لا يعاني سكان الأحياء الفقيرة أكثر من غيرهم من أمراض القلب، بحسب دراسة لمعهد"روبرت كوخ" الألماني، وإنما من السكري2 أيضاً بحسب دراسة فنلندية جديدة.

إيلاف من برلين: تتسلل البدانة، ومعها أمراض السكري والقلب الدورة الدموية، ببطء بين البشر منذ عقدين، لكن الأمراض النفسية والعقلية تجذرت كثيراً بينهم خلال السنوات الثلاث الماضية.

وربما تتمتع الأمراض بـ "حس طبقي" عال، لأن أمراض الفقراء تختلف عن أمراض الأغنياء، اسوة بالفوارق التي تمتد بين الإقامة والسفر والصحة. هذا ما تثبته دراسة بعنوان"صحة البالغين في ألمانيا" التي نشرها مؤخراً معهد روبرت كوخ.

فالألمان من ذوي الدخول المحدودة عانوا في السنة الأخيرة بنسبة 14% من الاكتئاب، في حين ان هذا المرض لا تزيد نسبته عن 4,65 بين الأثرياء. مقابل ذلك ألقت الثروة بكامل"نارها" على أدمغة الأثرياء فعاني 5,8% منهم، في نفس الفترة، من ظاهرة "الاحتراق Burnout"، أو لنقل الانهيار النفسي الكامل(2,6% بين ضعيفي الدخول). 

وتقول دراسة جديدة من هلسنكي الآن ان الشباب الذين يقيمون في أحياء المدن الفقيرة يعانون أكثر من غيرهم من الإصابة المبكرة بالسكري 2، المعروف بسكري تقدم السن.

نشرت الدراسة في مجلة "لانسيت الصحة العامة"، وتقول بصراحة ان المحيط الاجتماعي يفرض تأثيرات مرضية ظاهرة على سكانه، وخصوصاً الشباب منهم. وفسر القائمون على الدراسة أسباب هذه الظاهرة بحصة الأحياء الفقيرة الضئيلة من اهتمام البلديات.

إمكانية التغذية الصحية بالنسبة لهؤلاء السكان معدومة بسبب وضعهم المالي، ولا تتوفر في أحيائهم المناطق الخضراء ومناطق ممارسة الرياضة، كم يتمتعون بتحصيل علمي أقل من غيرهم ووعي صحي أوطأ. وتتفاقم المؤشرات المرضية في الأحياء الفقيرة بفعل المعدلات العالية المدخنين ومدمني الكحول فيها.

ضغط دم أعلى وثلاثي غليسريد أعلى

حملت الدراسة الفنلندية عنوان"الدراسة حول الشبيبة الفنلندية"، وتابعت الوضع الصحي لـ 3467 فنلندية وفنلندي منذ نعومة أظفارهم حتى بلوغهم مرحلة الشباب. وشملت الدراسة الشباب من أعمار تتراوح بين 6-18 سنة منذ العام 1980.

وأجرى فريق العمل خلال هذه السنين مقابلات وفحوصات للشباب المشمولين بالدراسة 8 مرات. وترافقت المقابلات مع أخذ عينات لفحص الدم وقياس معدلات الغلوكوز في الدم.

ظهر من الدراسة أن أطفال وشباب الأحياء الفقيرة كانوا يتناولون الخضروات والفواكه بشكل أقل، كما كانوا أقل حركة من أبناء الأحياء المتوسطة والراقية، ثم أظهروا نزوعاً أكبر مع فترة المراهقة للتدخين وتعاطي الكحول.

وأدى ذلك إلى ارتفاع معدلات ثلاثي الغليسريد في دمائهم وهم أطفال، وارتفاع مؤشر الجسد-الكتلة منذ بلوغهم سن العشرين، وارتفاع ضغط الدم لديهم منذ بلوغهم سن الثلاثين. هذا في حين كانت معدلات الكوليسترول متساوية بين شباب الأحياء الفقيرة والغنية، ربما لأن ذلك يتعلق كثيراً بالتغذية والعوامل النفسية.

وجلوكوز أعلى 4 مرات

وتشير الدراسة إلى أن أولى علامات الإصابة بالأمراض المزمنة ظهرت بين شباب الأحياء الفقيرة وهم بعمر 33-48 سنة كعاقبة للتغذية السيئة وقلة الحركة.

وسجل فريق العمل، بقيادة الباحث ميكا كيفيميكي من جامعة هلسنكي، نسبة 44% أعلى من البدانة، و نسبة 83% اعلى من المصابين بضغط الدم، ونسبة أعلى بـ73% بحالات تشحم الكبد.

ويضيف الباحثون ان الفرق في الاصابة بالسكري بين شباب الأحياء الفقيرة والميسورة كان على أوضحه، ويرتفع 4 اضعاف عن معدله بين شباب الأحياء المحرومة.

وبهذه النتيجة، يصبح من الواضح ان الأوضاع الاجتماعية والصحية في الأحياء الفقيرة، تلعب دوراً مهماً في الصحة العامة للسكان. 

ويشكك العلماء الفنلنديون في إمكانية معالجة الوضع من خلال تشجير الأحياء الفقيرة وبناء الملاعب والإجراءات الأخرى. إذ ربما يتطلب الأمر تحسين الوضع المادي أيضاً، لان ملء رفوف الأسواق في الأحياء الفقيرة بالمواد الغذائية الصحة وتنويعها لايكفي، فهؤلاء الشباب يشترون الاغذية الرخيصة بحكم وضعهم المادي الضعيف. 

جدير بالذكر ان دراستين أميركية (1990) وسويدية(1987-1991) نجحتا في تحسين الوضع الصحي لشبيبة الأحياء الفقيرة عن طريق نقلهم إلى احياء ميسورة ومساعدتهم مادياً على تنفيذ برامج تغذية ورياضة صحية.

ونجحت الدراستان، بعد سنين طويلة، في تقليل تعرض هؤلاء الشباب"المنقولين" إلى الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب وضغط الدم والبدانة.

وذبحة صدرية أكثر

وسبق لدراسة اسكتلندية ان اثبتت ان الفقراء أكثر عرضة للذبحات القلبية من غيرهم.

إذ يعاني الفقراء في هذا العالم أكثر من غيرهم من الذبحة الصدرية ومضاعفاتها، ويتأثرون أكثر بنتائجها القاتلة، لأنهم يميلون الى إخفاء معاناتهم ويتجنبون إجراء فحوصات القلب بشكل دوري.

هذا الموضوع كان موضع اهتمام العلماء الاسكتلنديين الذين لاحظوا ان المرضى من "الطبقات الدنيا" يعانون من الذبحة الصدرية أكثر من غيره، لكنهم يخضعون أنفسهم أقل من غيرهم للفحوصات اللازمة. وأجرى العلماء استفتاء بين60 شخصاً تتراوح أعمارهم بين 45-64 سنة نصفهم من الطبقات الوسطى ونصفهم الآخر من طبقات أفقر.

وكشف الاستفتاء دون شك عن تعرض الفقراء الى الذبحة الصدرية وحدوثها بينهم بشكل عائلي.

وذكر معظمهم ان أفراداً في العائلة تعرضوا سلفاً لأزمات قلبية كبيرة وأدى بعضها إلى موت مفاجيء لبعض أفراد عائلتهم. وعموماً فرز الأطباء أبناء الطبقات الفقيرة ضمن" مجموعة الخطر" المعرضة لأمراض القلب.

السبب الآخر لانتشار الذبحة بين ضعيفي الحال هو تقديرهم الخاطئ للأسباب. فيعتقد بعضهم مثلاً ان سبب ألم الصدر الذي يعانون منه هو التهاب القصبات المزمن. هذا إضافة الى خشية بعضهم من زيارة الطبيب والتعرض الى الملامة بسبب إصرارهم على التدخين والشرب وإهمال وضعهم الصحي عموماً.