فيصل القاسم
لم نعد نريد من الأنظمة العربية الحاكمة أن تتعلم من أمريكا ولا من أوروبا، فهذا حلم بعيد المنال، فحسبنا الآن أن نطالبها بالتعلم من إيران وبعض الدول الأفريقية وحتى أفغانستان التي تسبقنا يوماً بعد يوم بخطوات كبيرة في المجال الديمقراطي، والتململ الشعبي، والانتفاض على الطغاة والمستبدين، بينما نقف نحن متفرجين. بعبارة أخرى، فقد تخلفنا حتى عن ركب المتخلفين.
لقد شهدت كينيا قبل مدة أحداثاً شغلت العالم عندما هبت المعارضة الكينية عن بكرة أبيها لتقول للديكتاتور الحاكم: كفى تلاعباً بنتائج الانتخابات وتفصيلها على مقاس الطواغيت والفاسدين. صحيح أن الصراع بين النظام الكيني الحاكم والمعارضة قد أدى إلى كثير من الفوضى وسفك الدماء والخراب والدمار، لكن، كما علمتنا التجارب التاريخية، لم يحصل شعب على حريته من دون ثمن، فللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يُدقُ.
وكما كان متوقعاً فإن الانتفاضة الديمقراطية الكينية بدأت تؤتي أكلها في بقاع أخرى من أفريقيا، فقد حذرت المعارضة السودانية مثلاً النظام السوداني بأنه سيواجه أحداثاً كتلك التي وقعت في كينيا، فيما لو حاول التلاعب بنتائج صناديق الاقتراع. أما المعارضة في زيمبابوي فلم تكتف بالتهديد، بل راحت تسير على هدي نظيرتها الكينية، ولو بهدوء وتؤدة. فقد طالبت العالم بالتدخل الفوري لمساعدتها في فضح ممارسات الرئيس موغابي الذي لم يشبع بعد من السلطة بالرغم من أنه أمضى أكثر من ثمانية وعشرين عاماً حاكماً بأمره. فعندما شعر الطاغية في زيمباوي بأن نتائج الانتخابات الأخيرة لم تكن في صالحه، راح يماطل في إعلان النتائج، ويشكك فيها، بعد أن حصدت أحزاب المعارضة أكثر من ستين بالمائة من أصوات الناخبين. لا بل بدأ يدعو إلى إعادة إجراء الانتخابات بحجة أن هناك تلاعباً في عمليات العد والفرز. وهو بالطبع شيء مثير للضحك والسخرية، خاصة أن موغابي وأمثاله هم الذين عودوا العالم على تزوير الانتخابات، وتفصيل نتائجها التسعينية في أقبية وزارات الداخلية المظلمة حسب الطلب.
وقبل فترة انتفض الشارع الإيراني انتفاضة ديمقراطية عظيمة لمجرد أنه شك بوجود بعض التزوير في نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة. فكلنا شاهد المظاهرات الكبيرة التي نظمها أنصار المرشحين الذين شعروا بوجود بعض التزوير لصالح الرئيس أحمدي نجاد. لقد غصت شوارع طهران بالتظاهرات العنيفة المطالبة بإعادة إجراء الانتخابات، علماً أن التزوير لم يكن مئوياً كما يحدث في الانتخابات العربية المزعومة، بل ربما لا يتجاوز الخمسة بالمائة. لكن مع ذلك فقد انطلق الشباب الإيراني في طول البلاد وعرضها مطالباً بالتصحيح، الأمر الذي جعل أوصال القيادات العسكرية والروحية في البلاد ترتعد خوفاً من الهيجان السياسي. فما كان من المرشد الأعلى إلا أن أمر بإعادة فرز الأصوات في بعض المناطق استجابة للضغط الشعبي العظيم. صحيح أن أحمدي نجاد ظل فائزاً في الانتخابات، إلا أن الانتفاضة الشعبية المناهضة للتزوير أرسلت رسالة واضحة للقيادة الإيرانية بأن التزوير سيكون فيما لو حدث في أي انتخابات قادمة كارثة كبرى على البلاد لا تحمد عقباها. وبالتأكيد فإن القيادة في إيران ستفكر ألف مرة لاحقاً قبل أن تحاول التلاعب بنتائج الانتخابات لصالح أي مرشح.
وكي لا نذهب بعيداً، فقد وقف جزء لا يستهان به من الشعب الأفغاني الذي يعاني الأمرين اجتماعياً واقتصادياً، وقف وقفة رائعة في وجه الرئيس حامد قرضاي بعد أن اشتم رائحة التزوير في الانتخابات الأخيرة. وقد أصبحت قضية الانتخابات الأفغانية الأخيرة حدثاً إعلامياً عالمياً بعد أن احتج المرشح عبد الله عبد الله، ورفض كل الإغراءات السياسية التي قدمها له خصمه قرضاي من أجل القبول بنتائج الانتخابات مقابل مناصب سياسية كبيرة. صحيح أن قرضاي أيضاً ظل فائزاً في الانتخابات، لكن تزويره أصبح معروفاً ومرفوضاً من جزء كبير من الشعب الأفغاني. وبالتالي فإن ولايته الجديدة ستظل في عيون الأفغان مشكوكاً في شرعيتها، ناهيك عن أنه لن يتجرأ في المرة القادمة على التزوير، بل سيفكر كثيراً قبل أن يتلاعب بأصوات الناخبين.
متى يحذو المعارضون العرب حذو المعارضات الأفريقية والإيرانية والأفغانية الصاعدة؟ قد يجادل البعض أن الدول الأفريقية وإيران وأفغانستان تسمح لأحزاب المعارضة أن تخوض الانتخابات، حتى لو انقلب الحكام على نتائجها كما حدث في كينيا وزيمبابوي، وبالتالي فهي في وضع يمكنها من مقارعة المستبدين المتشبثين بسدة الحكم وفضحهم أمام العالم. وهو أمر ليس متوافراً للمعارضات العربية المنفية في هذه العاصمة الغربية أو تلك. وهذا صحيح جزئياً. لكن متى حاولت المعارضات العربية أن تقيم الدنيا ولا تقعدها احتجاجاً على نتائج الانتخابات العربية التي تتم فبركة نتائجها قبل إجرائها جهاراً نهاراً؟
لماذا تكتفي حركات المعارضة العربية بالتشكيك في نتائج الانتخابات التي يفوز بها الحكام العرب، أو الامتناع عن المشاركة في الانتخابات على أبعد تقدير؟ صحيح أن قوانين الطوارئ في العالم العربي لا تسمح لأحزاب المعارضة حتى بدخول الجامعات والقطاعات الشعبية الحيوية. لكن بإمكان المعارضين لو توافرت لديهم شجاعة المعارضين في كينيا وزيمبابوي وأفغانستان وإيران أن يفضحوا مسرحية الانتخابات والاستفتاءات الهزلية في المنطقة العربية بطرق شتى، وجعل العالم ووسائل إعلامه تسلط أضواءها على مهزلة الانتخابات في هذا الجزء البائس من العالم. فقد شاهدنا كيف أن أمريكا باركت نتائج الانتخابات الكينية المزورة، لكنها ما لبثت أن أعادت النظر في دعمها للديكتاتور الكيني بعد أن هبت المعارضة الكينية وقواها الحية احتجاجاً على تزوير الانتخابات. فلا يمكن أن نتوقع دعماً إعلامياً أو سياسياً عالمياً من دون الحراك الداخلي. متى يتعلم المعارضون العرب أنه ليس بإمكانهم أن يصنعوا العجة من دون كسر البيض؟ متى يتعلم معارضونا من مناضلي كينيا وزيمبابوي؟ لماذا تنتفض أفريقيا، بينما ينقبض العرب؟ ألم يسمعوا ما قاله عبد الرحمن الكواكبي: quot;لو رأى المستبد في يد المستبد به سيفاً لما أقدم على الاستبدادquot;.
لقد انتفض الأفارقة والإيرانيون والأفغان لمجرد وقوع تزوير لا يتجاوز أربعة أو خمسة بالمائة من الأصوات، بينما يتم تزوير إرادة الشعوب العربية مائة في المائة، وفي أحسن الأحوال تسعة وتسعين بالمائة، مع ذلك لا يتحرك الشارع العربي ليقول للمفبركين والمزورين لإرادة الشعوب: كفى، فما بالك أن ينزل إلى الشوارع ليزلزل الأرض تحت أقدام الضاحكين على ذقون الناس . لقد كنا في الماضي ننظر إلى الأفارقة على أنهم عبيد. لكن العرب هم العبيد الحقيقيون. كيف لا وقد غدونا مجرد أقنان أذلاء في جمهوريات الأب والابن؟
التعليقات