سمير عطا الله

في سنوات ماضية، كنت أقرأ الفرنسي جيرار دونرفال، ورحلاته إلى الشرق، خصوصا مصر ولبنان، من دون تساؤل. كنت أعتقد أن تلك هي أمزجة الكتاب، يحبون ويبغضون ويغضبون ويفرحون، وأنهم يأخذوننا معهم حيث يشاءون. لكن المسألة تتعدى ذلك أحيانا. فهم أيضا يخطئون. وأحيانا يتخيلون. والحقيقة أنني وأنا أقرأ دونرفال هذا الصيف لم أعد قادرا على التمييز بين ما كان مبالغة في التخيل وما كان قريبا من الحقيقة. وحتى الحقائق تبدو بديهية ومنقولة. إذن، ماذا يبقى من مشاهد وشهادات دونرفال، عن مصر ولبنان، عام 1847، التي اعتمدت في الكتب، والدراسات عن المنطقة في تلك المرحلة؟

في الماضي، أشرت كثيرا إلى تلك الكتابات. الآن يخيل إلي أن الرجل غطى، بأسلوب جميل، مرحلة مضطربة من حياته. نرى دونرفال في القاهرة وله جارية تدعى زينب، لأنه laquo;لا يجوز للرجل أن يسكن وحيداraquo;. ثم نراه على متن قارب شراعي عتيق ينقله إلى بيروت، والمسافرين العرب يهاجمونه لأنه لا يحق للأوروبيين اصطحاب الجواري! وفي النهاية يمنح جاريته في لبنان إلى عائلة أوروبية.

وهناك يرى حربا دائرة بين الموارنة والدروز، فيأخذ جانب الموارنة. ويكتب حكاية الدروز استنادا إلى رواية أحد مشايخهم. لكننا نكتشف سريعا أنه لا يمكن لشيخ درزي أن يقدم مثل هذه الرواية عن أهله وعن دينه. وفجأة نرى دونرفال يقع في حب فتاة درزية، سلمى أو سليمى أو سليمة، فماذا يطلب والد الابنة بدوره؟ يطلب من المسيو دونرفال، اعتناق الدرزية. ومعروف أن المذهب الدرزي مغلق، وأن الشبان الدروز أنفسهم laquo;لا يُسلَمون دينهمraquo; إلا بعد أن تتوافر فيهم شروط عدة. سافر دونرفال إلى الشرق بعدما كان قد أمضى تسعة أشهر في مصح عقلي. ولا شك أنه ذهب وهو يحمل قناعات مسبقة عن العرب. في قراءتي الحالية للرجل وقعت على ما لم أكن قد قرأته من قبل. وأشعرني ذلك بعقدة ذنب حيال السنين التي كنت أكتب عنه بإعجاب. فهل يجب أن أشعر بالذنب، أم كان علي قراءة نحو 20 عملا له قبل أن أفكر في الكتابة عنه؟

لا أدري. بقدر ما يبدو من الصعب أن نقرأ أعمال كل كاتب، بقدر ما يبدو التقصير بلا مبرر. وهي إعادة نظر متأخرة في أي حال. وقد لا تفترض الاعتذار، لكنها تستحق على الأقل ما درجنا على تسميته laquo;النقد الذاتيraquo;. وقد استخدمه الزعماء والسياسيون لقطع الطريق على انتقاد الآخرين لهم. أو لإثارة العطف عليهم. أو لأنهم يعتقدون أن مجرد الاعتراف بالذنب يمحوه. لكن الاعتراف بالجريمة لا يلغيها.