أصيلة: دعا أكاديميون وخبراء إلى تعزيز فقه السلم والإختلاف في المجتمعات العربية والإسلامية، من أجل محاصرة التطرف والتشدد الذي تستثمره الجماعات الإرهابية للإيقاع بالشباب وتسخيرهم لتنفيذ مخططاتها التخريبية.

جاء ذلك في جلسات اليوم الثاني لندوة "الفكر الديني الحاضن للإرهاب: المرجعية وسبل مواجهته"، المنظمة ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي في دورته الأربعين، حيث ناقش المتدخلون إصلاح مناهج التعليم ومراجعة منظومة الفقه وتعزيز ثقافة السلم والاختلاف والاعتراف بالآخر، لدى المجتمعات العربية والإسلامية لتجفيف منابع الفكر الإرهابي المتشدد.

التعليم ومواجهة الإرهاب 

ومثل إصلاح مناهج التعليم وضرورة مراجعته قاسما مشتركا بين غالبية المداخلات، التي ركزت على أهمية هذه المسألة في تحصين الشباب والأجيال الصاعدة من الإرهاب والتطرف، حيث اعتبر عبد الله يوسف الغنيم وزير التعليم الكويتي السابق، إن إصلاح ومراجعة المناهج التعليمية من الوسائل الفعالة لمواجهة الإرهاب، وأكد على أهمية بلورة استراتيجية جديدة لمواجهة التطرف والإرهاب في الدول العربية والإسلامية.

وشدد الغنيم على أن المدرسة ينبغي أن تلعب دورا محوريا في إدارة وبناء الإنسان الحر المقدر لقيمة الاختلاف.

وأشار إلى أن أي إصلاح للتعليم الديني لن يتحقق من دون أن يكون "الإعداد الجيد للمعلم المتمكن والواعي بالمخاطر التي يعاني منها المجتمع".

وأوضح الغنيم بأن التعليم الديني ينبغي أن يتأسس على السماحة وقبول الآخر، والتأكيد على أن الدين هو "أسلوب حياة يقوم على التراحم في كل شيء والمجادلة بالتي هي أحسن والموعظة الحسنة، وهو "الأمر الذي كان عليه نهج النبي محمد وصحبه الكرام"، مطالبا باستعادة النموذج المحمدي في تمثل الدين وقبول الآخر. 

ضرورة إصلاح التعليم الديني

من جهته، اعتبر محمد عبد الوهاب رفيقي، الباحث المغربي المختص في الفكر الإسلامي والحركات الإسلامية، أن مراجعة مناهج التربية والتعليم الديني أمر ضروري، وأكد على أهمية هذه المسألة لتصحيح الاختلالات وتخليص الطلاب والتلاميذ من التشدد والإرهاب الذي يتلقوه من خلالها.

وأشار رفيقي في مداخلة في الندوة، إلى ضرورة استدراك "الأخطاء الكبيرة التي وقعنا فيها في السابق"، مسجلا أنه حين يتم توظف الأيديولوجيا لخدمة أغراض سياسية معينة تكون النتيجة ما نعيشه اليوم.

وأفاد الباحث المغربي بأن بعض الأيديولوجيات استطاعت النفاذ إلى الكليات والمدارس والمقررات في المغرب، وتمكنت من وضع "مقررات إسلامية محملة ومشحونة بالكثير من الإديولوجيا التي ساهمت في توليد التطرف"، وذلك في انتقاد واضح لسيطرة المحافظين على تدريس مادة التربية الإسلامية المغربية.

ونبه رفيقي إلى عدد من الممارسات الخطيرة في التعليم المغربي والتي تشجع على التشدد وتوفر البيئة المواتية للإرهاب لاستقطاب الشباب، مذكرا أن رجال التعليم وعدد من القوى المحافظة "تعارض بشدة إصلاح التعليم الديني وتقاومه"، داعيا الى التحلي بالمزيد من الجرأة في الدفاع عن إصلاح ومراجعة مناهج التعليم الديني. 

بدورها، دعت رشيدة بنمسعود الأكاديمية والأستاذة الباحثة إلى مواجهة الإرهاب بنشر ثقافة السلم والتمكين لها في صفوف المجتمعات العربية، مشددة في الآن ذاته، على أهمية المقاربة الأمنية في محاصرة الظاهرة ، وتثبيت وحماية الأمن والاستقرار. 

وأكدت بنشقرون على ضرورة العمل على إحداث مشروع يسعى إلى قراءة التراث العربي الإسلامي برؤية جديدة، معتبرة أن الوقت حان لتبني قطيعة معرفية مع الماضي، بهدف توفير شروط وبنيات الاستقبال داخل المجتمع للتغيير.

كما دعت المتحدث ذاته إلى التخلص من "التأويل الظلامي للإسلام"، وطالبت بالعمل على دعم وتطويرالمبادرات التنويرية في فهم الدين الاسلامي التي تنتصر لقيم التعايش والتسامح مع الآخر، بعيدا عن الصور والتأويلات المتشددة للدين.

وحملت الباحثة المغربية حركات الإسلام السياسي بالعالم العربي والإسلامي المسؤولية عن ظهور التطرف والإرهاب، معتبرة أن تجربة السلفية الجهادية "هي قمة الانحطاط بالنسبة لتجارب الحركات الإسلامية المتشددة"، لكنها أقرت في الآن ذاته، بصعوبة الإحاطة بشكل موضوعي بظاهرة الإرهاب وعلاقته بالإسلام السياسي باعتبارها "ظاهرة مركبة ومعقدة".

مراجعة الفقه الإسلامي

أما الأكاديمي الموريتاني عبد الودود هاشمي، فسجل بأن من الأمور التي أوصلت الأمة العربية إلى تبني فقه العنف هو "الأحادية" التي خلقتها المذاهب الفقهية والسعي إلى تحويلها لقوانين لدى الدول من أجل السيطرة على المجتمع وضبطه. 

وأوضح هاشمي بأن المآرب السياسية والتجاذبات التي عاشتها الأمة الإسلامية عبر تاريخها كانت وراء ظهور المذاهب، حيث أكد أن المذاهب الفقهية لم تظهر إلا في القرن الخامس الهجري، وبعد قرون من وفاة مؤسسيها، مسجلا أنه في البداية لم تكن هناك "مالكية ولا شافعية ولا حنبلية ولا غيرها". 

جانب من الحاضرين

وزاد موضحا أن المذاهب "تم انتقاؤها بعناية فائقة وإبرازها فيما همشت أخرى "، معتبرا أن هذا المعطى أفرزته شروط اجتماعية وسياقات سياسية أدت إلى بروز "مذاهب أصبحت مهيمنة سعى عدد من الحكام إلى جعلها قوانين وتشريعات للحكم".

وأعرب الأكاديمي الموريتاني عن رفضه لتطبيقات الفقه في سياق الدولة الوطنية، حيث أكد أن الفقه "يراد له أن يتحول إلى قوانين تضبط حركة الناس، وهذا سبق لأحد الفقهاء التعبير عن رفضه له"، معتبرا أن الفقه إجتهاد بشري وفهم للدين يمكن أن نتفق أو نختلف عليه، وقال انه "مشكلة عندما تكون له وظيفة إيديولوجية وسياسية".

وحث المتحدث ذاته على ضرورة التعامل مع الموروث الفقهي الإسلامي بشكل احترافي ومتخصص من أجل مراجعته وغربلته بهدف مواكبة متطلبات العصر الحديث، كما طالب بالمزيد من الاجتهاد في هذا المجال لتقديم إجابات جديدة للتساؤلات التي يطرحها المجتمع العربي والمسلم في العالم. 

الإرهاب الإسرائيلي 

أما يحيى يخلف، الكاتب ووزير الثقافة الفلسطيني الأسبق، فأشار إلى أن الحديث عن الإرهاب الإسلاموي لا ينبغي أن ينسي العالم "الإرهاب الإسرائيلي"، معتبرا أن قانون تجريم معاداة السامية المعتمد في دول أوروبا، من "أخطر الأسلحة ومظاهر الإرهاب الفكري في العالم". 

وقال "هناك إرهاب فكري في أوروبا يسمى "معاداة السامية"، ويعتبر من أخطر الأسلحة الموجودة ضد كل من يفكر أن يقول رأيا مخالفا لإسرائيل"، لافتا إلى أن مفكرين كبارا حوكموا ومنعوا في أوروبا بهذا القانون. 

وأضاف أن "الكيان الصهيوني يمثل إرهاب الدولة ويدير سياسة التوحش في ترسيخ احتلاله، من خلال قتل الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم"، وسجل الوزير الفلسطيني الأسبق، أن الإرهاب يحظى برعاية واهتمام قوى إقليمية ودولية، تعمل من خلاله على خدمة مصالحها في المنطقة العربية والحفاظ عليها.

واتهم يخلف إسرائيل بالعمل على ترسيخ احتلالها لفلسطين من خلال تبني سياسة فكرية "توراتية خرافية توظف الدين اليهودي وتشرع القوانين العنصرية التي تستهدف الوجود العربي الفلسطيني".

وزاد موضحا أن إسرائيل مدججة بالتكنولوجيا وهي الأقدر على توظيف وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل أخرى في المنطقة، مشددا على أنها تمتلك دائما "أحدث الأسلحة الموجودة في العالم وتجربها على الساحة الفلسطينية وجماهير الشعب الفلسطيني".

الإعلام وتربية الأطفال 

وتحدث عدد من المتدخلين عن أهمية دور الإعلام في مواجهة الظاهرة الإرهابية وطالبوا بضرورة إيلاء عناية خاصة بهذا المجال، حيث شدد الأكاديمي السوري أحمد حلواني، على ضرورة استثمار الإعلام الموجه للناشئة في هذا المجال.

وانتقد حلواني تعمد بعض وسائل الإعلام الموجهة للأطفال التركيز على المناسك الإسلامية وشعائر العبادات دون إدماجها بأمور الحياة العامة وحاجيات الطفل الحياتية والمعرفية، وأكد على ضرورة تركيز الرسالة الإعلامية الموجهة للطفل على تضمين "الحكم البالغة التي لا تسيء لأحد، ولا تحمل معاني العنف أو العدوانية، وذلك بلغة بسيطة وواضحة بعيدا عن التعقيد".

وطالب المتحدث ذاته، بعدم تحميل الأطفال ما لا طاقة لهم به من خلال الاعتدال في "التربية الدينية والابتعاد عن القضايا الجدلية والمسائل الخلافية في هذه المرحلة من العمر"، كما شدد على ضرورة استثمار الإعلام في تربية الأطفال على الاستقامة في السلوك لضمان "مجتمع سليم من حيث الأخلاقية التي تؤكد عليها الأديان جميعها في العدل والتسامح والصدق والأخوة".

فيما حذرت بعض المداخلات الأخرى من خطورة وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة، والتي تعمد الجماعات الإرهابية المتطرفة على استثمارها بشكل ناجح في الإيقاع ضحاياها من الشباب الذين لا يتوفرون على التكوين المعرفي اللازم الذي يمنحهم المناعة الكافية لرفض الاستدراج وتجنب الوقوع في الفخاخ التي تنصبها عناصر التنظيمات الإرهابية المتطرفة في شبكات التواصل الإجتماعي.