الدمام: هند الصالح



السعوديات قادمات، هذا ما يمكن للمراقب أن يقوله، ما إن يشاهد سيدة في الميدان، بين الحديد والخرسانة، تعتمر قبعتها، وتتابع أعمال البناء والإنشاءات عن كثب، غير عابئة بقيظ الظهيرة، ولا مشقة المهمة، وغير مكترثة بما يقال، من أن هذا النوع من الأعمال هو لـquot;الرجالquot; فقط! فهذه الصورة المجتمعية النمطية، كسرتها فوزية الكري، أول مقاولة quot;امرأةquot; في المنطقة الشرقية من المملكة.

البدايات
السيدة الأكاديمية التي كانت تعمل في حقل التعليم قبل سبع سنوات، لم تكن تظن أنها ستكون يوماً أول سيدة سعودية تملك سجلاً تجارياً يحمل رقم quot;1quot; على مستوى المنطقة الشرقية، أو أن تجد نفسها من بواكير السعوديات اللواتي يخضن مجال البناء والمقاولات، وهو القطاع الذي يعتبر أحد أكثر القطاعات الاقتصادية تذبذباً وتقلباً، ومشقة وعناء أيضا، مما يضع أمام العاملين فيه تحدياً يتوجب عليهم مواجهته، وهذا ما استطاعت تحقيقه فوزية، المنتمية لعائلة كان لها الفضل في تكوين شخصيتها. تتحدث عنها قائلة quot;نشأت في بيئة كانت تعلم أهمية دور المرأة الاجتماعي، وهو أحد الأسباب التي أوجدت في داخلي نوعاً من التمرد والتحدي في تحقيق طموحاتي، فوالدي كان يناديني دائماً بكنية quot;فوزquot;، رمزاً إلى اسمي فوزية، فهو كان يشاركني الآراء والحواراتquot;.
الطموح والمثابرة
الفتاة التي تربت على المثابرة في بيت أبيها، بقيت على ذات الصفات بعد زواجها، مفضلة أن تبدأ في مشوارها العملي بنفسها، دون معونة من أقرب الناس لها، وإن كان شريك حياتها. تروي فوزية تجربتها: quot;كانت نظرات الاستهانة تصلني مع من كنت أتعامل معهم من الرجال، معتقدين أن المرأة لن تستطيع أن تحقق شيئاً، إلا أنني أثبت لهم عكس ذلك، فعكفت على أخذ دورات تدريبية، وانخرطت في ورش عمل مكثفة استفدت من خلالها في كيفية إداراتي لمشاريعي الخاصةquot;، مضيفة quot;عملت في تصميم الديكور، فلقد كان يستهويني إعادة تجديد كل القطع القديمة حتى دخلت في مجال التشطيب. وبعدما نجحت في أعمالي هذه، دفعني حبي لعملي أن أقتحم مجال المقاولات، وهو ما تحقق من خلال تنفيذي لأحد أكثر المشاريع التي أعتز بها، وهو أحد الفنادق بمدينة الخبر، وكذلك توليت مسؤولية تنفيذ عدد من الأبنية السكنية، وتنفيذ مكاتب لشركات الهواتف المتنقلة. وأمامي الآن عدة مشاريع مختلفة، أشرع في تنفيذها، منها مكاتب لشركات تهتم بصيانة السيارات وبيعهاquot;، كاشفة عن أنها قريباً ستكون quot;أول سيدة سعودية تملك مصنعا للطابوق، يخدم المنطقة الشرقية والمملكة، وسيكون بإدارة سعوديةquot;.

خسائر ونجاحات
quot;نعم خسرت في مشاريع معينة، وهنالك بعض الأموال المستحقة لي على أناس سعوديين، للأسف لم أستلم منها شيئا، ولن أسامحهم عليهاquot;، تقول الكري جملتها هذه وهي تضحك، لأنها تعلم في داخلها أن من يتعامل معها تجارياً سيرجع مرة أخرى إليها، بسبب تقديرها وإخلاصها لعملها. الكري لم يقتصر نشاطها على المملكة وحسب، بل عملت على توريد quot;الحجرquot; إلى البحرين، وبيروت، وقطر، وتحقيق نجاحات متوالية في تكوين قاعدة زبائن كبيرة.
وعورة العمل
دخول الكري إلى أماكن تعتبر خاصة بالرجال، كالورش الميكانيكية والصناعية، وتنقلها بين مشاريعها لمتابعة مجريات الأعمال فيها مع مهندسيها، وكذلك قدرتها على تحمل الانتقادات التي تصلها، كونها امرأة تعمل في مجال المقاولات، كل ذلك لم يجعلها ضعيفة، بل مدها بالقوة، وزادها ثقة أكثر في نفسها، و تحدياً وإصراراً على أن تكون إحدى سيدات الأعمال، اللواتي يكن صوتاً وسنداً لبقية السيدات في المجتمع، وهو ما دفعها لخوض تجربة الانتخابات في الغرفة التجارية بالمنطقة الشرقية، والتي تقول الكري عنها quot;دخولي للانتخابات سبب ربكة لدى الكثيرين داخل الغرفة، ولم يكن هدفي من الدخول سوى تحقيق مطالب سيدات الأعمال الصغيرات، لكن بلوغ سيدات مثل هناء الزهير، وتوليها منصبا في الغرفة أمر إيجابي، لأن الزهير تعتبر من أكثر الناس دفاعاً عن الحقوق، وهي من كان لها الفضل في تشجيعي على خوض مجال المقاولاتquot;.

عراقيل وإن صغرت!
بالرغم من أن الكري لم تواجه في سنواتها السبع التي عملتها في مجال البناء والمقاولات، من يعرقل مسار معاملاتها الرسمية، إلا أنها لا تزال ترى أن quot;هنالك من يقوم بعرقلة مساعي الدولة في دفع وتشجيع المرأة على المضي قدماً في المجال الاقتصادي، فمشاريع الدولة تعطى أحياناً من قبل المسؤولين إلى شركات ذات محسوبية ومصالح مشتركة بينهم، وتكون طويلة الأمد، وهذا الأمر سبب ضرراً لنا كمقاولينquot;، معتبرة أنه من الضروري تشجيع السيدات على خوض مجال المقاولات، خصوصا ndash; والحديث للكري- أن غالبية الاستثمارات النسائية تنصب في القطاع العقاري، حيث إن القيمة الإجمالية للاستثمارات العقارية والمصرفية لسيدات الأعمال بالمملكة، تقدر بحوالي 26 مليار دولار، ولذا، تضيف الكري ،quot;آسف على حجم تلك المبالغ الضخمة المجمدة في البنوك دون الاستفادة منها، فغالبية سيدات الأعمال السعوديات يفضلن العمل على ناتج الأرباح والفوائد، دون الاستفادة من رؤوس الأموال بشكل فعليquot;.