مشاري الذايدي

وأخيرا laquo;قطعت جهيزة قول كل خطيبraquo;، وجهيزة هنا هي أميركا، وقول كل خطيب هو مراهنات نظام بشار الأسد على خوف العالم منه وحاجتهم إليه، أو توقعات وتحليلات أناس في صفوف الثوار السوريين بأن ثمة صفقة تطبخ في الخفاء بين المجتمع الدولي بقيادة أميركا، والإقليمي بقيادة تركيا والدول العربية الكبرى، مع النظام الأسدي.
الآن حصحص الحق، وذاب الثلج وبان المرج، واتضح لكل ذي عينين أن ساعة النظام الرملية تكاد توشك على النفاد، وأن زرع الأسد المصفر قد طالته يد الحصاد.
خمسة أشهر من دوران آلة القتل الأمنية في لحوم ودماء وأحزان الشعب السوري، الكل نصح بشار الأسد، والكل صبر عليه، والكل حنق منه بسبب تعنته العجيب، وإصراره المجنون على إرغام العالم كله على أن يستغبي نفسه ويصدق ترهات إعلام الأسد في سوريا، أو من قبل أبواقه اللبنانية، في أن ما يجري هو مجرد عصابات مسلحة أصولية أو غيرها يتم التعامل معها، بل وصل الحال في الكذب والتكاذب إلى أن وليد المعلم وزير الخارجية laquo;الشيخraquo; لهذا الشاب الرئيس يقول إن laquo;الأزمة أصبحت وراء ظهرناraquo;، في صورة تذكرنا بإخفاقات الدبلوماسي العراقي الشهير طارق عزيز الذي كان يحاول جاهدا وضع مساحيق التجميل على وجه النظام القبيح.. ولكن هل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟!
ما بقي من الوقت بالنسبة لنظام الأسد سيكون وقتا تعيسا، فهو سيبالغ في العناد، وسيتخذ خيارات شمشونية على طريقة علي وعلى أعدائي، لكن صدام حسين فعل ذلك من قبل، وبشار أضعف أثرا من صدام حسين: النفطي والكيميائي، والأهم: الأكثر شعبية في العالم العربي.. ومع ذلك ذهبت جعجعات صدام أدراج الرياح.
عزل الأسد ومطالبته بالرحيل، سيسببان صداعا أمنيا وإعلاميا في المنطقة، وربما تحاول إيران إنقاذ حليفها في دمشق من خلال إثارة أوراق طائفية أو أمنية هنا وهناك، خصوصا في دول الخليج، لكن هذه الدول مجبرة على تحمل هذا الصداع لبعض الوقت. فهذا هو ثمن التخلص من المرض السياسي المقيم الذي سببه نظام الأسد، العجيب في مواقفه وتحالفاته.
ما يجري حاليا هو laquo;بدايةraquo; الجراحة وليس نهايتها، لكن لم يكن ثمة مهرب من هذا الحل، وقد laquo;أحسنraquo; بشار الأسد ونظامه إلى الشعب السوري والمنطقة من حيث لا يشعرون!.. نعم، فبسبب تعنت الأسد وغروره أو قل تصلبه، أجبر الجميع على الابتعاد عنه وعن نظامه الملوث بدماء الناس جهارا نهارا. إن الكثير كانوا يخشون أن يتمتع الأسد بقليل من الحصافة السياسية فيؤخر لحظة الحسم بمناورة ما هنا أو هناك، لكن أثبت بشار أنه عند حسن الظن، واستمر، كما كل السياسيين العقائديين، على طريق من اتجاه واحد، يقود إلى الهاوية أو الارتطام بالجبل.
لم يبق من شجرة الأسد بعدما تساقطت أغصانها إلا جذع يابس منخور، ومعه سقطت أوهام المقاومة والممانعة laquo;الكاذبةraquo; التي استباح فيها نظام الأسد ومعه حزب الله في لبنان وسيدته، إيران، كل شيء، وأصبحت كلمة المقاومة هي المفتاح السحري لمغارة علي بابا العربية!.. وبسحر هذه الكلمة رقص رقصة الدراويش الكثير من الإعلاميين والمثقفين العرب طيلة العقد الماضي!