لندن

تخلصت تونس من الديكتاتور ولكنها لم تتخلص من الديكتاتورية.. هذا هو الشعور العام الذي يدور في تونس وفي المحادثات بين التونسيين على تويتر والمواقع الأخرى في الانترنت. فبقاء محمد الغنوشي المعروف لدى التونسيين باسم 'موسيو وي وي' (السيد نعم نعم) الذي أعلن عن حكومة لا تمثل المعارضة فيها الا احزاب ثلاثة منها حزب وهو 'التجديد' ليس لديه سوى نائبين في البرلمان من بين 214 نائبا، يعني ان سيناريو عدم الاستقرار لا يزال قائما.
فما يطالب به التونسيون والمعارضة معهم هو تفكيك النظام السابق، والمشكلة التي تواجهها اليوم ان المعارضة التي قلم زين العابدين بن علي اظفارها وكذا الاسلامية التي سحقها في تسعينيات القرن الماضي ليست مهيأة لقيادة البلاد، لأنها لم تبن قواعدها، فيما ابتعد الاسلاميون، نظرا للقمع، عن بلدهم الى المنافي، رغم انهم كانوا القوة المهيأة لقيادة البلاد في العقدين الأخيرين من القرن الماضي.
لذا فالخيار الوحيد أمام تونس في الظرف الحالي هو الحزب الحاكم والجيش الحريصان على الاحتفاظ بالوضع القائم قبل رحيل بن علي مقابل بعض التنازلات البسيطة لارضاء الشارع التونسي. وهذا يظهر من الإجراءات التي أعلنها الغنوشي من اطلاق سراح سجناء سياسيين وأخبار عن تعيين مدوّن معارض للنظام في رتبة وزير من الدرجة الثانية.
من هنا يظل الوضع مفتوحا حول ما إذا كان التونسيون سيقبلون حكومة العهد الجديد برجال العهد القديم الذين لا يعرف أحد كيف سيتصرفون وقد غاب سيدهم عن الساحة. وأيا كان الوضع فالحكومة الانتقالية الحالية ليس أمامها الكثير للقيام به سوى تعزيز الأمن والتحضير للانتخابات.
وتشير 'نيويورك تايمز' الى مشاعر الغضب في الشارع التونسي حول حكومة الوحدة الوطنية، خاصة من المعارضة التي رضيت بالجلوس مع قادة النظام السابق الذي اكتفى بتوزيع فتات من الوزارات الثانوية عليهم.
وتحدث أحد قادة الحزب التقدمي الديمقراطي عن ثلاثة خيارات تواجهها تونس الآن: اما الصوملة أو انقلاب أو العمل مع بقايا النظام المؤهلين كخطوة أولى لتحقيق الديمقراطية.
وفي اتجاه آخر أوردت الصحيفة ما زعمت أنه مشاعر الخوف من الإسلاميين حيث نقلت عن مواطن قوله ان 'أحسن شيء فعله بن علي أنه سحق الاسلاميين'.

لا ديمقراطية من دون الاسلاميين

وفي مقال رأي لروجر كوهين في نفس الصحيفة وصف الثورة التونسية بأنها 'غدانسك عربية' مذكرا باضراب عمال السفن في مدينة غدانسك البولندية عام 1980، وقال ان الثورة لم تفصح بعد عن نتائج لكنه اشار الى انها متأخرة نوعا ما لأن الانظمة العربية ومعظمها متحالف مع امريكا، فقدت الصلة مع شعوبها. فهذه الأنظمة المتحجرة والفاسدة أعمت بصرها عمّـا يحدث في مجال الاتصال والتواصل الاجتماعي.
وشبه الكاتب الحكام العرب بتماثيل الشمع في متحف مدام توسو بلندن، وقال ان مسؤولية امريكا واضحة لأنها فضلت الديكتاتورية على ديمقراطية اسلامية. ودعاها للوقوف الى جانب الديمقراطيين التونسيين، موضحا أن عليها ان تمنع اختطاف الثورة من قبل نخب ديكتاتورية.
ورأى أن اجراء انتخابات ديمقراطية في تونس لن يتم من دون رفع الحظر عن الاسلاميين، داعيا امريكا الى التخلي عن عقلية 'المنطقة الخضراء' التي تتعامى عن واقع الامور في المنطقة.
وقال الكاتب ان المعايير المزدوجة التي يمارسها الغرب في المنطقة ما هي إلا وصفة للتطرف، وعليه أن يحتفي بالشجاعة التونسية لأن دعم العائلات الصدئة على عروشها لن تكون الجواب الشافي للغضب الشعبي.
وبالمقابل دعا الحركات الاسلامية التكريس للديمقراطية بدلا من استغلالها.

فرصة لامريكا

وفي رأي آخر، يرى تحليل في مجلة 'التايم' ان الإطاحة ببن علي تؤكد أن دعم الولايات المتحدة ليس كافياً لحماية الحكام العرب الأقوياء الذين يفتقدون الشرعية.
وحذر من تكرار الدرس التونسي في عدد من الأمكنة في العالم العربي، مشيرا الى الحذر الذي يقابل به الواقعيون في إدارة باراك اوباما أحداثا مثل تونس.
وانتقدت 'التايم' اجندة الحرية والدمقرطة للرئيس السابق جورج بوش التي قالت انها لم تؤد إلا الى تقوية القوى المعادية لأمريكا. وقالت ان تجربة العقد السابق اقنعت الأمريكيين أنه يجب عليهم أن يفرضوا الديمقراطية بكعب البندقية ولكن ليس من مصلحتهم معارضة القوى الديمقراطية، خاصة أن اسم امريكا في الحضيض بسبب حروبها في العراق وافغانستان ودعمها اللامشروط لإسرائيل.