مثلما تسربت شائعات نبش قبر الرئيس الراحل صدام حسين، من قبل مجهولين، فان قبر والدة القذافي لم يسلم من الأمر عينه، فقد انتشلت عظامها، وأحرقت من قبل ليبيين، لتقدم أبشع صور الانتقام في الزمن الحاضر.


أمستردام ndash; عدنان أبو زيد: صاحَبَ انتفاضات الربيع العربي تركيز كبير على الزعيم فحسب وليس النظام، بغية إذلاله وقهره والانتقام منه والتشفي به، ولاغرو في ذلك فلطالما كان الرقص على الجثث ظاهرة متخلفة ومقززة، فهو يختصر ثقافة ثأرية اختمرت طويلاً في أعماق المجتمع بأجياله كافة بحسب الكاتب العربي عبد الوهاب بدرخان في حديثة لـ quot;إيلافquot;.

ففي مصر أولى المنتفضون اهتمامًا كبيرًا برأس النظام، وليس النظام ككل، حتى بدا وكأنه مطلبهم الوحيد، وفي الوقت الذي آل إليه مصير الرئيس المصري المخلوع إلى السجن تلاحقه قضايا رفعت ضده أمام المحاكم، الا ان مصير التغيير في ليبيا هو ملاحقة القذافي والقبض عليه وقتله على أيدي ملثمين وquot;أنصافquot; ملثمين، بدت في بعض تفاصيلها مشابهة لـquot;حفلةquot; إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، الذي حوكم وأعدم في محاكمة علنية، تحت الحماية الأميركية، لكن التشابه كان في إحاطته لحظة الإعدام بأفراد اختفت وجوههم خلف الأقنعة، وبدوا بحسب مشاهد الفيديو التي سُربت انهم ينتقمون من الرئيس المخلوع أي انتقام.

لكن الكاتب خير الله خير الله يرى في ما حدث بديهية في العالم العربي، فقد حصد معمّر القذافي، وقبله صدام حسين ما زرعاه لا أكثر ولا اقل، حيث لعبا دورًا مهمًا في القضاء على كل ما هو حضاري في البلد. تاركين كلاهما البلد للرعاع.
ومثلما تسربت شائعات نبش قبر الرئيس الراحل صدام حسين وقتها، من قبل مجهولين، فان قبر والدة القذافي لم يسلم من الأمر عينه، فقد انتشلت عظامها وأحرقت من قبل ليبيين، لتقدم أبشع صور الانتقام في الزمن الحاضر.
هذا التقرير يسلط الضوء على وجهات النخب المثقفة في ما يخص حفلات إعدام الزعماء العرب، لاسيما وان بعض الكتاب من مثل الكاتب المصري فؤاد التوني يسرد تفاصيل دقيقة عن لحظات الرئيس العراقي صدام حسين، حيث يصفها كاالآتي في حواره مع إيلاف: انتهز quot;مقتدى الصدرquot; الفرصة للتشفي، وحضر لحظة الإعدام، وتعمد رجاله إطالة الحبل الملفوف حول عنقه حتى يسقط على الأرض حيًا، ثم تولوا تعذيبه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، ثم وضعوا الحبل حول عنقه لإعطاء الانطباع أنه أُعدم شنقا، وفصل رجال الصدر رقبته عن رأسه قبل أن تسلم الجثة إلى شيوخ بلدة quot;العوجةquot; مسقط رأسه لدفنه (بحسب وصف التوني)، وهو ما يتفق والحالة الليبية في انه ينافي الأعراف الدولية ومبادئ القانون والأديان السماوية.
التوني يصف شنق صدام بتفاصيل جديدة ويقارنه بمقتل القذافي
لكن التوني يرى ان هناك خروقًا للقانون الدولي شارك فيها الإعلام في مسألة قتل quot;القذافيquot;، على أيدي الثوار الذين تجاهلوا بنود اتفاقية جنيف الأولى والثانية الداعية إلى ضرورة معاملة المعتقل بشكل إنساني، وظهر الثوار وكأنهم الوجه الأخر للعملة على افتراض أن القذافي الوجه الأول للعملة.
ويضيف: لا ننسى أن القذافي في يوم ما كان quot;ثائرًاquot; حين قام بانقلاب 1969، قبل أن تلعب السلطة برأسه، ويتجه إلى عبادة الذات، وإهدار ثروات شعبه على نزواته للبحث عن زعامة مقابل المال. أما quot;صدام حسينquot; فالأمر يختلف، فقد فضل مواجهة حبل المشنقة بكل شجاعة قبل خمس سنوات وتحديدًا في أول أيام عيد الأضحى في 30 ديسمبر 2006.
عبدالوهاب بدرخان: إهانة صدام والقذافي
يقول الكاتب العربي عبدالوهاب بدرخان انه لطالما كان الرقص على الجثث ظاهرة متخلفة ومقززة، فهو يختصر ثقافة ثأرية اختمرت طويلاً في أعماق المجتمع بأجياله كافة، وعندما تحين اللحظة التاريخية لا يمكن لأحد أن يسيطر على الحدث.
وحول الحالة الليبية يرى بدرخان انه لابد أن نتذكر تمتعه لزمن متمادٍ باحتقار الشعب وإلغائه انتهاءً إلى اليقين بأنه لم يعد موجوداً. هناك الكثير من quot;المبرراتquot; التي أوردها الليبيون، وقبلهم العراقيون، لضرورة أن يتعرض الزعيم الأوحد السابق لشيء يبقى بسيطاً من الإهانات التي عانوها، ولعلها مبررات تدعو الى quot;تفهمquot; ردود الفعل الأولى للشبان الذين التقطوا القذافي أولاً، لكن لم يكن هناك أي مبرر لجعل الجثة مزاراً للشماتة فالاعتبارات الأخلاقية (وحتى الدينية) تتقدم في تلك اللحظة على الاعتبارات السياسية.
ويتابع بدرخان: أما وقد حصل ما حصل، بعفوية وانفلات، فلنفترض أنه يشكل الحد الفاصل بين ثقافة تسببت الدكتاتورية نفسها في إبرازها وبين ثقافة أخرى تؤسس لها ثورات الربيع العربي حتى عنوان عدم السماح بتكرار التجربة الاستبدادية، وإلا فإن الثأر سيجرّ الثأر إلى ما لا نهاية.
خير الله خير الله: الزعيم والرعاع
ويقرأ الكاتب خير الله خير الله الحدث من زاوية ان معمّر القذافي، وقبله صدام حسين قد حصدا ما زرعاه لا أكثر ولا اقل، فقد لعبا دورًا مهمًا في القضاء على كل ما هو حضاري في البلد. تركا البلد للرعاع.
ويتابع خير الله: من هذا المنطلق جاءت الطريقة التي انتهت بها حياتهما طبيعية. قضى القذافي على مؤسسات الدولة، فيما سبقه صدام حسين في القضاء على دولة القانون عن طريق تمكين العائلة، وما هو متفرع عنها، من التحكم بالمفاصل الأساسية للسلطة.
ً
في الحالتين، كان الهدف ممارسة السلطة استنادا الى قيم ريفية لا علاقة لها بالمدنية. بدلاً منان يتعلم القذافي وصدام من قيم المدينة، اذ بهما يعملان على ترييفها.
ويتساءل خير الله عبر quot;إيلافquot;: هل يمكن إعادة ترميم المجتمعين في ليبيا والعراق؟ فلإمكان ترميم المجتمع يترتب الكثير، اذ يقف البلدان حاليًا عند مفترق طرق. هل هما قابلان للحياة ام إنهما مقبلان على دورات جديدة ومتجددة من العنف يصعب التكهن بما اذا كانت ستكون لها نهاية يوما.
عقل العقل: الثوار quot;الإسلاميونquot; والتمثيل بالجثث
وفي حديثه لـ quot;إيلافquot; يؤكد الكاتب السعودي عقل العقل انه ضد الحكام الظلمة مثل صدام حسين ومعمّر القذافي وما فعلوه من مظالم ضد شعوبهم من قتل وسحل لمعارضيهم.
لكنه يتساءل: هل الجزاء من جنس عملهم و ماضيهم، فليكن ذلك.. ما هو الضرر الذي حصل من محاكمة صدام حسين وبعض أركان حكمه إلا محاولة لإرساء دولة القانون ولكن كل ذلك تم تحت القيادة الأميركية مع الأسف.
ويتابع: أعطي صدام حسن على الأقل، الفرصة لكي يدافع عن نفسه، وسواء نتفق أو نختلف معه هذه قضية لا تهمّ، لكن المهم إن تكرس العدالة حتى لعدوك، لكن وللأسف عندما تم تسليمه إلى سلطات العراق الجديدة لتنفيذ حكم العدالة فيه ظهرت أصوات الطائفية البغيضة، ولم تحترم قدسية الموت، ومن تلك الأصوات النشاز خلق صدام بطل لمن كانوا ضده للأسف.
ويضيف: أما القذافي فأنا أقف الموقف عينه تجاهه مهما فعل وقتل ووصف شعبه وأهله بالجرذان، إلا انه قبض عليه حيًا ومعه بعض رفاقه فمن الناحية الإسلامية، فان الإسلام يدعو إلى احترام حقوق الأسير و تضميد جراحه.
ويتساءل العقل: الغريب إن من قبض علي القذافي هم من الثوار الإسلاميين الذين كانوا يكبرون ويهللون عندما قبضوا عليه. وإذا كان القذافي قد أجرم بحق شعبه، وهو كذلك، فالثورة والنظام الجديد كما يطرح يدعو إلى العدالة ودولة القانون، ولكن باعتقادي أنهم سقطوا بقتله أولاً بطريقة همجية، ومن ثم التمثيل بجثمانه، ومن ثم عرضها للجماهير للتشفي في مصراته.
ويرى العقل ان مثل هذه الأفعال تسيء إلينا كعرب و مسلمين أمام العالم وتظهرنا وكأننا نعيش في القرون الظلامية.
ويقول العقل إنه حزن كثيرًا على فيديو لمحاكمة شاب ليبي أمام محكمة صورية تمت في ملعب بنغازي بتهمة الإرهاب، وتم إعدامه أمام الجماهير في منظر مروع وغير إنساني.
سعد محيو: قرار إطاحة الرؤساء العرب من واشنطن
ويؤكد الكاتب اللبناني سعد محيو أن لا أحدًا من المهتمين حقاً باللون الزاهي للربيع العربي، يمكن أن يقبل أو يتغاضى عن الطريقة اللا إنسانية التي يتم فيها التعاطي مع الرؤساء العرب المُطاح بهم.
ويتابع: إذا ما كانت ثورات هذا الربيع تستهدف غداً ديمقراطياً جميلاً بديلاً من بشاعة ديكتاتوريات اليوم، فمن باب أولى أن تكون الولادة الجديدة ديمقراطية، وحضارية، ولا تعيد إنتاج أساليب الديكتاتوريين أنفسهم.
لكن محيو يطرح فكرة جديرة بالملاحظة وهي ان قرار إطاحة الرؤساء العرب (قتلاً، أو تنحية، أو حتى سحلاً) يأتي أولاً من واشنطن (راقبوا بيانات أوباما حول بن علي ومبارك، والآن بشار الأسد وعلي صالح). ألا يبدو من طبيعة هذه البيانات أن من quot;عيّنquot; هؤلاء القادة هو في الدرجة الأولى الذي يتخذ قرار دحرجة رؤوسهم؟.
عدنان فرزات: دفن الأسرار
الكاتب والروائي السوري عدنان فرزات يرى ان مستلزمات العمل المدني الداعي إلى السلوك الحضاري، هو في أن يقدم الزعيم - أي زعيم مخلوع على أيدي الثوار- إلى المحاكمة.. هذا ما يجب أن يكون، ولكن باعتقادي أن ما يحصل أحيانًا من قتل مستعجل وانتقامي للزعيم، ناجم من أحد أمرين، فإما أن هناك تعليمات مسبقة تقضي بدفن الأسرار السياسية التي يحملها هذا الزعيم من خلال قتله فورًا، وإما أن صور القتل والتنكيل والجرائم التي ارتكبها الزعيم الطاغية حال حياته، تداعت إلى أذهان الثوار لحظة إلقاء القبض على هذا الزعيم، مما أدى إلى قتله بهذه الطريقة.
جرجيس كوليزادة: ثائرون لا يضبطون تصرفاتهم
ولا يعتبر الكاتب جرجيس كوليزادة quot;سحل القادةquot; ظاهرة غريبة عن واقع النظام السياسي المفروض على العالم العربي منذ الحرب العالمية الثانية، وهي نتيجة حتمية للاستبداد والقمع والاضطهاد والطغيان الذي فرضته الأنظمة على شعوبها في الشرق الوسط وشمال إفريقيا، وهي أيضًا نتيجة لإنكار كل الحقوق الإنسانية والقيم الأخلاقية من قبل النظام على مواطنيه، وتجريدهم من كل حق إنساني مرتبط بهوية المواطنة والحرية والكرامة، وهذا ما ولّد أشكالاً من رد الفعل العنيف ومظاهر الحقد والكراهية والإسقاط الجذري لكل ما هو مرتبط بالنظام عند تعرضه الى السقوط او الانهيار.
ويتابع كوليزادة: ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن كشفت لنا عن عمق الانفصال الحاصل بين النظام والشعب، وبدءًا من عقود طوال، وبينت لنا بالمشاهد اليومية الرد العنيف والقاتل بشتى أنواع الاسلحة العسكرية الثقيلة للنظام مع شعبه الثائر لنيل حقوقه الانسانية في الحرية والكرامة، وخاصة من قبل النظام في طرابلس ودمشق وصنعاء.
ويرى كوليزادة أن من غرائب الأمور ان أحداث الثورات أثبتت هشة التفكير السليم والغياب المطلق لمنطق العقل والتصرف الصائب لرؤساء تلك الأنظمة أمام شعوبهم من خلال لجوئهم إلى العنف المطلق لكبح جماح الشعوب الثائرة بثورات سلمية ومتمسكة بالمدنية، ولهذا فإن رد الفعل الحاصل بسحل قادة ومسؤولي الأنظمة المنهارة من قبل أفراد ثائرين يفقدون السيطرة على ضبط تصرفاتهم في ساحة الميدان نتيجة متوقعة، وعلى العاقل من الحكام المستبدين ممن مازال يعاند المنطق ولا يقتنع بنهاية حكمه المستبد ان يأخذ العبرة ممن سبقه، وان يسهل على نفسه نهاية مشرفة، وإلا فإن السحل سيكون نهاية حتمية له ولكل الطغاة.
درويش محمى: الجلَاد عادة يكون ملثماً
من قبض علي القذافي هم من الثوار الإسلاميين الذين كانوا يكبرون و يهللون عندما قبضوا عليه.و إذا كان القذافي قد أجرم بحق شعبه وهو كذلك فالثورة و النظام الجديد كما يطرح يدعو إلي العدالة و دولة القانون ولكن باعتقادي إنهم سقطوا بقتله أولا بطريقة همجية ومن ثم التمثيل بجثمانه ومن ثم عرضها للجماهير للتشفي في مصراته.
يصف الكاتب السوري درويش محمى ما حدث لمعمر القذافي بأنه تصرف وحشي، والذين قاموا بفعلتهم الشنيعة تلك، لا شك أنهم مجموعة من الرعاع، وليس من الإنصاف وضع ما حدث لمعمّر القذافي وما حدث لصدام حسين، في سلة واحدة، فالأول تعرّض للضرب والإهانة والتعذيب وعملية تصفية دموية فور الإمساك به. أما نهاية صدام حسين فقد كانت مختلفة، والفضل في ذلك يعود للأميركيين، فقد مثل الرجل أمام محكمة علنية ليدافع عن نفسه، وصدربحقه حكم الإعدام، ومن ثم أعدم.
يقول محمي: الجلاد عادة يكون ملثماً، فهي quot;صنعةquot; غير محببة الى النفس، والجلاد الذي يقوم بتنفيذ حكم صادر من محكمة، هو مجرد موظف قاس القلب لا يحب أن يظهر للناس، وصدام حسين تم قتله على يد أحدهم. أما القذافي، فقد تم قتله بطريقة وحشية من قبل مجموعة ملثمة يقال انها مجموعة من quot;الثوارquot;، وهم في الحقيقة مجموعة من القتلة لا أكثر ولا اقل.
ويرى محمى ان الأنظمة الاستبدادية هي المصدر الأول للعنف في مجتمعاتنا، لكن هذا لا يبرر العنف المضاد أو ما يسمى بالعنف الثوري، فالمجتمع العربي يحتاج اعادة النظر في تكوين ثقافته النفسية والاجتماعية، إضافة الى بناء مجتمعات تقوم على أساس العدالة الاجتماعية، والى ذلك الحين، سنشاهد المزيد من حوادث العنف والسحل والقتل، للأسف الشديد.
(يتبع)