محمد حسين اليوسفي

في مقالة نادرة تصدرت افتتاحية جريدة القبس الكويتية (الأحد 12 ديسمبر الحالي)، طالب الدكتور أحمد الخطيب، وهو من القلة الذين ما زالوا على قيد الحياة من الرعيل الأول الذين أشرفوا على وضع دستور الكويت في العام 1962، طالب laquo;أعضاء مجلس الأمة أن يهبوا جميعاً لحماية نظامنا الدستوري.

وفي مقدمة ذلك سرعة النظر في مشروع قانون الاجتماعات والتجمعات العامة الموجود في مجلس الأمةraquo;، مهيباً بهم أن laquo;ينسوا كل خلافاتهم من أجل حماية مكتسباتنا الدستورية التي يتنعمون بنعمتهاraquo;.

لقد عبر الدكتور الخطيب عن الشعور العام الذي ساد الشارع الكويتي، بعد أحداث الأربعاء الثامن من الشهر الجاري، حينما اشتبكت القوات الخاصة مع بعض المواطنين الذين حضروا ندوة عقدت في ديوان النائب السلفي محمد الحربش.

فقد أجمعت القوى والتجمعات السياسية والنقابات وجمعيات المجتمع المدني، على إدانة المتسبب في حصول الصدام بين الطرفين، وعبرت عن تخوفها من أن حادث ديوانية الحربش، وذلك الحادث الذي سبقه والذي وقع عند ديوانية رئيس المجلس السابق النائب أحمد السعدون، حيث تم الاعتداء على محمد الجويهيل، ما هو إلا مقدمة لتصعيد الوضع من أجل إيجاد المبررات لحل المجلس وتغيير الدستور.

وقد بدد أمير دولة الكويت؟ حفظه الله؟ تلك المخاوف، في لقائه الذي عقده خصيصاً لتناول ذلك الموضوع مع رؤساء تحرير الصحف، حيث أكد أنه laquo;القائد الأعلى للقواتraquo; وأنه هو laquo;الذي أصدر الأوامرraquo; (القبس 13/12 صدر الصفحة الأولى).

وأكد أن مكان الحوار في المجلس وليس الشارع، وأن مجلس الأمة لن يحل والدستور لن يمس. وأكد الأمير أن ما حصل ليس مسؤولية القوات الخاصة، حيث laquo;كبار الضباط أهينواraquo;. ثم تساءل عن laquo;العلاقة بين الندوة والحسينياتraquo;، وقال laquo;الحسينية مكان دينيraquo;.

وسبب ذكر الأمير الحسينيات تحديداً (وهي مجالس العزاء عند الشيعة، والتي تنعقد في هذه الليالي بمناسبة شهر محرم)، هو ما نقلته جريدة الوطن (12/12) من أن النائب السلفي د. وليد الطبطبائي كان هو السبب في إشعال laquo;المعركةraquo; وإثارة القوات الخاصة، حينما تهجم على أحد أفرادها (كما أرفقت ذلك بصورة ظهرت على صدر صفحاتها، وكما عرضت الداخلية شريطاً على شاشات التلفزيون)، حيث قال للضابط المكلف بتطبيق إخلاء المكان:

laquo;روح عاند الحسينياتraquo;، في إشارة لموقف السلفيين المتشدد من تجمعات الشيعة في الحسينيات، والتي باتت موضعاً للتساؤل من هؤلاء في السنوات الأخيرة، الأمر الذي يمثل خطورة بالغة على الوحدة الوطنية. وما يعزز رواية laquo;الوطنraquo;، هو أن النائب الطبطبائي أحد كتاب الأعمدة فيها!

ومناشدة الدكتور أحمد الخطيب النواب بالاتفاق على إقرار قانون التجمعات الموجود في أرفف مجلس الأمة، إنما يكشف جانباً آخر من مسؤوليات النواب، فكما هو معروف فإن قانون التجمعات الذي سنته الحكومة وأقرته من خلال مجلس الأمة.

والذي يحظر التجمعات دون إذن من السلطات، اعتبرته المعارضة في الستينات والتي كانت تمثلها حركة القوميين العرب بقيادة الدكتور الخطيب وزميله جاسم القطامي، اعتبرته تجميداً لمواد الدستور التي تبيح التعبير بكل أشكاله. وعلى إثر إقرار ذلك القانون، استقال ثمانية من نواب الحركة من مجلس الأمة في العام 1966 احتجاجاً على ذلك.

وبعد أربعة عقود، وتحديداً في العام 2005، حكمت المحكمة الدستورية ببطلان ذلك القانون لمخالفته الصريحة للدستور. وعلى رأي الكاتب حسن العيسى، وهو محام أيضاً وصاحب زاوية يومية في جريدة الجريدة، فإن الأعضاء مقصرون لأنهم لم يشرعوا قانوناً ينظم التجمعات العامة، فسقوط ذلك القانون كان يستلزم ـ من باب التحوط ـ سن قانون جديد وصريح يسمح بالتجمعات.

ولا شك أن الديمقراطية في الكويت تمر بمأزق كبير، بسبب صراع الأقطاب وامتدادات ذلك الصراع إلى ساحة نواب المجلس وإلى التشكيلة الحكومية. ولعل كثرة الاستجوابات والتهديد والتلويح بها في كل صغيرة وكبيرة، ما هو إلا أحد مظاهر ذلك الصراع.

وقد جر ذلك الصراع القوى السياسية الأخرى، التي تجد نفسها ستصبح معزولة أو أقل laquo;معارضةraquo; في عيون قواعدها إن هي لم تساير النغمة العالية، وفي هذا الجو ضاعت الأولويات، وأصبح الطرح laquo;الشعبويraquo; هو الغالب، وذلك كسباً للشارع على حساب مصلحة الوطن.

والكويتيون في واقع الأمر يصرون على ديمقراطيتهم ودستورهم الذي تم تشريعه بواسطة مجلس انتخبوه بملء إرادتهم، وكان هذا الدستور وما زال صالحاً لمسيرة المجتمع السياسية، غير أنهم في نفس الوقت يريدون أن يستفيدوا من المشاركة الشعبية التي تتيحها العملية الديمقراطية بمؤسساتها المختلفة، وعلى رأسها مجلس الأمة، كي يدفعوا بعملية التنمية إلى الأمام، وأن يترافق ذلك مع التخفيف من غلواء الصراع القبلي والطائفي الذي بات يهدد الوحدة الوطنية.

ولذلك، فستصبح الموازنة بين المطلبين في ظل ما نشهده من صراع، أهم تحديات المرحلة المقبلة، التي يبدو أنها حبلى بأحداث جسام.