أحمد عثمان


هل تؤدي تصريحات الشيخ يوسف القرضاوي، المعادية لدولة الإمارات، إلى خلاف بين دول الخليج وحكومة مصر ما بعد ثورة 25 يناير، وهل يعود الخلاف بين مصر والعرب كما كان أيام الرئيس جمال عبد الناصر، الذي هاجم حكام العرب؟ وهل يعيد حكم laquo;الإخوان المسلمينraquo; في مصر محاولة فرض سيطرتها على الدول العربية باسم الخلافة الإسلامية، كما حاول عبد الناصر فرضها باسم القومية العربية؟!

في لقاء مع قناة laquo;الجزيرةraquo;، هاجم القرضاوي قرار الإمارات بإلغاء إقامة بعض الشباب السوري في البلاد، بسبب إصرارهم على الاعتصام في السفارة السورية، مما سبب حرجا للحكومة المسؤولة عن حمايتها، ثم أساء القرضاوي في تصريحات إلى حكام الإمارات. ورد الفريق ضاحي خلفان، القائد العام لشرطة دبي، على القرضاوي قائلا، إن القرضاوي laquo;شتم العالم كله.. منعناه من دخول أراضينا لتأسيسه مشروعا لإحداث البلبلةraquo;. وهدد قائد شرطة دبي بالقبض على القرضاوي، بسبب ما قال إنه سب للإمارات؛ دولة وحكومة.

وبينما رفض المجلس الوطني السوري محاولة القرضاوي فرض وصايته على السوريين، والإساءة إلى موقف الإمارات الداعم لنضال الشعب السوري، رفضت جماعة الإخوان المسلمين هجوم ضاحي خلفان على القرضاوي، الذي تعتبره واحدا من أهم رجالها. تضامنت جماعة الإخوان مع القرضاوي في هجومه على دولة الإمارات، وقالت على لسان محمود غزلان، عضو مجلس الإرشاد المتحدث باسمها، إن دولة الإمارات لن تجرؤ على اعتقال القرضاوي، مهددا بتحرك الجماعة ضدها إذا ما هي اعتقلته.

أغضبت تصريحات القرضاوي حكومة الإمارات، كما انزعج وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد من تصريحات ممثل laquo;الإخوان المسلمينraquo;، وطالب الحكومة المصرية بإيضاح موقفها من هذه التصريحات سيئة النية. كما استنكر مجلس التعاون الخليجي تصريحات جماعة الإخوان، وقال في بيان أصدره، إن هذه التصريحات laquo;لا تنبئ عن نوايا طيبة ضد حكومات وشعوب المنطقةraquo;.

فبعد الانقلاب العسكري الذي قام به تنظيم الضباط الأحرار في مصر عام 1952، نادى جمال عبد الناصر بفكرة القومية العربية، وطالب بتوحيد الدول العربية في دولة مركزية واحدة تحت إمرته، مما أغضب باقي الدول العربية - خاصة دول الخليج - التي راح يهاجمها. ويبدو واضحا الآن من تصرفات جماعة الإخوان المسلمين وتصريحات قادتها، أنها عازمة على تحقيق أهداف مؤسسها حسن البنا، وإعلان عودة نظام الخلافة الإسلامية في مصر. فبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، قرر كمال أتاتورك، أول رئيس للجمهورية التركية، إلغاء الخلافة العثمانية في إسطنبول عام 1924. وفي مايو (أيار) 1926 عقد ممثلون عن الدول العربية مؤتمرا في القاهرة، للاتفاق على إعلان نظام الخلافة الجديدة، وكان ملك مصر آنذاك فؤاد يتمنى أن يصبح خليفة المسلمين. إلا أن غالبية مندوبي الدول العربية لم يروا ضرورة لإحياء دولة الخلافة، حيث كانت الدول الإسلامية تحاول استعادة استقلالها القومي.

لكن مدرسا مصريا يدعى حسن البنا لم يوافق على هذا القرار، وقام عام 1928 بتكوين جماعة الإخوان المسلمين في مصر، للعمل على بناء الخلافة الإسلامية من جديد، مما جعل جماعة الإخوان المسلمين تصبح أول تنظيم للإسلام السياسي في البلدان العربية. ولما كان laquo;الإخوانraquo; لا يؤمنون بالديمقراطية - التي تنادي بأن يقوم ممثلو الشعب بتشريع القوانين - فقد كوّنوا جناحا عسكريا بدأ يقوم بأعمال إرهابية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، مما أدى إلى مقتل ثلاثة من رؤساء الوزارات في مصر. بعد ذلك عندما فشل التحالف الذي أقامه laquo;الإخوانraquo; مع الضباط الأحرار عام 1952، حيث انفرد الضباط بحكم البلاد واستبعدوا laquo;الإخوانraquo;، ظهر اتجاه جديد بين صفوف الجماعة ينادي بضرورة استخدام العنف لفرض نظام الخلافة بالقوة، ليس في مصر وحدها، بل في كافة الدول العربية التي اعتبروا حكامها غير شرعيين. إلا أن الفرصة جاءت سانحة لوصول laquo;الإخوانraquo; إلى الحكم بطرق سلمية، عندما تمكن الشباب المصري من إنهاء حكم حسني مبارك في فبراير (شباط) 2011، دون أن يكون لديهم القدرة على حكم البلاد، ولما كان laquo;الإخوانraquo; هم القوة الوحيدة المنظمة في مصر بعد سقوط نظام 1952، فقد تمكنوا من السيطرة على البرلمان المصري الجديد بسهولة، وهم الآن يحاولون اختيار رئيس لمصر يتعاون معهم، ودستور يسمح لهم بإعلان عودة نظام الخلافة في مصر.

من المعروف أن نظام الخلافة يقضي بضرورة إخضاع كافة الدول العربية إلى خلافة laquo;الإخوانraquo; في القاهرة بالقوة إذا اقتضى الأمر. وربما هذا هو ما يفسر لنا سبب هجوم القرضاوي على دولة الإمارات التي دائما ما ساعدت كافة الشعوب العربية منذ تأسست تحت حكم الشيخ زايد، رحمه الله، وسبب تهديد جماعة الإخوان للإمارات دفاعا عن القرضاوي.