية تعاني من صعوبات تقنية، وقد أوقفت إنتاج نفطي بواقع 350 ألف برميل يوميًا. فمشكلة ترمب لن تحلّ مهما فعلت السعودية وشركاؤها في أوبك. وسيبقى الشح في الإمدادات لا علاقة له بأوبك وحدها.

حتى الإنتاج الأميركي لا يساعد ترمب
التغيير الكبير الذي حدث على الساحة النفطية كان بين 2003 و2008 وهو الطفرة في إنتاج الزيت الصخري الأميركي الذي ارتفع من صفر إلى 8 ملايين برميل يوميًا. الإنتاج الأميركي الحالي من جميع المصادر وصل إلى 10.9 مليون برميل يوميًا وفقًا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية الصادرة في الأسبوع الأخير من يونيو الماضي. 

وزاد إنتاج الخام الأميركي 30 في المائة تقريبًا في العامين الماضيين، وهو يقترب الآن من مستوى إنتاج روسيا أكبر منتج في العالم، والتي ضخت 11.1 مليون برميل يوميًا في أول أسبوعين من يونيو. كما يفوق إنتاج الخام الأميركي حاليًا مستوى إنتاج السعودية أكبر دولة مصدرة للنفط، والتي تنتج 10.5 مليون برميل يوميًا. وحسب مصادر طاقة رسمية أميركية استوردت الصين بحدود 360 ألف برميل يوميا من نفط الخام الأميركي خلال الأسابيع القليلة الماضية.

مصافي التكرير الأميركية تشتغل على أقصى حد، وتكرر 2.5 مليون برميل يوميًا، ويعاني الإنتاج الأميركي من مشاكل بنية تحتية ونقص في السعة الأنبوبية والموانئ لتحريك الإنتاج المتزايد في حوض بيرميان تكساس وخليج المكسيك، وهذا يفسر الفرق السعري البالغ 7-10 دولار بين مزيج برنت وغرب تكساس الوسيط.

خلاصة الحديث أن تدخل الرئيس الأميركي يزيد المشاكل تعقيدًا، ويحرج الحلفاء، ولا يساعد على حل الأزمة.