نايف بن بندر السديري

كان الدكتور نبيل العربي؛ إذا تحدث فتح شهيتي للمثابرة والقراءة العميقة، أثناء عملي في وفد المملكة العربية السعودية الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك. الدكتور العربي كان مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة منذ عام 1991 إلى 1999، وممثلها في مجلس الأمن خلال عضوية مصر في عامي 1996 - 1997، ثم انتخب قاضيا بمحكمة العدل الدولية في لاهاي وهي الذراع القضائية الأساسية للأمم المتحدة. إثر ذلك تعاقب ممثلو الدول العربية في مجلس الآمن وفق اتفاق شرف Gentlemenrsaquo;s agreement يتيح لعضو عربي غير دائم في المجلس بالتناوب بين عرب آسيا وأفريقيا. وقد شغل هذا المقعد بعد مصر كل من البحرين، تونس، سورية، الجزائر، قطر، ليبيا، والآن لبنان حتى نهاية العام المقبل، ثم تليها المغرب أو موريتانيا؛ ومن المرجح فوز المغرب؛ وموريتانيا سبق لها محاولة الفوز بالمقعد، لكن الحظ لم يحالفها. وفي مطلع عام 2013 يتم تتويج الدبلوماسية السعودية بعضوية مجلس الأمن غير الدائمة لمدة عامين.

لأسباب متباينة لم يسبق أن تقدمت المملكة للحصول على تأييد مجموعتها الإقليمية (الآسيوية) لنيل العضوية غير الدائمة في المجلس، وهي العضو المؤسس للأمم المتحدة، لكنها استدركت ذلك لاحقا. ونظرا لأهميتها وثقلها الإقليمي والدولي حصلت على شبه إجماع لترشيحها لشغل المقعد عامي 2013 و2014. وهذا سيفتح باب المجلس الذي يعد أعلى سلطة تنفيذية في العالم للأفكار السعودية التي ستضفي دون شك مزيدا من الزخم على قرارات المجلس، وستكرس المملكة سياستها الحكيمة من خلال هذه العضوية المرتقبة. ولم تغب السعودية عن المجلس وقراراته لإدراكها أهميته منذ تأسيس الأمم المتحدة، ولكنها ظلت تتابع من laquo;ثقب البابraquo;، وهو المصطلح المتعارف عليه لدى معشر الدبلوماسيين العاملين في الأمم المتحدة الذين لا يحق لهم المشاركة في اجتماعات المجلس نظرا لعدم تمتع دولهم بعضويته، إلا في الحالات التي تكون فيها الدولة غير العضو متأثرة بالمسألة التي ينظر فيها المجلس؛ وذلك وفقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة ذات الصلة والمادة 37 من النظام الداخلي المؤقت لمجلس الأمن. ومثالا على ذلك المشاركة اللافتة لوزير خارجية المملكة؛ صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل في الجلسة رقم 6063 يوم 8 يناير (كانون الثاني) 2009 التي أصدر فيها المجلس قراره الشهير رقم 1860 الخاص بوقف إطلاق النار في غزة والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية منها. وقد كانت مشاركة وزير الخارجية السعودي في تلك الجلسة سببا رئيسيا في صدور ذلك القرار التاريخي لثقل بلاده السياسي ولمكانته المرموقة عالميا التي اكتسبها عبر سنوات من العمل الدبلوماسي الرزين المفعم بالحكمة.

وكانت مداخلة الأمير سعود الفيصل خلال الجلسة مصوبة بإتقان نحو الهدف الخاص بالدور الذي يجب أن يقوم به المجلس لخدمة شعوب العالم، وجاء فيها: laquo;علينا أن نتذكر أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هو الجهاز المعني بخدمة الشعوب والتخفيف من معاناتها والإسهام في تحقيق رفاهيتها، وليس وسيلة للتجاذب من جانب الدول. إن نجاح مجلس الأمن اليوم يأتي بفضل الجهود والنوايا الحسنة لجميع المشاركين فيه، إلا أننا عندما نتذكر الثمن الباهظ من الأرواح البشرية التي أزهقت، فإن ذلك لا بد أن يحد من شعورنا بالاعتزاز بهذا الإنجاز. والنجاح دائما ما يكون له ثمن، وفي هذه الحالة، كان الثمن باهظا. ولذلك علينا أن نعمل على تكريس هذا الإنجاز والبناء عليهraquo;.

لكن المأزق الحقيقي الذي سيواجه الدبلوماسية السعودية بعد تمتعها بعضوية المجلس والدور القيادي الذي سوف تضطلع به أثناء ذلك؛ سيكون إلحاح المجتمع الدولي لاستمرار المملكة في الانخراط في أعمال مجلس الأمن، من خلال الترشح مرة ثانية؛ كما يحصل لدول أخرى غير دائمة ولكنها مؤثرة مثل اليابان، الهند، البرازيل وألمانيا. ويمكن قياس ذلك على ما حصل للمملكة بعد انضمامها لمجموعة العشرين والدور الذي لعبته للمساعدة في حل الأزمة المالية عام 2009. وهل الأفكار المطروحة الآن بشأن إصلاح المجلس ستمكن دولة بمكانة المملكة من الحصول على مشاركة أكثر فعالية؟ وما يقوم به الفريق العامل المفتوح العضوية - في الأمم المتحدة - المعني بمسألة التمثيل العادل في مجلس الأمن وزيادة عدد أعضائه والمسائل الأخرى المتصلة بمجلس الأمن؛ قد عقد عدة اجتماعات لم تحرز تقدما يذكر في مفاوضاته الخاصة بالمبادئ السبعة والقضايا الخمس الرئيسية، وهي: نوعية العضوية، وحق النقض (الفيتو)، والتمثيل الإقليمي، ووسائل عمل مجلس الأمن، والعلاقة بين مجلس الأمن والجمعية العامة. علما بأن المملكة تؤيد تمتع العالم العربي والإسلامي بمقعد دائم في مجلس الأمن لتوضيح وجهة نظره وحماية مصالحه ولخلق نوع من التوازن البناء بين وجهات النظر المختلفة لما يخدم العالم أجمع.

ولن يتفاجأ أعضاء المجلس بعد انضمام المملكة بمقاربتها الخلاقة؛ في مواضيع تلامس هموم كثير من البشر. بل إنها تقدم حلولا قابلة للتطبيق. وإن تفكيك الأزمات السياسية الساخنة وتركها تبرد، قبل حلها؛ هو أحد مناهج الدبلوماسية السعودية الهادئة.. فحين يقدم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز خطة سلام تضع حدا لحمام الدم النازف في منطقة الشرق الأوسط أو بفتح باب موصد يتيح الحوار بين أتباع الأديان لتخفيف التوتر وتهدئة النفوس، فإنه يقدم الوجه المشرق والمتسامح للمجتمع السعودي وهو المجتمع ذاته الذي آمن برسالة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) منذ قرون مضت ومن مبادئها: laquo;.. ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدينraquo;.. laquo;ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحهاraquo;.. laquo;وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوانraquo;.. لا تشهدوا الزور.. لا تقتلوا النفس التي حرم الله.. اجنحوا للسلم.. لا تطغوا.. لا تسرقوا.. لا تهلكوا الحرث والنسل .. فهذه المبادئ الكريمة بمعانيها السامية، لا يمكن الاعتراض عليها من أي معتقد ديني أو دنيوي.