رمزي صوفيا
كيف يمكن لإنسان ان يرمي بفلذة كبده في الشارع؟ كيف يمكن لأم أن تجف عاطفتها لهذه الدرجة؟ أسئلة نطرحها على أنفسنا كلما سمعنا أو شاهدنا طفلا رضيعا رمته والدته في القمامة أو على قارعة الطريق لتتخلص منه إلى الأبد.
إنها الكارثة التي صرنا نعايشها على مضض من دون أن نستطيع تغيير نوعية أولئك الأمهات حتى يغيرن ما بأنفسهن. لقد صارت أخبار عثور الشرطة المغربية على رضيع في أيامه الاولى مرميا على قارعة الطريق أو وسط الازبال أو منهوشا من الكلاب الضالة. صار هذا المشهد مألوفا لدينا. والمؤسف أن الأم التي ترمي فلذة كبدها تكون في مقتبل العمر. وهذا ما يعرضها مستقبلا لهزات نفسية بسبب استحالة نسيانها لطفلها في يوم من الأيام، كما أن ذلك الطفل اللقيط يصبح عالة على المجتمع ويزيد من تحملات الدولة من الناحية المالية.
وقد كشفت دراسة مغربية ان عدد الاطفال الذين يتم انجابهم خارج مؤسسة الزواج بلغ 45 ألف طفل في السنة الماضية ، بمعدل ستة أطفال كل ساعة، وقالت الدراسة، التي اجرتها جمعية quot;انصافquot;: ان هناك 27.199 أما عازبة بالمغرب، وضعن 45.424 طفلاً، وأن 21 في المئة منهن لديهن ما بين 3 و6 أطفال لقطاء .
وأكدت الدراسة نفسها ان عدد الامهات العازبات في المغرب يعرف تزايداً كبيراً سنة بعد أخرى في عام 2009 وصل عددهن الى 277 ألف أم عازبة، فيما كان عددهن عام 2007 نحو 25 ألف فتاة، ما يبرر التحذيرات التي أطلقها الباحثون وجمعيات حقوقية حول استفحال ظاهرة الامهات العازبات.
وحسب الدراسة التي اعدتها جمعيةquot;انصافquot; المهتمة بمساندة المرأة والطفل في وضعية صعبة، فإن الأمهات العازبات في المغرب ينجبن يوميا 135 طفلا خارج مؤسسة الزواج، بحيث يتم التخلي عن 24 منهم مباشرة بعد الولادة. وكشفت عن ان 35 في المئة من الامهات العازبات، اللواتي يوجدن خارج اطار الجمعيات، قد عاودن تكرار الخطأ نفسه، حيث إن 14 في المئة منهن قد انجبن للمرة الثانية و10 في المئة للمرة الثالثة و11 في المئة عاودن الخطأ أكثر من أربع مرات.

وقد تبين أخيراً ارتفاع عدد الامهات العازبات في المغرب وعدد اللقطاء بسبب عوامل عدة متداخلة اهمها الفقر والأمية، وغياب الثقافة الجنسية في البيت والمدرسة، والقيود التي يفرضها المجتمع المغربي على الزواج.
كما أن هناك مجموعة من الاختلالات التي تحرم الأم العازبة وطفلها من حقوقهما، أولها عدم ملاحقةquot; الأب البيولوجيquot; في حال تهربه من تحمل المسؤولية، مما يستدعي ضرورة سن قوانين جديدة تمكن الأم العازبة وطفلها من التمتع بكل حقوقهما، وحذف قوانين أخرى مجحفة بحقهما.
وللاشارة فان غالبية الأمهات العازبات هن من العاملات وخادمات البيوت، وان 61 في المئة من الامهات العازبات تقل اعمارهن عن 26 سنة، بينما 32 في المئة منهن لا تتجاوز أعمارهن العشرين سنة وفي هذا السياق فقد دقت عائشة الشنا، الناشطة الحقوقية، رئيسة جمعية التضامن السنوي، ناقوس الخطر بخصوص وضعية الأمهات العازبات والاطفال مجهولي النسب في المغرب، مشيرة الى أنه يولد يوميا مئة طفل خارج اطار الزواج في البلاد.
وكشفت السيدة عائشة الشنا، التي تعتبر من رائدات العناية بالطفولة والأمومة التي تعاني من ويلات الانجاب خارج مؤسسة الزواج عن أن نحو 500 ألف طفل مغربي ولدوا خارج مؤسسة الزواج بين سنتي 2003 و 009 ، حسب ما جاء في دراسة عن هذا الموضوع. مضيفة ان هؤلاء الاطفال ولدوا من 200 ألف أم عازبة، وأنه يولد يوميا مئة طفل خارج اطار الزواج، وان 24 طفلا يتخلى عنهم في الشارع يوميا.
وحذرت الشنا من ارتفاع العدد خلال العشرين عاما المقبلة بنسبة 50 في المئة في حال لم يتدخل المسؤولون المغاربة ويعيدوا النظر في الفصل 446 من القانون الجنائي.
وللاشارة فالأم العازبة وابنها يكلفان خزينة الدولة 4000 درهم شهرياً، وبالحساب الدقيق فالاطفال المتخلى عنهم في الشارع والذين يتم ايواؤهم في الملاجئ ودور الرعاية يكلفون ما بين 300 و 400 دولار أميركي شهريا لمدة 20 عاما.
ويذكر ان الفصل 464 من القانون الجنائي المغربي يشير الى ان quot;الطفل المولود خارج اطار الزواج يعد قانونيا quot;ابن زناquot; ما دام لم يعترف به الأبquot;.
لكل هذا فإني أدق ناقوس الخطر كما دقته عشرات الهيئات حول موضوع كبير يجب تكبيره لجعله حديث المجتمع المغربي حتى يتم وقف نزيف الاطفال الذين يضيعون يوميا بعيدا عن أمهات تركن للقدر على قارعة طريقة من طرقات المغرب.
واطالب الحكومة التي أكدت أكثر من مرة أنها عازمة على اجراء اصلاحات عدة بأن تنكب على هذه المعضلة الاجتماعية وان تضع تدابير زجرية صارمة ومتشددة في حق المجرمين الذين يغتصبون الفتيات والنساء وهم مطمئنون كل الاطمئنان إلى رأفة القوانين المغربية بهم.
اطالب كل الهيئات المسيرة للشأن العام في المغرب من برلمان وحكومة بمحاسبة مغتصبي النساء الذين يتسببون في معظم حالات الحمل خارج مؤسسة الزواج. اطالب بجعل هذا النوع المشين من الرجال الفاقدين لذرة رجولة عبرة لمن يعتبر لأنهم يجعلون فتاة وطفلا يفقدان كل مقومات العيش الكريم عندما تتحول فتاة بريئة الى أم لطفل لقيط رغم انفها. كما اطالب بالاهتمام بشكل أكبر بهذا النوع من الأمهات المغلوبات على أمرهن والأطفال الذين يمكن ان يكونوا ذات يوم من أفضل رجالات بلدهم. وأرجو المحسنين ان يدعموا عمل الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني الفاعلة في هذا المجال الانساني البحت.
* إعلامي عراقي مقيم في المغرب