محمد عيادي

يختار السودانيون الجنوبيون في الاستفتاء الذي ينطلق اليوم بين البقاء في إطار السودان الموحد، وبين الانفصال وإعلان ميلاد دولة ثانية، وكل المؤشرات الداخلية والخارجية تشير إلى أن الكفة تميل -ومائلة أصلاً- للانفصال بدعم علني أو خفي من بعض دول الجوار، ودعم صريح من دول غربية على رأسها الولايات المتحدة الأميركية، التي مارست ضغوطها وثقلها على الرئيس السوداني لكي لا يعرقل هذا المسار، وهو ما اتضح جليا في زيارته الأخيرة لعاصمة الجنوب جوبا، وتعهده بالاعتراف بدولة الجنوب إذا ما أفضت نتيجة الاستفتاء إلى ذلك، الأمر الذي رحب به مسؤولون في الخارجية الأميركية، وجعل السناتور الأميركي الديمقراطي جون كيري، يرى فيه مؤشراً لعلاقة جديدة وجيدة للسودان مع بلاده.
ويظهر أن نتيجة الاستفتاء الذي ينطلق اليوم ويستمر حتى يوم 15 من الشهر الجاري، تم التهيؤ لها جيدا من قبل، خاصة في فترة الانتخابات الأخيرة التي عرفها السودان، حيث تحدث عدد من المحللين والمتابعين عن صفقة تمت بين حزب المؤتمر الوطني، وحزب الحركة الشعبية، جعلت المرشح الرئاسي للحركة ينسحب لصالح عمر البشير، مقابل عدم ترشيح حزب المؤتمر في انتخابات البرلمان والمحافظات في الجنوب، وتيسير سبل ترسيم حالة الانفصال القائمة على أرض الواقع منذ اتفاق نيفاشا 2005 من خلال حكم ذاتي.
وإذا كان انفصال الجنوب عن الشمال في السودان وولادة دولة جديدة تمثل تحديات لهذه الأخيرة، من حيث إمكانية بناء هذه الدولة وتوفير مقومات نجاحها وتحقيقها لطموحات الجنوبيين وانتظاراتهم، والقدرة على حل نقاط الخلاف العالقة مع الشمال، فإنه يطرح تحديات أكبر على الشمال وعلى نظام الرئيس عمر البشير وذلك لسببين رئيسيين:
الأول، أن الدول الداعمة للجنوب خاصة الغربية منها، وعلى رأسها الولايات المتحدة ستبذل جهدها وستقدم دعما للدولة الوليدة لتحول دون فشلها حفظا لمصالح تلك الدول قبل كل شيء.
الثاني، أن الانفصال يشكل عنوانا كبيرا للفشل الذريع لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في تدبير المرحلة السابقة، والعجز عن بناء دولة سودانية وطنية موحدة قادرة على إدارة التنوع والاختلاف الديني والعرقي والقبلي والسياسي بقواعد ديمقراطية وآليات حديثة تجعل من التنوع مصدر ثراء وقوة وليس سببا للفقر والتجزئة والضعف، بمعنى آخر، أن تجزئة السودان وانقسامه لدولتين سيضعف نظام حكم البشير وحزب المؤتمر الوطني داخليا، بشكل لن ينفع معه بعض الود الذي قد يكتسبه من الخارج، والأخطر من ذلك أن انفصال الجنوب قد يكون مشجعا لجهات أخرى داخل البلاد على السير في درب التجزئة السيئ، الأمر الذي جعل قادة سياسيين سودانيين يتخوفون من انقسام السودان لأربع أو خمس دول ndash;لا قدر اللهndash; وهو سيناريو مرعب.
إن انفصال الجنوب سيفرض ndash;أو هكذا يفترضndash; على نظام البشير إعادة النظر في منهجية إدارة الدولة والبلاد على المستوى السياسي والاقتصادي والتنموي، وعلى المستوى الاجتماعي والثقافي، وكيفية التعامل مع واقع التنوع العرقي والديني وما إلى ذلك من الإشكاليات التي لن تنتهي بانفصال الجنوب.
وقد بدأت ملامح متاعب ومشاكل تلوح بالشمال، ستزعج حكم الرئيس عمر البشير، مع إعلان الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض حسن الترابي الاثنين الماضي أن قيادة أحزاب المعارضة اتفقت على الإطاحة بنظامه سلميا في حال لم يستجب لعدد من مطالبها السياسية، وعلى رأسها إعادة تنظيم انتخابات جديدة ديمقراطية.
وقد أجلت تلك الأحزاب تحديد خطواتها لمقبلة إلى ما بعد انتهاء الاستفتاء وظهور نتيجته التي ستصب لصالح الانفصال إلا إذا حصلت معجزة وهو أمر مستبعد.
باختصار إن انفصال جنوب السودان سيضع الشمال وحكم الرئيس عمر البشير أمام تحديات كبيرة، ربما تكون أصعب وأعقد من تلك التي ستواجه الكيان الجنوبي الجديد.