سمير عطا الله

عندما طرح الرئيس سعد الحريري فكرة بيروت مدينة منزوعة السلاح، تضمن ذلك صعوبتين.. الأولى تجريد مدينة مدججة بالأسلحة، والثانية رسم حدود بيروت: هل هي بيروت العاصمة القديمة بمساحتها الصغيرة؟ هل هي ما عرف بـlaquo;بيروت الكبرىraquo; عشية حرب 1975، والتي تمتد إلى عدد كبير من الضواحي؟ أم هي بيروت اليوم، التي هي عمليا عشرة أضعاف بيروت العاصمة الأهلية؟

لم يعد من الممكن الحديث عن عواصم عربية في خطوطها وحدودها الأولى. مساحة القاهرة اتسعت عشرة أضعاف، على الأقل، ما بين 1988 والآن. الرياض لم يعد أحد يعرف حدودها. دمشق تمددت في ريفها، شمالا وجنوبا. الكويت العاصمة ابتلعت ما كان في الماضي ضواحي نائية. منذ نصف قرن إلى اليوم لم يتوقف زحف الأرياف ولا اتساع المدن. لم يعد هناك شيء اسمه وسط القاهرة. لقد أصبحت حقا اسم التحبب الذي عرفت به: مصر. ولم يعد وسط بيروت أو laquo;رأس بيروتraquo; هو المركز التجاري أو المصرفي الاقتصادي.

الأمر بديهي طبعا. سورية الحالية تزيد على 22 مليون نسمة. ومصر تقارب الثمانين مليونا على الأقل، أو حتى هذه اللحظة. وبيروت التي كانت تضم 300 ألف نسمة يسكنها الآن نحو مليونين أيضا على الأقل. إنها أكثر ازدحاما من القاهرة أو غزة.

ماذا يضيع في هذا الازدحام؟ الملامح التاريخية والوجه القديم، مهما بذل المسؤولون، في كل مكان، من محاولات للإبقاء على عراقة العواصم. هناك مشاريع كثيرة للحفاظ على مطرزات القاهرة المعمارية، لكنها غير كافية إطلاقا. وهناك مشاريع جميلة جدا في دمشق القديمة، لكنها غير كافية على الإطلاق. وهناك أعمال جلي للحفاظ على قديم الرياض، لكن في أماكن كثيرة خارج الوسط، سبق التحديث الاستدراك. والمؤسف أن الكويت لم تتنبه باكرا إلى المسألة، بعكس البحرين، التي حافظت على الملامح القديمة في المنامة والمحرق، كعنوان لجماليات الجزيرة الصغيرة. وفي بيروت laquo;يقاتلraquo; وزير الثقافة، وليس فقط يحاول، من أجل الحفاظ على تراث عثماني - فرنسي يزين جهات عدة من المدينة، ويحاول رأس المال تسييله إلى إسمنت، وشقق تضاهي في غلاها أسعار باريس ولندن أحيانا. laquo;طردتraquo; باريس الناطحات الحديثة إلى خارج المدينة. فهي تعرف منذ زمن أن الثروة المعمارية لا يمكن إعادة اختراعها.