شهدت الجلسة الافتتاحية لندوة "الفكر الديني الحاضن للإرهاب: المرجعية وسبل مواجهته"، مساء الثلاثاء، ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي في دورته الأربعين، نقاشًا بين مفكرين عرب حول الإرهاب وعلاقته بالدين الإسلامي، حيث أجمعوا على ضرورة تضافر الجهود من أجل حماية الدول العربية والعالم من مخاطر التطرف العنيف وتحرير الدين من قبضة الجماعات الإسلامية المتشددة.

إيلاف من أصيلة: نبّه المشاركون في الندوة إلى ضرورة التمييز بين الإسلام والإرهاب، حيث خلق مفهوم "الإرهاب الإسلامي" جدلًا بين المتدخلين، بعدما اعتبر المفكر اللبناني رضوان السيد، أن العالم من حقه أن يوظف هذا المصطلح، في المقابل اعترض الكاتب والإعلامي الكويتي محمد غانم الرميحي، على استعمال هذا المفهوم.

تشويه علاقات
واعتبر الكاتب اللبناني رضوان السيد أن الإرهاب والعنف كان دائمًا مصدره الديانات السماوية، معتبرًا أن العصر الحالي يتميز بوجود جماعات إرهابية تستند إلى مرجعية دينية إسلامية متشددة، داعيًا المؤسسات الدينية الرسمية والبرلمانات العربية إلى التصدي لهذا الفكر المتشدد.

دافع السيد عن الحق في استعمال مصطلح الإرهاب الإسلامي، حيث قال: "من حق العالم أن يسمّي الإرهاب إرهابًا إسلاميًا"، وذلك بسبب تورط إسلاميين متشددين في غالبية الأحداث والعمليات الإرهابية التي يشهدها العالم. 

وأضاف السيد أن الحالة التي نعيشها اليوم "مشابهة لما كانت عليه الحال مع تجربة الاتحاد السوفياتي عندما كانت تسمّى أفعال ستالين إرهابًا".

واعتبر المتحدث نفسه، أن ما فعله أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي، ومن بعده تنظيم داعش، وقبله مجموعة من الأحداث الدامية كلها، تستند إلى "أطروحة دينية إسلامية متشددة، ولا يمكن إنكار ذلك"، مبرزًا أن الإرهاب "يضرّ بنا نحن المسلمين أكثر مما يضر العالم، فضلًا عن تشويه علاقاتنا بالعالم". 

المسلمون أول ضحاياه
تباينت وجهات النظر بين المشاركين في الندوة حول علاقة الإرهاب بالدين بصفة عامة، وربطه بالدين الإسلامي تحديدًا، حيث اعترض الكاتب الكويتي محمد الرميحي على توظيف عبارة "الإرهاب الإسلامي"، كما ذهب إلى ذلك رضوان السيد، واعتبر أن المنطق العقلي يرفض تقبل فكرة أن الإرهاب إسلامي ومرتبط بدين الإسلام. 

وقال في مداخلة بالمناسبة: "عقلًا لا يمكن التفكير في أن هذا الكمّ من البشر الذين يعتنقون الإسلام من ثقافات متعددة، أن يكون هذا الدين دينًا إرهابيًا"، مؤكدًا أن الإرهاب ظاهرة عالمية، والمسلمين هم من بين ضحاياها.

أضاف الرميحي أن مفهوم "الإرهاب الإسلامي" الذي يتم تداوله على نطاق واسع "مفهوم خاطئ"، وذلك في رد مباشر على المفكر السيد، الذي أعلن تشبثه بأحقية الغرب في توظيف هذا المصطلح.

من جهته، قال منصور خالد وزير خارجية السودان السابق، إن العنف كان دائمًا ظاهرة مصاحبة للأديان السماوية، و"ينبغي ألا نخطئ هذه الحقيقة"، مؤكدًا أن التنوير الإسلامي لم يبدأ إلا بعد التلاقح الفكري الذي حصل مع الأديان المختلفة وقبول المسلمين والتعايش مع الآخر.

التعصب مدخلًا
أضاف منصور أنه عندما يقال "الحرب الصليبية"، فإن ذلك يعطيها "معنى سياسيًا"، معتبرًا أن من أخطر الحروب التي وقعت بين الصحابة أنفسهم هي "موقعة الجمل"، والتي لم تكن حربًا حول الخلافة الراشدة، بل كانت حربًا سياسية بين طائفتين، وعندما ترى أن واحدة يقودها علي بن أبي طالب، وأخرى تقودها أم المؤمنين، تتعجب".

وأشار المتحدث عينه إلى أن انتشار الإسلام وانتقاله إلى آسيا فتح الباب أمام قيام دول وأفكار أثرت في المنطقة العربية وسكانها، مبرزًا أن أكثر دولة أثرت في الفكر الإسلامي المشرقي هي باكستان، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، التي تبنت الأفكار التي طرحها أبو الأعلى المودودي، والتي كرّست التوجّه نحو الانغلاق والتشدد.

أما المفكر العراقي والباحث حسين شعبان، فذهب إلى أن العالم كله يعاني من "التطرف والتعصب والعنف والإرهاب"، مؤكدًا أن الإرهاب لا يمكن أن يحدث من دون تعصب. 

غياب تحديد المصطلح
وأشار شعبان إلى أن الذي يمارس العنف يختار ضحيته بناء على أسس دينية أو عرقية أو طائفية، بينما الإرهاب "يضرب عشوائيًا ولا يعرف الضحايا أحيانًا، وهدفه بث الرعب والهلع في صفوف المجتمع لأغراض سياسية في الغالب".

وأبرز المتحدث نفسه أن من أهم الإشكالات التي يواجهها العالم، هو غياب تعريف واضح لمفهوم الإرهاب الدولي، مسجلًا أن هناك العشرات من الاتفاقيات الدولية الداعية لمكافحة الإرهاب "ولا اتفاقية واحدة حددت معنى دقيقًا للإرهاب وعرفته".

وكان محمد بن عيسى أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، قد أشار إلى أن منطلق الندوة هو الدعوة إلى فك الارتباط بين الإرهاب من حيث هو "ظاهرة عدمية مدمّرة وجوهر الديانات التي تلتقي فيها قيم السلم والكرامة الإنسانية وحرمة الأنفس"، مشددًا على أن هذه المعاني حاضرة "بقوة في الإسلام دينًا وثقافة وحضارة".

وأفاد بن عيسى أن العالم وصل إلى "وضع خطير لم يعد من الممكن السكوت عنه، ولم تعد تجدي في التعامل معه القوالب الفكرية المألوفة والمقاربات التحليلية التقليدية"، وطالب المشاركين بتسليط الأضواء الكاشفة على ظاهرة الإرهاب في جوانبها "العقدية والفكرية والمجتمعية من خلال التحليل الموضوعي الدقيق الذي يتجاوز التفسيرات المتسرعة والمصادرات السائدة والآراء الشائعة". 

 وحث المشاركين على ضرورة الاستثمار في المجال التعليمي والعمل على بناء نموذج معرفي جديد يتجاوز الاختلالات والمشاكل التي تتخبط في المنظومة التربوية والتعليمية والبلدان العربية، كما شهدوا على محورية إعادة النظر في الموروث الديني والمنظومة الفقهية والعمل على تجديدها بما يتلاءم مع تطور ومستجدات العصر.