إياد الدليمي

سنوات طويلة ونحن لا نعرف شيئا عن ليبيا، حتى الصور التي تأتي من هناك كانت شحيحة، لم نكن نعرف ماذا يدور خلف ذاك السور الذي صنعه نظام القذافي حول ليبيا، كأنها ضيعة أو بيت تابع له ولعائلته، كل ما كنا نعرفه من ليبيا هو القذافي، وفي السنوات الأخيرة عرفنا سيف الإسلام وأيضاً هانيبعل، عرفنا مغامراتهم ونزقهم، لتبقى الصورة من طرابلس مشوشة وضبابية، حتى جاءت الثورة.
لقد سعى اللانظام القائم في طرابلس إلى حجب ليبيا عن العالم، سعى لتكون محميته الخاصة، أسدل عليها جلبابه المتخلف، ظن أن المال يمكن أن يشتري كرامة الشعوب، عَكَس على بلد المختار شيئا من تخلفه وعنجهيته حتى ساعة الحساب، فبدا وكأنه خارج من قاع مصباح علاء الدين، لا يدري عما دار حوله طيلة عقود من الزمن.
من استمع للقذافي في خطابه مساء الثلاثاء ومن قبله خطاب ابنه سيف الإسلام، أدرك تماما أننا إزاء نظام مختلف ومتخلف في الوقت ذاته، فلقد تعامل الأب وابنه مع ليبيا معاملة القمعي والدموي الذي يرفض أن يسمع كلمة laquo;لاraquo; له ولنظامه الحاكم.
لقد بدا القذافي ومن قبله سيفه ndash;وليس سيف الإسلامndash; متهالكا على كرسي الحكم، مستعدا أن يحرق ليبيا إذا لزم الأمر، في سبيل عرشه الوهمي الواهي الذي أقنع نفسه به سنين طويلة، فكانت صورة أخرى تخفي وراءها أسباب الانكسار التي غالبا ما كنا نلحظها على وجوه الليبيين، فهم يعيشون في ظل نظام أقل ما يقال عنه إنه دموي وقمعي، حتى الديكتاتورية تكون وصفا رقيقا إزاء تلك الوحشية المفرطة التي عبر بها الأب وابنه.
ثورة الشهداء الألف في ليبيا غيرت المفاهيم، وأظهرت معدن هذا الشعب الثائر، أظهرت حقيقة تلك النفوس التي تحدت هذا الجبروت القذافي وخرجت إلى الشارع معلنة صرختها المدوية، لا للقذافي ولا لابنه وعائلته.
ثورة الشهداء الألف كشفت وبشكل جلي أن أحفاد عمر المختار ما زالوا قادرين على أن يغيروا مجرى التاريخ، ما زالوا يمتلكون تلك الروح الثائرة التي جابهوا بها آلة الاستعمار الإيطالي، ولسان حالهم يقول ما قاله المختار الشهيد laquo;نحن شعب لا نستسلم.. ننتصر أو نموتraquo;.
لقد كانت الروح المختارية حاضرة في ضواحي بنغازي وطبرق والبيضاء وطرابلس، كانت المشاهد القليلة التي تصل من هناك تدلل وبما لا يقبل الشك أن الشعب الليبي نفض عن نفسه ثوب الخنوع لهذا الطاغية، وقرر أن لا يعود إلا وقد تحرر من طغمة القذافي.
صاحب الكتاب الأخضر لا يبدو أنه سيكون مثل سابقيه، زين العابدين ومبارك، فهو أبدى استعدادا واضحا -ومن قبله ابنه- لحرق ليبيا، كل ليبيا، كما فعل من قبله نيرون، وهو ما يتطلب موقفا عربيا ودوليا واضحا لتجنيب ليبيا حمامات من الدم ينوي أن يغوص فيها القذافي.
الليبيون خرجوا، لا يريدون سوى حريتهم وكرامتهم، يريدون أن يشعروا بقيمة ليبيّتهم، قيمة جدهم الشهيد عمر المختار، قيمة انتمائهم لقبائل عربية أصيلة لا ترضى بالذل والاستكانة التي يريدها لهم القذافي.
الصورة من ليبيا اليوم ليست كما عهدناها، ليبيا اليوم ليست القذافي يا سيادة الزعيم، ليبيا اليوم تريد أن تعود لتاريخها، ليبيا لفظتك، ولفظت خرافاتك وطغيانك وجنونك، فاستمع لصوت العقل واترك البلاد، الآن وليس غداً، هذا إذا كنت ما زلت تشعر بالانتماء إلى ليبيا، ولو أني أشك في ذلك.
دمويتك أيها الزعيم كشفت عن وجه قبيح، وجه
وحشي، شوّهت به صورة ليبيا وتاريخها، لطخت به كل تلك السنوات الطويلة التي كانت فيها ليبيا في يوم من الأيام قبلة الأحرار حول العالم، فارحل ولا تتمادَ أكثر فالتاريخ لن يرحمك.